السعادة

إن الحمد لله ..

أما بعدُ، فإن خيرَ الحديثِ كتابُ اللهِ وخيرَ الهديِ هديُ محمدٍ صلَّى اللهُ عليهِ وسلَّمَ وشرَّ الأمورِ محدثاتُها وكلَّ بدعةٍ ضلالةٌ

عباد الله:

كل الناس يبحثون عن السعادة

فإن السعادة و راحة القلب، وطمأنينته وسروره وزوال همومه وغمومه، هو المطلب لكل أحد، وبه تحصل الحياة الطيبة، ويتم السرور والابتهاج، بحث الناس عن السعادة في المال والمنصب والجاه والشهرة فلم يجدوا السعادة الحقيقية التي بحثوا عنها وقد اعترف كثير منهم بذلك، فما أسباب السعادة الحقيقية التي تحصل للعبد في الدنيا والآخرة؟

إن من أعظم أسباب السعادة الحقيقية :

1- العلم بالله بأسمائه وصفاته وأفعاله والتعلق به وحده لا شريك له ‏فهو مقلب القلوب وبيده ‏سعادتها وانشراحها ﴿ أَفَمَن شَرَحَ اللَّهُ صَدْرَهُ لِلإِسْلامِ فَهُوَ عَلَى نُورٍ مِّن رَّبِّهِ فَوَيْلٌ لِّلْقَاسِيَةِ قُلُوبُهُم مِّن ذِكْرِ اللَّهِ أُوْلَئِكَ فِي ضَلالٍ مُّبِينٍ﴾، ﴿قَالَ رَبِّ اشْرَحْ لِي صَدْرِي * وَيَسِّرْ لِي أَمْرِي﴾.

2- ومنها العمل الصالح، قال تعالى: ﴿مَنْ عَمِلَ صَالِحًا مِنْ ذَكَرٍ أَوْ أُنثَى وَهُوَ مُؤْمِنٌ فَلَنُحْيِيَنَّهُ حَيَاةً طَيِّبَةً وَلَنَجْزِيَنَّهُمْ أَجْرَهُمْ بِأَحْسَنِ مَا كَانُوا يَعْمَلُونَ﴾.

فكلما تقرب العبد إلى ربه كلما زادت سعادته

3- ومنها الإيمان بقضاء الله وقدره وأن ما شاء الله كان وما لم يشأ لم يكن لا مانع لما أعطى ولا معطي لما منع وكل ذلك لحكمة بالغة منه سبحانه فلا تجزع، ﴿مَا أَصَابَ مِن مُّصِيبَةٍ إِلاَّ بِإِذْنِ اللَّهِ وَمَن يُؤْمِنْ بِاللَّهِ يَهْدِ قَلْبَهُ﴾.

4- ومنها الإحسان إلى الخلق بالقول والفعل، وأنواع المعروف

﴿لاَ خَيْرَ فِي كَثِيرٍ مِنْ نَجْوَاهُمْ إِلاَّ مَنْ أَمَرَ بِصَدَقَةٍ أَوْ مَعْرُوفٍ أَوْ إِصْلَاحٍ بَيْنَ النَّاسِ وَمَنْ يَفْعَلْ ذَلِكَ ابْتِغَاءَ مَرْضَاةِ اللَّهِ فَسَوْفَ نُؤْتِيهِ أَجْرًا عَظِيمًا﴾.

5- ومنها اجتماع الفكر كله على الاهتمام بعمل اليوم الحاضر، وقطعه عن الاهتمام في الوقت المستقبل، وعن الحزن على الوقت الماضي، ولهذا استعاذ النبي ‪ﷺ من الهم والحزن

6- ومنها الإكثار من ذكر الله، فإن لذلك تأثيراً عجيباً في انشراح الصدر وطمأنينته، وزوال همه وغمه، قال تعالى: ﴿أَلاَ بِذِكْرِ اللَّهِ تَطْمَئِنُّ الْقُلُوبُ‪﴾

7- ومنها كذلك التحدث بنعم الله الظاهرة والباطنة، فإن معرفتها والتحدث بها يدفع الله به الهم والغم، حتى ولو كان العبد في حالة فقر أو مرض أو غيرهما من أنواع البلايا. فإنه إذا قابل بين نعم الله عليه - التي لا يحصى لها عد ولا حساب - وبين ما أصابه من مكروه، لم يكن للمكروه إلى النعم نسبة

8- ومن أنفع الأمور لطرد الهم أن توطن نفسك على أن لا تطلب الشكر إلا من الله، فإذا أحسنت إلى من له حق عليك أو من ليس له حق، فاعلم أن هذا معاملة منك مع الله. فلا تبال بشكر من أنعمت عليه، كما قال تعالى في حق خواص خلقه  ﴿إِنَّمَا نُطْعِمُكُمْ لِوَجْهِ اللَّهِ لاَ نُرِيدُ مِنْكُمْ جَزَاءً وَلاَ شُكُورًا‪﴾

ويتأكد هذا في معاملة الأهل والأولاد

فاللهم ارزقنا السعادة في الدنيا والآخرة

 

الخطبة الثانية :

الحمد لله ..

عباد الله ومن أعظم أسباب السعادة

9- استعمال ما أرشد إليه النبي ‪ﷺ في الحديث الصحيح حيث قال: «انظروا إلى من هو أسفل منكم ولا تنظروا إلى من هو فوقكم فإنه أجدر أن لا تزدروا نعمة الله عليكم»، فإن العبد إذا نصب بين عينيه هذا الملحظ الجليل رآه يفوق جمعاً كثيراً من الخلق في العافية وتوابعها، وفي الرزق وتوابعه مهما بلغت به الحال،فتحصل  سعادته

وانظر اليوم إلى حال كثير من الناس مع انتشار وسائل التواصل عندما نظر إلى من هو فوقه، كيف جحد نعم الله عليه ولم يرض بما قسم الله وازدرا نعمة الله  فأصبح بعض الأولاد والبنات ‏هداهم الله ‏لا يشكرون لوالديهم بل و يطالبون والديهم بما يشق عليهم

وانظر إلى حال كثير من النساء اليوم عندما تابعن مثل هؤلاء كيف زهدت في نعم الله عليها وزهدت في بيتها وزوجها وطلبت الطلاق والخلع وفرقت الأسرة، فإنا لله وإنا إليه راجعون

10- ومن أعظم أسباب السعادة : استعمال هذا الدعاء الذي كان النبي ‪ﷺ يدعو به: «اللهم أصلح لي ديني الذي هو عصمة أمري وأصلح لي دنياي التي فيها معاشي، وأصلح لي آخرتي التي إليها معادي، واجعل الحياة زيادة لي في كل خير، والموت راحة لي من كل شر»، وكذلك قوله: «اللهم رحمتك أرجو فلا تكلني إلى نفسي طرفة عينْ وأصلح لي شأني كله، لا إله إلا أنت». فإذا لهج العبد بهذا الدعاء الذي فيه صلاح مستقبله الديني والدنيوي بقلب حاضر، ونية صادقة، مع اجتهاده فيما يحقق ذلك، حقق الله له ما دعاه ورجاه وعمل له، وانقلب همه فرحاً وسروراً

اللهم اعز الإسلام والمسلمين