إقامة الحدود
إن الحمد لله…
أما بعدُ، فإن خيرَ الحديثِ كتابُ اللهِ وخيرَ الهديِ هديُ محمدٍ صلَّى اللهُ عليهِ وسلَّمَ وشرَّ الأمورِ محدثاتُها وكلَّ بدعةٍ ضلالةٌ
عباد الله
لَقَدْ حَرِصَتِ الْشَّرِيعَةُ الْإِسْلَامِيَّةُ الْغَرَّاءُ عَلَى اجْتِمَاعِ كَلِمَةِ الْأُمَّةِ، وَنَبْذِ أَسْبَابِ الْفُرْقَةِ، وَمَا يَؤُولُ إِلَى اخْتِلَالِ الْأَمْنِ، وَنُشُوءِ النِّزَاعَاتِ، وَإِزْهَاقِ الْأَنْفُسِ، وَإِضَاعَةِ الْحُقُوقِ وَتَعْرِيضِ المَصَالِحِ لِلْخَطَرِ،
يَقُولُ اللهُ تَعَالَى: ﴿وَاعْتَصِمُوا بِحَبْلِ اللَّهِ جَمِيعًا وَلَا تَفَرَّقُوا﴾، وَقَالَ تَعَالَى : ﴿وَلَا تَقْتُلُوا النَّفْسَ الَّتِي حَرَّمَ اللَّهُ إِلَّا بِالْحَقِّ﴾، وَقَالَ تَعَالَى: ﴿وَلَا تُفْسِدُوا فِي الْأَرْضِ بَعْدَ إِصْلَاحِهَا﴾.
وَقَالَ النَّبِيُّ ﷺ: «لَنْ يَزَالَ المُؤْمِنُ فِي فُسْحَةٍ مِنْ دِينِهِ، مَا لَمْ يُصِبْ دَمًا حَرَامًا».
إِلَّا أَنَّ فِئَاتٍ مُجْرِمَةً ضَلَّتْ طَرِيقَ الْحَقِّ، وَاسْتَبْدَلَتْ بِهِ الْأَهْوَاءَ، وَاتَّبَعَتْ خُطُوَاتِ الْشَّيْطَانِ، فَاعْتَنَقَتِ الأفكارَ الضالةَ وَالْمَنَاهِجَ وَالْمُعْتَقَدَاتِ الْمُنْحَرِفَة.
ما بين أفكار تدعو إلى الإلحاد وترك أحكام الشريعة والانحلال الديني والخلقي، وما بين أفكار تدعو إلى الغلو وتكفير المسلمين واستباحة دمائهم وأموالهم كالخوارج وغيرهم.
فَأَقْدَمَتْ بِأَفْعَالِهَا الْإِرْهَابِيَّةِ الْمُخْتَلِفَةِ عَلَى اسْتِبَاحَةِ الدِّمَاءِ الْمَعْصُومَةِ حَتَّى طَالَ إِجْرَامُهُمْ لِيَنَالُوا مِنْ آبَائِهم وَأُمَّهَاتِهِمْ، وَانْتِهَاكِ الْحُرُمَاتِ الْمَعْلُومَةِ مِنَ الدِّينِ بِالضَّرُورَةِ، يَهْدِفُونَ مِنْ خِلَالَ ذَلِكَ إِلَى زَعْزَعَةِ الْأَمْنِ، وَزَرْعِ الْفِتَنِ وَالْقَلَاقِلِ، وَإِحْدَاثِ الشَّغَبِ وَالْفَوْضَى، وَتَنْفِيذِ مُخَطَّطَاتِ تَنْظِيمِ «دَاعِشَ» وَالْقَاعِدَةِ وَالْحُوْثِيِّ الْإِرْهَابِيَّةِ، وَتَنْظِيمَاتٍ أُخْرَى مُعَادِيَةٍ لبلادنا ، وَالْعَمَلِ مَعَهَا اسْتِخْبَارَاتِيًّا.
وَبِفَضْلٍ مِنَ اللهِ تَمَكَّنَتْ سُلْطَاتُ الْأَمْنِ فِي بِلَادِنَا مِنَ الْقَبْضِ عَلَى تِلْكَ الْعَنَاصِرِ الْإِجْرَامِيَّةِ الَّتِي تَلَطَّخَتْ أَيْدِيْهِمْ بِدِمَاءِ الْأَبْرِيَاءِ، وَتَلَوَّثَتْ أَفْكَارُهُمْ وَأَفْعَالُهُمْ، وَتَمَّ تَنْفِيذُ حُكْمِ اللهِ عَزَّ وَجَلَّ فِيهِمْ.
وَإِقَامَةُ الْحُدُودِ مِمَّا يَجِبُ أَنْ يَفْرَحَ بِهِ الْمُؤْمِنُونَ، وَلَا يَجُوزُ لِأَحَدٍ كَائِنَاً مَنْ كَانَ أَنْ يَعْتَرِضَ عَلَيْهَا بِالْتَّشْكِيكِ أَوْ بِالتَّنْدِيدِ، فَاللهُ جَلَّ وَعَلَا شَحَذَ عَزَائِمَ الْمُؤْمِنِينَ، لإِقَامَةِ الْحُدُودِ عَلَى الْمُعْتَدِينَ، وَعَدَمِ الْاِسْتِسْلَاَمِ لِلْعَاطِفَةِ، فَقَالَ تَعَالَى: ﴿وَلَا تَأْخُذْكُمْ بِهِمَا رَأْفَةٌ فِي دِينِ اللَّهِ إِنْ كُنْتُمْ تُؤْمِنُونَ بِاللَّهِ وَالْيَوْمِ الْآخِرِ وَلْيَشْهَدْ عَذَابَهُمَا طَائِفَةٌ مِنَ الْمُؤْمِنِينَ﴾، وَقَالَ الْنَّبِيُّ ﷺ لأُسَامَةَ بْنِ زَيْدٍ: «أَتَشْفَعُ فِي حَدٍّ مِنْ حُدُودِ اللَّهِ!! وَايْمُ اللَّهِ، لَوْ أَنَّ فَاطِمَةَ بِنْتَ مُحَمَّدٍ سَرَقَتْ لَقَطَعْتُ يَدَهَا».
لأَنَّ فِي إِقَامَةِ الْحُدُودِ حِمَايَةٌ لِلدِّينِ وَالْمُجْتَمَعِ، وَتَأْمِينٌ لِلطُّرُقِ، وَاسْتِتْبَابٌ لِلْأَمْنِ فِي الْبِلَادِ حَضَرَاً وَسَفَرَاً، وَلِذَا قَالَ تَعَالَى مُوَجِّهًا أَنْظَارَ الْأُمَّةِ لِثِمَارِ إِقَامَةِ الْحُدُودِ: ﴿وَلَكُمْ فِي الْقِصَاصِ حَيَاةٌ يَا أُولِي الْأَلْبَابِ لَعَلَّكُمْ تَتَّقُونَ﴾، فَلَوْلَا الْقِصَاصُ لَفَسَدَ النَّاسُ، وَلَأَهْلَكَ بَعْضُهُمْ بَعْضَاً.
أقول ما تسمعون ...
الخطبة الثانية
الحمدلله ..
عباد الله .. وإن مما ابتلي به المسلمون ظهور جماعات التكفير المعاصرة، التي تسببت في كثير من الفتن في بلاد المسلمين، وحصل بسببهم سفك الدماء المعصومة، وانتهاك الأعراض المصونة، وإتلاف الأموال المحترمة.
فانتشرت الفوضى، وشُرِّد الفئام من الناس، فلا نصروا دينا، ولا أقاموا دنيا، بل شوهوا صورة الإسلام بأفعالهم المشينة التي يزعمون أنها من الدين، والدين منها براء.
ففتحوا الباب على مصراعيه للأعداء للنيل من الإسلام وأهله، وتمكينهم من بلاد المسلمين، وقد أخبر النبي r عن الخوارج أنهم يقتلون أهل الإسلام ويَدَعون أهل الأوثان.
فاللهم ادفع عنا شر الأشرار وكيد الفجار، اللهم أعذنا من الفتن ما ظهر منها وما بطن، اللهم احفظ بلادنا وبلاد المسلمين من كل شر وبلاء.
اللهم أدم علينا الأمن والإيمان، ووفق علماءنا وولاتِنا لما يرضيك، واجمع كلمة المسلمين على الحق والهدى.
اللهم اعز الإسلام والمسلمين
الخطيب : مشعل حمد الغراب
الدولة : السعودية
المدينة : الرياض
اسم الجامع : شيخ الإسلام ابن تيمية
تاريخ الخطبة : 15-08-1443
تاريخ الإضافة : 15-08-1443
تصنيف الخطبة : الخطب
- وفاة النبي عليه الصلاة والسلام
- خطبة عيد الأضحى المبارك لعام 1444 هـ
- فضل عشر ذي الحجة الجزء 2
- فضل عشر ذي الحجة
- حكم الحج وفضله
- قصة أيوب عليه السلام
- أسباب الثبات على الدين
- خطورة الرشوة
- يا اهل السودان
- ماذا بعد رمضان
- خطبة عيدالفطر المبارك لعام 1444
- اخر جمعة من رمضان
- كيف تصلح قلوبنا
- استقبال رمضان والصدقات
- فضائل أمهات المؤمنين - رضي الله عنهن -
- الغش والاحتكار
- الحياء
- الزلزال
- نعيم الجنة
- شهر رجب
- الغيبة والنميمة
- قصة قارون
- أضرار المخدرات
- تهنئة الكفار بأعيادهم
- آداب التنزه والرحلات
- النزاهة والمحافظة على المال العام
- سورة ق
- بر الوالدين
- خطورة الطلاق
- هل تعرف ربك؟
- الشمس