تأملات في الواقع

بسم الله الرحمن الرحيم

تأملات في الواقع

11/11/1422ه

الحمد لله

عباد الله : إن الله جل جلاله بيده ملكوت السماوات والأرض ، فله الملك كله ، وله الحكم كله ، يقدر ما يشاء على عباده ، فيفيض عليهم الخيرات ، أو يمنع عنهم المسرات ، يبسط الرزق لمن يشاء ، ويقبضه عمن يشاء ، وكل ما يجري في ملكوته ، فإنما هو صادر عن أمره ، موافق لحكمته ، مقتض لمشيئته جل وعلا ، وما شاء كان وما لم يشأ لم يكن . فاتقوه سبحانه ، وتفكروا في أحوالكم وما يجري حولكم من العبر لعلكم تذكرون ، إنكم في نعمة من الله تامة ، أمن في الأوطان ، وصحة في الأبدان ، ووفرة في الأموال ، وبصيرة في الدين ، فماذا أديتم من شكر الله الواجب عليكم ؟ فإن الله قد وعد من شكره بالمزيد ، ومن كفر نعمه بالعذاب الشديد ﴿ وَإِذْ تَأَذَّنَ رَبُّكُمْ لَئِنْ شَكَرْتُمْ لأَزِيدَنَّكُمْ وَلَئِنْ كَفَرْتُمْ إِنَّ عَذَابِي لَشَدِيدٌ ﴾ لو نظرنا وتأملنا في حالنا وما يجري حولنا ؛ لأدركنا أننا في حالة خطر شديد ، إن لم نستدرك أمرنا ، ونصلح ما فسد من أحوالنا .

قال العلامة ابن القيم _ رحمه الله _ : لما أعرض الناس عن تحكيم الكتاب والسنة ، والمحاكمة إليهما ، واعتقدوا عدم الاكتفاء بهما ؛ عرض لهم فساد في فطرهم ، وظلمة في قلوبهم ، وكدر في أفهامهم ومحق في عقولهم ، وعمتهم هذه الأمور ، وغلبت عليهم حتى ربي عليها الصغير ، وهرم عليها الكبير ، فلم يروها منكراً ، قامت فيهم البدع مقام السنن ، والهوى مقام الرشد ، والضلال مقام الهدى ، والمنكر مقام المعروف ، والجهل مقام العلم ، والرياء مقام الإخلاص ، والباطل مقام الحق ، والكذب مقام الصدق ، والمداهنة مقام النصيحة ، والظلم مقام العدل ، فصارت الغلبة لهذه الأمور . فإذا رأيتها قد أقبلت ، وراياتها قد نصبت ، فبطن الأرض _ والله _ خير من ظهرها ، وقمم الجبال خير من السهول ، ومخالطة الوحش أسلم من مخالطة الناس ، اقشعرت الأرض ، وأظلمت السماء ، وظهر الفساد في البر والبحر ، وذهبت البركات ، وقلت الخيرات ، وتكدرت الحياة ؛ من فسق الظلمة ، وبكى ضوء النهار ، وظلمة الليل ؛ من الأعمال الخبيثة ، والأفعال الفظيعة ، وغلبت المنكرات والقبائح ، وهذا _ والله _ منذر بسيل عذاب قد انعقد غمامه ، ومؤذن بليل بلاء قد ادلهم ظلامه ، فاعزلوا عن طريق هذا السبيل بتوبة نصوح ، ما دامت التوبة ممكنة وبابها مفتوح ﴿ وَسَيَعْلَمْ الَّذِينَ ظَلَمُوا أَيَّ مُنقَلَبٍ يَنقَلِبُونَ ﴾ أ.ه

عباد الله : إن الأمر قد زاد في وقتنا هذا عما وصف الإمام ابن القيم رحمه الله . فأصبح الإسلام غريبا في بلاده ، فقد اكتفى الأكثرون بمجرد التسمي به، والانتساب إليه ، من غير عمل بأحكامه ؛ فعقائدهم قد داخلها الشرك والبدع ، ومحاكمهم تحكم بالقوانين بدل الشريعة ، وأموالهم تجمع بالتعامل المحرم من ربا وغيره .

عباد الله : إن الله سبحانه يري عباده من آياته ؛ ليعتبروا ويتوبوا ، فالسعيد من تنبه وتاب ، والشقي من غفل واستمر على المعاصي ، ولم ينتفع بالآيات ، كم تسمعون من الحوادث ؟ وتشاهدون من العبر ؟ زلازل تجتاح المدن العامرة ، فتهدم المباني ، وتهلك الأنفس ، وتشرد ألوفاً آخرين ، فيبقون بلا مأوى ولا قوت ، وأعاصير مدمرة ، وفيضانات غامرة ، تتلف الأموال الوفيرة ، وتقضي على المحاصيل الكثيرة ، وحروب طاحنة ، تلتهم الأخضر واليابس ، ويعيش الناس فيها تحت أمطار القذائف ، وأزيز المدافع ، تحصد الأنفس ، وتقض المضاجع ، وترمل النساء ، وتيتم الأطفال ،وتفقر الأغنياء ، وتذل الأعزاء ،ولا تزال تتوقد نارها ، ويتطاير شررها على من حولها ، في فلسطين والشيشان ، وفي كشمير وأفغانستان . ويسلط الله الظلمة بعضهم على بعض ، أحزاب متناحرة وفتنة مشتعلة ، والدول الكافرة الكبرى ، توقد هذه الفتن .

كل هذا يا عباد الله : سببه الابتعاد عن الإسلام ، والتنكر لهذا الدين بعد معرفته ، والإعراض عن شريعة الله واستبدالها بأنظمة الكفر من شيوعية ورأسمالية وغيره

والله إنه يخشى علينا اليوم أن يقع بنا مثل ما وقع فيمن حولنا ، معاصينا تزيد ، ونعم الله تتكاثر ، أخرج الإمام أحمد في مسنده بسند صحيح من حديث عقبة بن عامر قال قال …" إذا رأيت الله تعالى يعطي العبد ، وهو مقيم على معاصيه فليعلم أن ذلك استدراج " قال تعالى ﴿ سَنَسْتَدْرِجُهُم مِّنْ حَيْثُ لاَ يَعْلَمُونَ * وَأُمْلِي لَهُمْ إِنَّ كَيْدِي مَتِينٌ ﴾ .

بارك الله …….

 

الحمد لله

عباد الله :

تأملوا في هذه الحياة ، مدبر مقبلها ، ومائل معتدلها ، كثيرة عللها ، إن أضحكت بزخرفها قليلا ، فلقد أبكت بكدرها كثيرا ، تفكروا في حال من جمعها ثم منعها ، انتقلت إلى غيره ، وحمل إثمها ومغرمها ، فيا حسرة من فرط في جنب الله ، ويا ندامة من اجترأ على محارم الله . أقوام غافلون جاءتهم المواعظ فاستثقلوها ، وتوالت عليهم النصائح فرفضوها ، وتوالت عليهم نعم الله فما شكروها .

كل ذلك يخوف الله به عباده ،كما قال سبحانه : ﴿ وَمَا نُرْسِلُ بِالآيَاتِ إِلاَّ تَخْوِيفًا ﴾ ويريهم بعض قوته وقدرته عليهم ، ويعرفهم بضعفهم ، ويذكرهم بذنوبهم ، ومع ذلك حالنا كما قال سبحانه : ﴿ وَنُخَوِّفُهُمْ فَمَا يَزِيدُهُمْ إِلاَّ طُغْيَانًا كَبِيرًا﴾.

فهل خفنا من الله ؟ هل تبنا وأُبْنَا ؟ هل اعتبرنا ؟ هل تذكرنا ؟ هل غيرنا من أحوالنا ؟ هل طهرنا أنفسنا وبيوتنا ؟ هل تاب المتكاسل عن الصلاة ، فحافظ على الجمع والجماعات ؟ هل تاب المرابي والمرتشي ، والذي يغش في المعاملات ؟ تركت الواجبات ، وفعلت المحرمات ، وظهرت المنكرات ، كثير من البيوت لا يقيم أهلها الصلوات ، النساء تتبرج في الأسواق بالزينة والطيب ، وتخالط الرجال ،من غير خوف ولا حياء ، وبعض الناس يتسامح بترك الرجل الأجنبي مع نسائه ، بحجة أنه سائق أو مستخدم ، والبعض الآخر يجلب إلى نسائه وأولاده الأفلام الخليعة ؛ التي تفسد الأخلاق ، وتدعو للفاحشة ، وبعض الناس يتساهل مع أهل بيته باستعمال الأشرطة التي فيها أغاني المجون ، والغزل والعشق والغرام ، وكل هذه الأمور هدم للدين والأخلاق ، ودعوة إلى الرذيلة والهبوط ، و نذير خطر إن لم نتنبه لإصلاحها كل حسب مقدرته ، ومبلغ طاقته ، وإلا فتعداد الذنوب والتلاوم فقط لا يجدي شيئاً ، والعقوبة إذا وقعت عمت ، سواء العاصي وغيره ممن لا ينكر المنكر قال تعالى : ﴿ فَلَمَّا نَسُوا مَا ذُكِّرُوا بِهِ أَنجَيْنَا الَّذِينَ يَنْهَوْنَ عَنِ السُّوءِ وَأَخَذْنَا الَّذِينَ ظَلَمُوا بِعَذَابٍ بَئِيسٍ بِمَا كَانُوا يَفْسُقُونَ ﴾