إغلاق المحلات وقت الصلاة

إغلاق المحلات وقت الصلاة - الخطبة الأولى

بسم الله الرحمن الرحيم

إغلاق المحلات وقت الصلاة

16/ 5/ 1439هـ

أيها الناس: لقد امتن الله علينا بأن أكمل لنا الدين، وأتم علينا النعمة، ورضي لنا الإسلام دينا، فينبغي لنا أن نعتز بالانتساب لهذا الدين ﴿وَمَنْ أَحْسَنُ قَوْلًا مِّمَّن دَعَا إِلَى اللَّهِ وَعَمِلَ صَالِحًا وَقَالَ إِنَّنِي مِنَ الْمُسْلِمِينَ﴾ ومِن مظاهر الاعتزاز بهذا الدين، إعلانُ شعائرِه الظاهرة، ودعوةُ الناسِ إلى القيامِ بها، ومن ذلك أمرُ الناس بإقامةِ الصلاةِ جماعة في المساجد، وبذلُ الأسبابِ التي تُعِينُهُم على ذلك، واحتسابُ وُلاةِ الأمر وَنُوَّابِهم، من أجْلِ القيام بهذه المهمة العظيمة، كما قال تعالى: ﴿الَّذِينَ إِن مَّكَّنَّاهُمْ فِي الْأَرْضِ أَقَامُوا الصَّلَاةَ وَآتَوُا الزَّكَاةَ وَأَمَرُوا بِالْمَعْرُوفِ وَنَهَوْا عَنِ الْمُنكَرِ وَلِلَّهِ عَاقِبَةُ الْأُمُورِ﴾ وهذا ما مَيَّزَ هذه البلادَ ولله الحمد بقيام حُكَّامِها وفقهم الله بهذا العمل الجليل, وتعيينِ نُواب ومحتسبين، يأمرون الناس عَلَناً بأداء الصلاة، والاستعدادِ لها بإغلاق المتاجر، عملا بقول الله تعالى ﴿في بُيُوتٍ أَذِنَ اللَّهُ أَن تُرْفَعَ وَيُذْكَرَ فِيهَا اسْمُهُ يُسَبِّحُ لَهُ فِيهَا بِالْغُدُوِّ وَالْآصَالِ (36) رِجَالٌ لَّا تُلْهِيهِمْ تِجَارَةٌ وَلَا بَيْعٌ عَن ذِكْرِ اللَّهِ وَإِقَامِ الصَّلَاةِ وَإِيتَاء الزَّكَاةِ

عباد الله: وَمَعَ هذا التَّمَيُّز العظيم، نَجِدُ شِرْذِمَةً آثِمَة، لا تَأْلُوا جُهْداً في التنفير، من كُلِّ ما فيه إظهارٌ لشعائرِ الإسلام، وتطبيقِ تعاليمِه، فَتارَةً يحاربون عقيدة الولاء والبراء، باسم التسامح مع الآخر وحقوق الإنسان، وتارة يَسْخَرُون من أهل العلم، وَيَتَنَقَّصُون جهودَهم وفتاواهم، باسم التَّعَدُّدِية والتَّنْوير، وتارة يَدْعُون إلى الاختلاط باسم الدفاع عن حقوق المرأة، وهاهُم اليومَ يُشْغِلُون المسلمين، ويُؤذُون أَسماعَهُم، عَبْرَ الصحف والفضائيات، بِشُبَهٍ ماكِرَة، في حَمْلَةٍ شَنِيعَة، مَفادُها المطالبة بفتح المحلات التجارية وقت الصلاة، وهؤلاء لا يريدون لهذه الشعيرة أن تظهر، بِحُجَّةِ أن التَّعايُشَ مع الآخر يأبى إغلاقها، ولأن إلزام الناس بذلك، يقف أَمامَ الحُرِّيَّات, ويُعَطِّلُ عَجَلَة الحياة، وَيُفَوِّتُ على الناس مصالحَهم.

عباد الله : لقد اهتم النبي صلى الله عليه وسلم بأداء الصلاة مع الجماعة فقال: «ولقد هَمَمْتُ أَنْ آمرَ المؤذنَ فَيُقِيم، ثم آمر رجلا يؤم الناس، ثم آخذ شُعَلاً من نار، فَأُحَرِّق على من لا يخرج إلى الصلاة بعد». ففي هذا الحديث موعظةٌ بليغة لمن يتخلف عن صلاة الجماعة في المسجد, وموعظةٌ لمن وَلاَّهُ الله أمر المسلمين، في عدم التهاون مع المتخلفين عنها، وأنه يجب عليه إلزامهم بشهود الصلاة مع جماعة المسلمين.

 عباد الله : إذا كانت الصلاة جماعة واجبة في حال الحرب كما قال تعلى ﴿وَإِذَا كُنتَ فِيهِمْ فَأَقَمْتَ لَهُمُ الصَّلاةَ فَلْتَقُمْ طَائِفَةٌ مِّنْهُم مَّعَكَ﴾ فلم يعذروا بترك الجماعة في حال الجهاد والخوف، فهل يعذرون لأجل البيع والشراء. وفي قول الله تعالى ﴿يَاأَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا إِذَا نُودِيَ لِلصَّلاةِ مِن يَوْمِ الجُمُعَةِ فَاسْعَوْا إِلَى ذِكْرِ اللَّهِ وَذَرُوا البَيْعَ﴾ فحرم عليهم البيع بعد سماع النداء الثاني لسماع الخطبة، فتحريم البيع بعد الأذان لأداء الصلوات المفروضة أولى. وروى ابن خزيمة قال أنس كانت الصلاة إذا حضرت على عهد النبي صلى الله عليه وسلم ؛ سعى رجل إلى الطريق فنادى الصلاة الصلاة، وهو ما يقوم به رجال الهيئات اليوم وفقهم الله.

عباد الله: الوقت الذي يمضي على الناس حينما يُغْلِقُون مَتَاجِرَهُم للصلاة، أليس السبب هو أن يكون أمرُ الآخرة مُقَدَّماً على أمر الدنيا؟ أَوَلَيسَ قد تُرِكَ هذا الوقتُ لله؟. فَليبْشِر أهلُه بالعوَض, قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: «مَنْ تَرَكَ شيئا لله عوضه الله خيرا منه».

عباد الله: يجب علينا أن نعلم بأنَّه ما مِن عملٍ يُحِبُّه الله ويأمرُ بِفِعْلِه إلا ويحتاج إلى مجاهدة وتضحية، ففي الجهاد يخسر المسلمون بعضَ أبنائهم من أجل إعلاءِ كلمةِ الله، والمال إذا بَلَغَ نِصَاباً وَجَبَت فيه الزكاة وَوَجَبَ إِخراجُ النصيب المُقَدَّرِ شَرعاً، فهل نَمْتَنع من الزكاة لأنها تُنقِصُ المال؟!!! وهكذا الحج فإنه يحتاجُ إلى جهادٍ بالمالِ والبدنِ، فهل نسقط ركن الحج ؟ فلا حجة لمن يقولون أن في إغلاق المحلات وقت الصلوات إضاعة للمال. بل إن الصلاة من أسباب كسب الرزق كما قال تعالى ﴿ وَأْمُرْ أَهْلَكَ بِالصَّلاةِ وَاصْطَبِرْ عَلَيْهَا لاَ نَسْأَلُكَ رِزْقاً نَّحْنُ نَرْزُقُكَ وَالْعَاقِبَةُ لِلتَّقْوَى﴾ فاللهم لا تجعل الدنيا ........

إغلاق المحلات وقت الصلاة - الخطبة الثانية

عباد الله: لم تكن الأسواق تفتح في المدينة بعد الأذان تعظيماً لهذه الشعيرة، أخرج بن مردويه عن ابن عباس رضي الله عنه في تفسير قوله تعالى: ﴿ رِجَالٌ لاَّ تُلْهِيهِمْ تِجَارَةٌ وَلاَ بَيْعٌ عَن ذِكْرِ اللَّهِ﴾ كانوا رجالاً يبتغون من فضل الله يشترون ويبيعون، فإذا سمعوا النداء بالصلاة، ألقوا ما بأيديهم، وقاموا إلى المساجد فصلوا، وأخرج ابن جرير عن ابن مسعود: أنه رأى ناساً من أهل السوق، سمعوا الأذان فتركوا أمتعتهم وقاموا إلى الصلاة، فقال : هؤلاء الذين قال الله ﴿لاَّ تُلْهِيهِمْ تِجَارَةٌ وَلاَ بَيْعٌ عَن ذِكْرِ اللَّهِ﴾. وكان السلف يفعلون ذلك من تلقاء أنفسهم من غير أن يلزمهم الحاكم بذلك، لعظم شأن الدين والصلاة في نفوسهم، فلما ضعف دين الناس، وقل اهتمامهم بالصلاة، وجب على الحاكم أن يلزمهم بذلك أمرا بالمعروف ونهيا عن المنكر، ومن المعلوم أن من أعرف المعروف الأمر بالصلاة، وأن من أنكر المنكر ترك أداء الصلاة مع الجماعة .

أيها المسلمون: يتبيّن لكم من كلام الله، ومن همِّ النبي بحرق المتخلفين عن صلاة الجماعة بالنار، وهم متخفون بمعصيتهم في بيوتهم، فكيف بمن يجاهر بترك الجماعة، ويبقى في دكانه والناس يصلون، ومن فعل السلف، يتبين بهذا أن أمر الحاكم بإغلاق المحلات أوقات الصلوات، له أصل في الشرع يعتمد عليه، وهو أمر يحقق مصلحة مجمعا عليها، ولا يلحق مفسدة بالتجار والمشترين ؛ لأنه زمن يسير، وما زال التجار يغلقون محلاتهم للأكل والشرب وقضاء الحاجات، بل في كبريات الشركات يجعلون ساعة للغداء تغلق فيها الشركة، وهم أحرص على دنياهم، فإغلاقها لما هو أهم وما خلقنا لأجله أولى وأعظم .

ثم يا من تتشدقون بتأثير أوقات الصلوات على الاقتصاد، ها هي أكثر الدول الغربية، تغلق محلاتها في السادسة مساء وبعضها في الثامنة، ولم يتأثر اقتصادها، مع أن تلك الدول هي مضرب المثل عندكم، والقدوة في نظركم، فكفوا عنا جشاءكم، ولا تمنعوا عباد الله من بيوته.