العنف الأسري والهاربون من البلاد

العنف الأسري والهاربون من البلاد - الخطبة الأولى

فإن من دلائل نبوة محمد بن عبد الله صلى الله عليه وسلم؛ إخباره ببعض المغيبات؛ ومن ذلك قوله عليه الصلاة والسلام «وَلا تقوم السَّاعَة حَتَّى يلْحق حيٌّ من أمتِي بالمشركين، وَحَتَّى يعبد فئامٌ من أمتِي الأوْثَان. وَإنَّهُ سَيكون من أمتِي كذابون ثَلاثُونَ، كلهم يزْعم أَنه نبيٌّ، وَأَنا خَاتم النَّبِيين، لا نَبِي بعدِي، وَلا تزَال طائفةٌ من أمتِي على الْحق منصورين، لا يضرهم من خذلهم حَتَّى يَأْتِي أَمر الله تبَارك وَتَعَالى» من كان يتوقع أنه سيأتي زمان، يرتد فيه من تربى على التوحيد، ويعلن على الملأ إلحاده، وكفره بالله العظيم، لكنه خبر الصادق المصدوق الذي لا ينطق عن الهوى إن هو إلا وحي يوحى.

عباد الله: تربى الجيل السابق على يدي أبوين، شيخين كبيرين، لا يقرآن ولا يكتبان، لكنهما نشئا جيلا على حب الدين، والخشية من رب العالمين، ربوا أبناءهم على حفظ شيء من القرآن، وعلى حفظ كتاب الأصول الثلاثة، الذي تعلموه من أئمة المساجد، ربوهم على تعظيم التوحيد، والمحافظة على الصلاة، وبر الوالدين، واحترام الكبير، والشفقة على الصغير، وصيانة المحارم، والغيرة على الأعراض.

إلى أن انفتح علينا الفضاء، وغزانا الانترنت، واستغلها الأعداء، للإضرار بعقيدتنا، فبدأت القواعد تهتز، والمسلمات تناقش، وعلت صيحات المطالبين بالحرية، فاستحسن بعض الناس هذا الطرح، زاعما أننا نعيش في كهوف مظلمة، متقوقعين عن العالم، ولو أنصف، لرآنا في مقدمة الدول، استخداما للتقنية واستفادة لما حسن منها، فما منع طول اللحية، ولا قصر الثوب، شبابنا من اقتحام أعسر الطرق، وأعقد التقنيات، فها هم اليوم يقودون في ميادين الجهاد والشرف في الجنوب، مستخدمين أحدث الأسلحة، ويصيبون بدقة أصعب الأهداف، وها هم أطباء ومهندسون ومبدعون، ما منعهم تمسكم بالإسلام من ذلك، وما منع الحجاب نساءنا من الإبداع، والسمو والرفعة في التربية، مع المحافظة على ثوابت الدين ومسلماته. وما نفع الانحلالُ والتمردُ على القيم، والسعيُ لعيشة الغربيين الحيوانية، ما نفع شبابا وأعلى مراتبهم، بل جرهم إلى دركات الحياة البهيمية، والتهتك والعري والخلوة المحرمة ، حتى أضاع دينهم ودنياهم.

عباد الله: إن التخطيط لإفساد شباب هذا البلد وبناته، قد بدأ منذ سنوات مضت؛ فلقد امتطوا صهوة الدين فيما مضى، وكان شعارهم أخرجوا المشركين من جزيرة العرب، فجروا بعض أبنائنا إلى ساحات الفوضى والدمار باسم الجهاد، فكفروا المسلمين، واستحلوا دماءهم، حتى خرجوا من الدين عندما رضوا منهج الخوارج.

وشعارهم اليوم أخرجوا الموحدين من جزيرة العرب، فنسجوا الحبائل، واستخدموا نفس الوسائل، وأتقنوا المخططات، وتعاونوا مع الجمعيات الحقوقية، والعصابات السرية، والمنظمات الدولية، فشككوا أبناء وبنات المسلمين في دينهم، وركزوا على الحرية، واظهروا للسذج أنهم مكبوتو الحرية، مقيدوا الحركة، يعيشون في عصور مظلمة، والناس في الغرب في عيشة هنية، ومتعة وحرية، فتبعهم من ضعف دينه، وانطلت عليه حيلهم، فأخرجوهم من دين الإسلام، وسلكوا مسلك الإلحاد، وباعوا دينهم وبلادهم وأهلهم بثمن بخس، بحرية يرجون نوالها، فخرجوا من ولاية الوالد والزوج، إلى ولاية الملاهي والمراقص، والخانات والخمور، وصالات القمار، وخرجت بعض البنات؛ من حضن والدتها الدافئ، ،ويدي والدها المشفق، إلى نفايات الغرب، وأحضان الشهوانيين، قد كانت في بيت والدها معززة مكرمة، يأتيها رزقها رغدا من كل مكان، واستعاضتها بكسرة خبز، تلقيها إليها جمعيات تسمى حقوقية، مع الذل والمهانة، وبعد أن يأخذ الأعداء منهم ما يريدون، يتركون في الشوارع، على وجوههم يهيمون، وخلف لقمة العيش يلهثون، وينظمون بعد ذلك إلى نادي المشردين، فلا في بلادهم بقوا، ولا للحرية المزعومة حصلوا.

عباد الله: لتوقنوا أن ما يحصل اليوم، إنما هي مكائد شيطانية، وخطط عدوانية، وأعمال استخباراتية، تستهدف أبناء هذا البلد تحديدًا، فلو لم تكن الزاعمة للتعنيف، الهاربة من ديارها، لو لم تكن سعودية، لما استقبلتها وسائل الإعلام، ولما احتفت بها القنوات، ولما عقدت لها اللقاءات، ولما احتضنتها الجمعيات، فكان الأولى بها أن تفتخر ببلاد رفعت شأنها، وأعلت مكانتها، كان الأحرى أن تعتز ببلاد يفرح أعداؤها بانحراف واحد من ملايين أبنائها، فيا أيها الزاعمون لنصرة المظلومين والمعنفين، أينكم عن دماء أطفال سوريا، وحرائر العراق، ورجال ليبيا، أينكم من فقراء الصومال ومسلمي بورما، بل أينكم عن مشردي مواطنيكم، الذين يسكنون في حاويات النفايات. فهم الأولى بالرعاية من الغريب. ﴿وَيَمْكُرُونَ وَيَمْكُرُ اللّهُ وَاللّهُ خَيْرُ الْمَاكِرِين﴾ فاللهم اكفنا شر الأشرار وكيد الفجار

العنف الأسري والهاربون من البلاد - الخطبة الثانية

فيا معشر الآباء والأمهات ،اعتنوا بتربية أولادكم وبناتكم ،كما أمركم ربكم ،وكما علمكم نبيكم ، عظموا في نفوسهم محبة الله ورسوله، أشعروهم باطلاع الله عليهم في السر والعلن، ذكروهم بنعم الله عليهم، إذ أنشأهم في بيئة مسلمة، وبلاد موحدة، بينوا لهم ما هم فيه من الأمن والخير، علموهم بأن يؤمنوا بالله، وملائكته وكتبه ورسله، ويؤمنوا باليوم الآخر، رسخوا في قلوبهم الإيمان بالقدر خيره وشره ، كرروا عليهم هذه الأركان ، واستغلوا كل مناسبة لترسيخ هذه المفاهيم

واتقوا الله واعدلوا بين أولادكم، لا تعضلوا بناتكم، إذا جاءكم من ترضون دينه وخلقه فزوجوه، أكثروا الجلوس مع أولادكم، علموهم أن يفتخروا بدينهم ولغتهم، ولباسهم وعادات أهلهم التي لا تخالف الشرع، حببوهم إليكم، عاملوهم بمحبة ورحمة، أشبعوا رغباتهم العاطفية، قبِّلوا أولادكم وبناتكم واحتضنوهم، فإن فاطمة رضي الله عنها إذا دخلت على رسول الله قام إليها فقبَّلها ورحَّب بها.

عباد الله وإذا رأيتم من أولادكم أو بناتكم، انطواء وحبًا للعزلة، ونفرةً من الجلوس معكم، وانتقادا لولاة الأمر والعلماء، وتضجرًا من ضيق العيش، فهذه بعض علامات الانحراف الفكري، فسارع لمعرفة من يتابع في وسائل التواصل، ومن يجالس، فولدك على أبواب الخطر، فلا تقف مكتوف الأيدي، وتنتظر حتى تراه غدا هاربا لبلد بالحرية يُمنّيه، وبالمساواة يوهمه، ثم يمزق جوازه في القنوات، ويتهمك بتعنيفه، وكبت حريته.

أيها المسلمون أذكركم بختام الحديث في أول الخطبة «وَلا تزَال طائفةٌ من أمتِي على الْحق منصورين، لا يضرهم من خذلهم حَتَّى يَأْتِي أَمر الله تبَارك وَتَعَالى» فاستبشروا بوعد الله، وأنه ناصر أولياءه، فكونوا منهم تسلموا وتغنموا.