المداومة على العمل الصالح

بسم الله الرحمن الرحيم

المداومة على الأعمال الصالحة

الجمعة : 14/12/1421هـ (3)

الحمد لله الذي خلق الخلق ليعبدوه ، وأستخلفهم في الأرض ليطيعوه ، أحمده حمداً يليق بجلال وجهه وعظيم سلطانه ، وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له ، وأشهد أن محمداً عبده ورسوله صلى الله عليه وعلى آله وصحبه وسلم تسليماً كثيراً ، أما بعد

فياأيها الناس :

اتقوا الله الذي إليه تحشرون ، وراقبوه فإنه خبير بما تعملون ، وتبصروا في هذه الأيام والليالي ، فإنها مراحل تقطعونها إلى الدار الآخرة ، فطوبى لعبد اغتنم فرصها ، طوبى لعبد شغلها بالطاعات ، طوبى لعبد تجنب المنكرات ، طوبى لعبد اتعظ بما فيها من التقلبات ﴿يُقَلِّبُ اللهُ اللَّيْلَ وَالنَّهَارَ إِنَّ فِي ذَلِكَ لَعِبْرَةً لأُولِي الأَبْصَارِ﴾ إن الزمان وتقلباته أنصح المؤدبين ، وإن الدهر بقوارعه أفصح المتكلمين .

أخي في الله : يا من منّ الله عليه فحج إلى البيت الحرام ، وطاف وسعى وقرب القربان ، نسأل الله أن تكون ممن قبل الله حجه ، فرجع من ذنوبه كيوم ولدته أمه . ويا من صمت يوم عرفة وأشغلت أيام عشر ذي الحجة بالتهليل والتكبير والتحميد والصيام والقيام وصالح الأعمال نسأل الله أن تكون ممن قبل الله صومه فشملك قول النبي صلى الله عليه وسلم فيما يرويه مسلم عن أبي قتادة رضي الله عنه قال سئل رسول الله صلى الله عليه وسلم عن صوم يوم عرفة فقال : « يكفر السنة الماضية والباقية » ثم اعلموا أن مواسم العبادة لا تنقطع ، ولئن تفاضلت بعض الأيام والشهور ، وتضاعفت في بعض المواسم الأجور، فما ذلك إلا من أجل مزيد العمل ، وتنشيط الهمم ، والمغبون من لم يعرف ربه إلا في أيام معلومة ، أو ساعات معدودة ، قال جل وعلا ﴿وَاعْبُدْ رَبَّكَ حَتَّى يَأْتِيَكَ الْيَقِينُ﴾ يعني الموت ، فالاستقامة في جميع الشهور والأيام ، وتدبروا قوله ﴿وَمَا خَلَقْتُ الْجِنَّ وَالإِنْسَ إِلاَّ لِيَعْبُدُونِ﴾ وقوله تعالى ﴿مَنْ عَمِلَ صَالِحًا مِّن ذَكَرٍ أَوْ أُنْثَى وَهُوَ مُؤْمِنٌ فَلَنُحْيِيَنَّهُ حَيَاةً طَيِّبَةً وَلَنَجْزِيَنَّهُمْ أَجْرَهُم بِأَحْسَنِ مَا كَانُوا يَعْمَلُونَ

عن أبي هريرة رضي الله عنه قال : قال رسول الله صلى الله عليه وسلم « إن الله تعالى قال : من عادى لي ولياً فقد آذنته بالحرب ، وما تقرب إلي عبدي بشيء أحب إلي مما افترضته عليه ، ولا يزال عبدي يتقرب إلي بالنوافل حتى أحبه ، فإذا أحببته ، كنت سمعه الذي يسمع به ، وبصره الذي يبصر به ، ويده التي يبطش بها ، ورجله التي يمشي بها ، ولئن سألني لأعطينه ، ولئن استعاذني لأعيذنه » رواه البخاري .

قيل للحسن : الحج المبرور جزاؤه الجنة ، قال : آية ذلك أن يرجع زاهداً في الدنيا ، راغباً في الآخرة ، وقيل له : جزاء الحج المبرور المغفرة ، قال : آية ذلك أن يدع سيىء ماكان عليه من العمل . أ . ه

فعلامة قبول الطاعة أن توصل بطاعة بعدها ، وعلامة ردها أن تتبع بمعصية ، ما أحسن الحسنة بعد الحسنة ، وأقبح السيئة بعد الحسنة ، ما أوحش ذل المعصية بعد عز الطاعة ، سلوا الله الثبات إلى الممات ، وتعوذوا من الحور بعد الكور . فمن غفل عن نفسه تصرمت أوقاته ، ثم اشتدت عليه حسراته . العمل الصالح ميدانه واسع ، ومفهومه شامل ،فإن من الأعمال الصالحة ما ينفع صاحبه في الحياة و بعد الممات ، من الأعمال أعمال قلبية كالإيمان بالغيب ، والحب والبغض ، والخوف والرجاء ، ومنها أعمال لسانية : كالذكر والدعاء ، والأمر بالمعروف والنهي عن المنكر ، ومنها أعمال بدنية كالصلاة والجهاد ، ومنها أعمال مالية كالزكاة والصدقة والإنفاق على العيال .

من الأعمال فرائض كالصلاة والصيام ، ومنها نوافل كقيام الليل ، والسنن الرواتب . من الأعمال مرة في العمر كالحج ، ومنها عبادات سنوية كصيام رمضان ، ومنها عبادات شهرية كصيام الأيام البيض ، ومنها عبادات أسبوعية كصلاة الجمعة ، ومنها عبادات يومية كالصلوات الخمس ، ومنها عبادات دائمة كالذكر والدعاء .

فعلى المسلم أن يجتهد في طاعة الله ، وأن يتجنب معصية الله ، فبؤساً لقوم آثروا الدنيا على الآخرة ، فباعوا عيشاً لا يفنى ولا يزول بعيش زائل مملوء بالتنكيد ، إن أضحك قليلاً ، أبكى كثيراً ، وإن سر يوماً ، أحزن شهوراً ، آماله آلام ، وحقائقه أحلام ، وأوله مخاوف ، وآخره متالف .

بؤساً لقوم نسوا الآخرة وأهملوها ، وتركوا أوامر الله وضيعوها .

اللهم ……

أقول ما تسمعون وأستغفر الله لي ولكم إنه هو الغفور الرحيم

الخطبة الثانية:

الحمد لله على إحسانه ……

فإن للأعمال الصالحة منافع عظيمة ، وفوائد جسيمة ، منها

 أنها قربة لله جل وعلا وطاعة .

 ومنها : دوام اتصال القلب بخالقه فيكفيه همه ﴿وَمَن يَّتَوَكَّلْ عَلَى اللهِ فَهُوَ حَسْبُهُ﴾ .

 ومنها ترويض النفس على لزوم الخيرات حتى تسهل عليها وتصير ديدناً لها .

 ومنها أنها سبب لمحبة الله ﴿إِنَّ اللهَ يُحِبُّ التَّوَّابِينَ وَيُحِبُّ الْمُتَطَهِّرِينَ﴾.

 ومنها أنها سبب للنجاة من الشدائد فعن ابن عباس رضي الله عنهما قال : كنت خلف النبي صلى الله عليه وسلم يوماً فقال « يا غلام إني أعلمك كلمات ، احفظ الله يحفظك ، احفظ الله تجده تجاهك » الحديث رواه الترمذي وقال حديث حسن صحيح .

 ومنها أنها تنهى صاحبها عن الفحشاء والمنكر قال تعالى ﴿اتْلُ مَا أُوحِيَ إِلَيْكَ مِنَ الْكِتَابِ وَأَقِمِ الصَّلاَةَ إِنَّ الصَّلاَةَ تَنْهَى عَنِ الْفَحْشَاءِ وَالْمُنْكَرِ

 ومنها أنها سبب لمحو الخطايا والذنوب فعن أبي هريرة رضي الله عنه أنه قال : قال رسول الله صلى الله عليه وسلم « من قال سبحان الله وبحمده في يوم مائة مرة ، حطت خطاياه وإن كانت مثل زبد البحر » متفق عليه .

 ومنها أنها سبب لحسن الختام ، قال تعالى ﴿يُثَبِّتُ اللهُ الَّذِينَ آمَنُوا بِالْقَوْلِ الثَّابِتِ فِي الْحَيَاةِ الدُّنْيَا وَفِي الآخِرَةِ وَيُضِلُّ اللهُ الظَّالِمِينَ وَيَفْعَلُ اللهُ مَا يَشَاءُ﴾ .

 ومنها أنها سبب للتيسير في الحساب فعن ربعي بن حراش قال : اجتمع حذيفة وأبو مسعود فقال حذيفة : رجل لقي ربه فقال : ما عملت ؟« فقال : ما عملت من الخير إلا أني كنت رجلاً ذا مال فكنت أطالب به الناس ، فكنت أقبل الميسور ، وأتجاوز عن المعسور . فقال : تجاوزوا عن عبدي » . قال أبو مسعود هكذا سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول . رواه مسلم .

 ومنها أن يظل الله عبده في ظله يوم لا ظل إلا ظله كما في حديث السبعة الذي رواه الشيخان .

 ومنها أنها سبب لدخول الجنة . فعن أبي هريرة رضي الله عنه أنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم « من أنفق زوجين من شيء من الأشياء في سبيل الله دعي من أبواب الجنة ، وللجنة أبواب ، فمن كان من أهل الصلاة دعي من باب الصلاة ، ومن كان من أهل الجهاد دعي من باب الجهاد ، ومن كان من أهل الصدقة دعي من باب الصدقة ، ومن كان من أهل الصيام دعي من باب الريان » فقال أبو بكر رضي الله عنه : ما على من دعي من تلك الأبواب من ضرورة ، فهل يدعى أحد من تلك الأبواب كلها ؟ قال : « نعم ، وأرجو أن تكون منهم » متفق عليه .