داء الكبر وعلاجه

إن الحمد لله

 عباد الله . . لقد جاءت الشريعة الإسلامية، بالترغيب في مكارم الأخلاق، والترهيب من سيئها، وإن من الأخلاق الكريمة خلق التواضع، التواضع لله ولعباده، وهو خلق الأنبياء عليهم السلام، والصالحين من سلف الأمة، ومما يناقض التواضع وينافيه، التكبر على الله وعلى عباده، فالتكبر هو رد الحق ممن جاء به واحتقارُ الناس وازدراؤهم، فعن عبد الله بن مسعود رضي الله عنه عن النبي صلى الله عليه وسلم قال: «لا يدخل الجنة من كان في قلبه مثقال ذرة من كبر» قال رجل: إن الرجل يحب أن يكون ثوبه حسناً ونعله حسنة؟ قال: «إن الله جميل يجب الجمال».

يعني أن ظهور الإنسان بالمظهر اللائق واللباس الحسن، لا يعد من الكبر في شيء، ثم بين عليه الصلاة والسلام حقيقة الكبر فقال: «الكبر بَطَر الحق، وغمط الناس» رواه مسلم، وبطر الحق أي دفعه ورده وعدم قبوله، وغمط الناس احتقارهم، فمن لم يقبل الحق الواضح البيِّن فهو متكبر، ومن يزدري الناس ويحتقرهم، ويسخر منهم فهو متكبر عليهم، متوعد بوعيد شديد، فعن عبد اللَّه بن مسعود رضي الله عنه قال: قال رسول اللَّهِ صلى الله عليه وسلم: «لَا يَدْخُلُ النَّارَ أَحَدٌ في قَلْبِهِ مِثْقَالُ حَبَّةِ خَرْدَلٍ من إِيمَانٍ، ولا يَدْخُلُ الْجَنَّةَ أَحَدٌ في قَلْبِهِ مِثْقَالُ حَبَّةِ خَرْدَلٍ من كِبْرِيَاءَ» رواه مسلم.

وعن أبي هُرَيْرَةَ عن النبي  صلى الله عليه وسلم  قال: «تَحَاجَّتْ النَّارُ وَالْجَنَّةُ، فقالت النَّارُ: أُوثِرْتُ بِالْمُتَكَبِّرِينَ وَالْمُتَجَبِّرِينَ، وَقَالَتْ الْجَنَّةُ: فمالي لَا يَدْخُلُنِي إلا ضُعَفَاءُ الناس وَسَقَطُهُمْ وَعَجَزُهُمْ، فقال الله لِلْجَنَّةِ: أَنْتِ رَحْمَتِي أَرْحَمُ بِكِ من أَشَاءُ من عِبَادِي، وقال لِلنَّارِ: أَنْتِ عَذَابِي أُعَذِّبُ بِكِ من أَشَاءُ من عِبَادِي، وَلِكُلِّ وَاحِدَةٍ مِنْكُمْ مِلْؤُهَا» رواه مسلم،

وعن أبي هُرَيْرَةَ رضي الله عنه قال: قال رسول اللَّهِ  صلى الله عليه وسلم: «قال الله عز وجل: الْكِبْرِيَاءُ رِدَائِي وَالْعَظَمَةُ إِزَارِي، فَمَنْ نَازَعَنِي وَاحِدًا مِنْهُمَا قَذَفْتُهُ في النَّارِ» رواه أبو داود، ورواه مسلم بنحوه، وأعظم التكبر، التكبر عن عبادة الله تعالى، وتوحيده وطاعته، قال سبحانه: ﴿ إِنَّ الَّذِينَ يَسْتَكْبِرُونَ عَنْ عِبَادَتِي سَيَدْخُلُونَ جَهَنَّمَ دَاخِرِينَ﴾ أي أذلاء صاغرين.

عباد الله وأما عقوبة الله تعالى للمتكبرين في الدنيا فهي أنواع، منها وهي أعظمها الطبع على قلب المتكبر، قال سبحانه: ﴿ كَذَلِكَ يَطْبَعُ اللَّهُ عَلَى كُلِّ قَلْبِ مُتَكَبِّرٍ جَبَّارٍ﴾ والطبع على القلب هو منع وصول الخير إليه، فلا يعرف معروفاً ولا ينكر منكراً، والعياذ بالله، عباد الله إن للتكبر أسباباً كثيرة.

منها تكبره بسبب جاهه ومنصبه أو بسبب ماله أو شهرته أو بسبب علمه وشهاداته أو بسبب حسبه ونسبه أو بسبب لونه وجسمه أو بسبب جنسيته وبلاده فتجده يحتقر ويزدري غيره

والله جل وعلا قد جعل ميزان المفاضلة بين الناس في التقوى لا غير، فقال سبحانه: ﴿إِنَّ أَكْرَمَكُمْ عِندَ اللَّهِ أَتْقَاكُمْ﴾ وقال عليه الصلاة السلام: «لا فضل لعربي على عجمي ولا لعجمي على عربي، ولا لأبيض على أسود، ولا لأسود على أبيض إلا بالتقوى، الناس من آدم وآدم من تراب» رواه أحمد

وما علم هذا المتكبر المسكين أنه ما حصل له من العلم والمال والحسب واللون وغيره إلا بفضل الله عليه ومنته وإحسانه إليه، لا بحوله وقوته، فبأي شيء يتكبر؟ ولأي شيء يتعاظم؟

اللهم طهر قلوبنا من الكبرياء، واجعلنا من عبادك الاتقياء، وجنبنا أسباب غضبك وعقابك، برحمتك يا أرحم الراحمين.

 

الخطبة الثانية: 

الحمد لله . .

 أما بعد، فاتقوا الله معاشر المسلمين . . واعلموا أن علاج الكبر لمن ابتلي به يكون بأمور منها:

1- استحضار عظمة الله في القلب، وما له جل وعلا من الأسماء الحسنى والصفات العلى، وأن الكبرياء لا يكون إلا لله سبحانه، وليس لأحد من المخلوقين أن يتصف به، فمن نازع الله فيه أنزل به بأسه وعذابه، وحرّم عليه جنته، ووعده بنار تلظى.

2-ومما يعالج به الكبر أن يتذكر العبد أصل خلقته وتكوينه، وأن الله خلقه من ماء مهين، كما قال سبحانه: ﴿ أَلَمْ نَخْلُقكُّم مِّن مَّاءٍ مَّهِينٍ﴾ وقال تعالى: ﴿ فَلْيَنظُرِ الإِنسَانُ مِمَّ خُلِقَ * خُلِقَ مِن مَّاءٍ دَافِقٍ﴾  ثم إنه صائر إلى التراب بعد موته، فكيف يتكبر من هذه خلقته، وهذا مآله؟

3- ومما يعين على السلامة من الكبر اللجوء إلى الله تعالى ودعائه والتضرع إليه بأن يطهر القلب من الكبر، والله جل وعلا لا يرد من دعاه ولا يخيب من رجاه.

اللهم أهدنا لأحسن الأخلاق لا يهدي لأحسنها إلا أنت، وأصرف عنا سيئها لا يصرف عنا سيئها إلا أنت،  اللهم مُنَّ علينا بالتوبة النصوح قبل الممات، وأعنا على ذكرك وشكرك وحسن عبادتك

اللهم أعز الإسلام