هديه صلى الله عليه وسلم في بيته

هديه صلى الله عليه وسلم في بيته - الخطبة الأولى

فإن النبي صلى الله عليه وسلم هو الأسوة الحسنى، والقدوة الكبرى، لكل مسلم ومسلمة، بأخلاقه يتخلقون، وبهديه يهتدون، وبسنته يستنون، امتثالا لقوله تعالى ﴿لَقَدْ كَانَ لَكُمْ فِي رَسُولِ اللَّهِ أُسْوَةٌ حَسَنَةٌ لِّمَن كَانَ يَرْجُو اللَّهَ وَالْيَوْمَ الآخِرَ وَذَكَرَ اللَّهَ كَثِيراً﴾ فدينه أحسن الدين، وهديه أكمل الهدي، وخلقه أعظم الخلق، حتى قال فيه ربه ﴿وَإِنَّكَ لَعَلَى خُلُقٍ عَظِيمٍ

عباد الله: لقد حبا الله تعالى نبيَّه أكمل الأخلاق، وأنبل الصفات؛ فكان عليه الصلاة والسلام لزوجاته الزوج الحبيب، والموجِّه الناصِح، والجليس المؤانِس؛ كان عليه الصلاة والسلام يمازح نساءه في السرَّاء، ويواسيهنَّ في الضرَّاء، كان يسمع شكواهنَّ، ويكفكف دموعهنَّ، لا يؤذيهنَّ بلسانه، ولا يجرح مشاعرهنَّ بعبارته، وما ضرب بيده امرأةً قط. لا يتصيَّد الأخطاء، ولا يتتبَّع العثرات، ولا يضخِّم الزلاَّت، ولا يُديم العتاب. يتحمَّل الهفوة، ويتغاضى عن الكبوة. قليل الملامة، كثير الشكر والعرفان .

عباد الله : من أخلاقه صلى الله عليه وسلم في بيته : أنه صلى الله عليه وسلم، كان حريصا على تعليم أهله العلم النافع، حريصا على دعوتهم إلى العمل الصالح، فأول من أسلم به من النساء، زوجته خديجة رضي الله عنها، فدل ذلك على مبادرته إياها بدعوتها إلى الخير. وكان من أثار تعليم أهله، أن أصبحت عائشة رضي الله عنها أعلم نساء هذه الأمة. فأين من تركوا أهليهم ؛ لتعلمهم القنوات، ويوجه أفكارهم مشاهير مواقع التواصل.

من سلوكه صلى الله عليه وسلم في بيته : أنه كان يحث أهله على نوافل الطاعات والقربات، فضلا عن عزائمها وفرائضها، ففي صحيح البخاري أنه استيقظ ليلة فقال «سبحان الله ماذا أنزل الليلة من الفتنة ماذا أنزل من الخزائن من يوقظ صواحب الحجرات ؟ يا رب كاسية في الدنيا عارية في الآخرة» يريد بذلك أن يقمن فيصلين من الليل.

وكان لا يقر أهل بيته على معصية لله بل يغضب لله ويتمعر وجهه في ذاته ويبادر إلى إنكار المنكر، ومن ذلك أنه قدم من سفر فوجد عائشة قد زينت بيتها بستارة فيها تصاوير لذوات أرواح فغضب وأبى أن يدخل حتى انزلت الستارة وشقتها نصفين وجعلتها وسادتين يُجلس عليها. فليتعلم من يرى زوجته وأولاده على المنكر فيسكت عنهم، وربما أعانهم عليه.

وكان في بيته يقوم بخدمة نفسه عليه الصلاة والسلام، إراحة لأهله وتخفيفا عنهم، فقد سئلت عائشة عن هدي النبي صلى الله عليه وسلم في بيته فقالت كان يكون في مهنة أهله، يحلب شاته، ويخيط ثوبه، ويرقع دلوه، ويخصف نعله، ولا يزال كذلك حتى تحضر الصلاة فيخرج إليها. فأين من يأنف عن مساعدة زوجته؛ ويعتبر ذلك نقصا في رجولته.

عباد الله: ومن مكارم أخلاقه أنه كان محترما لأهله، عطوفا عليهم، رحيما بهم، معتنيا بشؤونهم، مع كثرة أشغاله، وجسيم مسؤولياته، فكان يطوف على نسائه كل يوم، ثم يخص الليل لمن تكون نوبتها، وكان إذا أراد سفرا لم يختر منهن من يشاء وإنما يضرب بينهن القرعة فمن خرجت عليها خرج بها معه. تحريا للعدل والإنصاف بينهن.

وكان يحب إدخال السرور إلى أهله، فلما اشتهت عائشة أن تنظر إلى غلمان الحبشة، وهم يلعبون يوم العيد، جعلها تنظر من ورائه حتى ملَّت .

وجلس عند بعيره ووضع ركبته لتضع زوجته صفية رضي الله عنها رجلها على رُكبته الشريفة صلى الله عليه وسلم لتركب البعير، وكان يتحمل من نسائه غيرتهن ويصبر عليهن ويلاطفهن. وكان صلى الله عليه وسلم يستمع لمشورة أهل بيته ففي صلح الحديبيّة استمع النبي عليه الصلاة والسلام إلى مشورة زوجته أم سلمة حينما أشارت عليه أن يحلق رأسه ويذبح هديه، ويتحلل من إحرامه حتى يراه المسلمون فيفعلون مثله ....................................

هديه صلى الله عليه وسلم في بيته - الخطبة الثانية

أيها المسلمون : كان النّبي عليه الصّلاة والسّلام يحبّ أولاده وكان شديد العطف على بناته فكان نعم الأب لهن أدبهن ورباهن وزوجهن خيار قومهن وأقر الله عينه بإسلامهن وكان شديد العطف والشفقة عليهن، إذا دخلت عليه فاطمة قام من مجلسه وأمسك بيدها وقبّلها ثمّ أجلسها في مجلسه، وهي تفعل كذلك معه إذا قدم عليها . وقد كان يسعد برؤية الحسن والحسين، يحتضنهم ويقبّلهم، حتّى وهو يلقي خطبته على المنبر، فقد ورد في الحديث: (بينا رسولُ اللَّهِ على المنبَرِ يخطبُ إذ أقبلَ الحسنُ، والحسينُ عليهِما قميصانِ أحمرانِ يمشيانِ ويعثُرانِ، فنزلَ وحملَهما، فقال: صدقَ اللَّه: ﴿إِنَّمَا أَمْوَالُكُمْ وَأَوْلَادُكُمْ فِتْنَةٌ﴾ رأيتُ هذينِ يمشيانِ ويعثرانِ في قميصيْهما فلم أصبر حتَّى نزلتُ فحملتُهما. فأين الجفاة مع الأولاد والبنات، الذي لا يراه أولاده إلا مكفهر الوجه، مقطب الجبين، يضرب هذا، ويسب ذاك، لا تأخذه فيهم شفقة ولا رحمة.

وكان سمحا سهل الخلق حتى مع خدمه، فهذا أنس خدمه عشر سنين فما عاتبه عليه الصلاة والسلام على شيء قصر فيه ولا بكلمة أف، فليتعلم الظالمون للعمال، الآكلون لحقوقهم، المؤخرون لرواتبهم.

وكان أمر الطعام في نفسه، ليس بذاك الشيء الكبير، فلم يكن يعيب طعاما قط إن أعجبه أكل وإن لم يعجبه ترك وإن وجد أكل وإن لم يجد ربما صام. فليقتدي الأكالون للطعام، الذين ربما هدموا بيوتهم، وشتتوا أسرهم، بسبب تأخر زوجاتهم في إعداد الطعام.

عباد الله : هذا رسولكم، وهذه بعض سجاياه وشيئا من شمائله، فما أحرى أن نسلك سبيله، ونقتفي أثره، فبيت المودة لا يُبنى على أعمدة الفضاضة، وسقف الجفاء، وإنما يُشاد بالكلمة الطيبة، والخُلُق الحسن، والإعذار الدائم. واجعل هدي نبيِّكَ مع أهله نبراسًا لك في حياتكَ؛ إذا كرهتَ من أهلكَ خُلُقًا فتذكر الصفات الطيبة فيهم، تعامل مع أخطاء أهلكَ بسماحةٍ ويُسْر، وعالِج الأمور بهدوءٍ واتِّزان.