سؤال الله العافية

إن الحمد لله . . .

أما بعد..

عباد الله . . لما كان الدعاء من أعظم العبادات وأجلِّها، فقد أرشد النبي صلى الله عليه وسلم إلى أدعية كثيرة، جامعةٍ لخيري الدنيا والآخرة، ومن تلك الأدعية

عن ابن عمر رضي الله عنهما قال: لم يكن رسول الله صلى الله عليه وسلم يدع هؤلاء الكلمات إذا أصبح وإذا أمسى: «اللهم إني أسألك العافية في الدنيا والآخرة. اللهم إني أسألك العفو والعافية في ديني ودنياي، وأهلي ومالي. اللهم استر عوراتي وآمن روعاتي. اللهم احفظني من بين يدي ومن خلفي، وعن يميني وعن شمالي، ومن فوقي، وأعوذ بعظمتك من أن أغتال من تحتي». رواه الإمام أحمد 4785 وصحح إسناده أحمد شاكر.

و قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: «ما مِن دعوة يدعو بها العبد أفضلَ من: اللهم إني أسألك المعافاةَ في الدنيا والآخرة» رواه ابن ماجه (3851) وصححه البوصيري في الزوائد والألباني.

وهذا الدعاء من جوامع الأدعية، التي اشتملت على معان عظيمة بأوجز عبارة، فالمعافاة في الدنيا عامة لكل عافية لك في دنياك،

ومن ذلك أن يعافيك الله تعالى في دينك، فلا يزيغ قلبُك، فترتد عن الإسلام، أو تفتتن بشبهات البدع المحدثة، أو تنزلق في أوحال المعاصي كبائرها وصغائرها،

ويعافيَك في بدنك من الأمراض المزمنة، والأوبئة المعدية، والعاهات والإصابات في الحوادث وغيرها، ويعافيَك في أهلك وولدك فلا ترى فيهم ما يسوؤك من فساد عقدي وخلقي، أو مرض أو بلاء، ويعافيك في مالك من الخسارة والضياع وألا يكون هذا المال وَبالا عليك، ويعافيك الله في بلدك من الفتن، فتأمن على نفسك وأهلك ومالك، ويعافيك الله في عرضك وسمعتك، فلا يشاع بين الناس عنك إلا كل وصف حسن وسمعة طيبة.

وأما العافية في الآخرة فهي بأن يعافيك الله تعالى من حين موتك إلى حصول العافية التامة بالنجاة من النار ودخول الجنة، فيعافيك الله من عذاب القبر ووحشته، فإن القبر أول منازل الآخرة، فعن عثمان رضي الله عنه، أنه كان إذا وقف على قبر بكى حتى يبلَ لحيته، فقيل له: تذكر الجنة والنار فلا تبكي، وتذكر القبر فتبكي؟ فقال: إني سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول: «القبر أول منازلِ الآخرة، فإن نجا منه فما بعده أيسر منه، وإن لم ينج منه فما بعده أشد منه».

ومن العافية في الآخرة أن يعافيك الله تعالى من أهوال اليوم القيامة، فتكون ممن قال الله فيهم: ﴿لاَ يَحْزُنُهُمُ الفَزَعُ الأَكْبَرُ وَتَتَلَقَّاهُمُ المَلائِكَةُ هَذَا يَوْمُكُمُ الَّذِي كُنتُمْ تُوعَدُونَ﴾

ويعافيك الله تعالى في عرصات القيامة، فإن الشمس تدنو من الخلائق، حتى يكون بينهم وبينها مقدار ميل، ويكون الناس على قدر أعمالهم في العرق، فمنهم من يكون العرق إلى كعبيه، ومنهم من يكون إلى ركبتيه، ومنهم من يكون إلى حقويه، ومنهم من يلجمه الغرق إلجاماً.

ويعافيك الله تعالى عند العبور على الصراط، والصراط جسر ممدود على ظهر جهنم أعاذنا الله منها، وهو كحد السيف، مدحضةٌ مزلة، له حافتان، وعليه كلاليب وخطاطيف،

فمن دعا الله أن يزرقه العافية في الدنيا والآخرة شمل كل عافية في الدنيا والآخرة، وأمنه مما يخاف في الدنيا والآخرة، ولهذا قال قال مطرِّف بن الشِّخِّير رحمه الله تعالى: لأن أعافى فأشكر، أحبّ إليَّ من أن أبتلى فأصبر، قال: ونظرت في النعمة التي لا يشوبها كدر فإذا هي العافية.

بارك الله لي ولكم . . .

الخطبة الثانية:

الحمد لله . . . أما بعد، فاتقوا الله عباد الله، عن أبي بكر الصديق رضي الله عنه قال: قال النبي صلى الله عليه وسلم: «سلوا الله المعافاة، فلم يؤت أحد قط بعد اليقين أفضل من المعافاة». رواه الإمام أحمد

وعن عبد الله بن أبي أوفى رضي الله عنه قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: «أيها الناس، لا تتمنوا لقاء العدو، وسلوا الله العافية، فإذا لقيتموهم فاصبروا، واعلموا أن الجنة تحت ظلال السيوف» رواه البخاري 2966 ومسلم 1742. قال ابن بطال في شرح البخاري 10/292: (معناه: النهى عن تمنى المكروهات والتصدي للمحذورات، ولذلك سأل السلف العافية من الفتن والمحن؛ لأن الناس مختلفون في الصبر على البلاء).

نسأل العفو والعافية، والمعافاة في الدنيا والآخرة.

اللهم اعز الإسلام والمسلمين