عيد الأضحى - تعظيم شعائر الله

عيد الأضحى - تعظيم شعائر الله - الخطبة الأولى

فيقول الله تبارك وتعالى ﴿ذَلِكَ وَمَنْ يُعَظِّمْ شَعَائِرَ اللَّهِ فَإِنَّهَا مِنْ تَقْوَى الْقُلُوبِ﴾ وشعائرُ الله؛ أوامرُه ونواهيه، وتعظيُمها بإجلالِها، وأدائِها بعلمٍ ويقين، ورغبةٍ ومحبةٍ، وتسليمٍ وانقياد، وصدقٍ واتباع، وإخلاصٍ وقبول.

ومن أعظم الشعائر: تعظيمُ الله جل وعلا، فهو سبحانه عظيمٌ في أسمائِه، عظيمٌ في صفاتِه ، عظيمٌ في أفعالِه ، وعظيمٌ في وحيِه وتنزيلِه، فلقد كان رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول في ركوعه وسجوده «سُبْحَانَ ذِى الْجَبَرُوتِ وَالْمَلَكُوتِ، وَالْكِبْرِيَاءِ وَالْعَظَمَةِ» ومن تعظيمه سبحانه؛ أن يُطاعَ فلا يُعصى، وأن يُذكرَ فلا يُنسى، وأن يُشكرَ فلا يُكفر، ومن تعظيمه : معرفةُ معنى لا إله إلا الله، وأنه لا معبودَ بحقٍ إلا الله، فهل أفْردتَّه سبحانه بالعبادة، وصرفْتَها كلَّها له ، وتبرأتَ من كل ما يُعبد سواه ، وخَضَعْتَ لأوامِرِه، وما اعْترضتَ على شيءٍ من شرعه، وعَبدتَّه كما يُريدُ لا كما تُريد، هل استقر توحيد الله في قلبك؟ وظهر على عباداتِك ومعاملاتِكَ وسائرِ شؤونِك؟ هل وَصَلَ إجلالُ اللهِ إلى عينيك؟ فكففتها عن النظر إلى الحرام، هل تمكن الخوفُ من الله في أذنيك؟ فانصرفت عن سماع الغناء والغيبة والنميمة، والفحش والقيل والقال.

من تعظيمِ شعائرِ الله: تعظيمُ كتابِه ﴿وَلَقَدْ آتَيْنَاكَ سَبْعاً مِنْ الْمَثَانِي وَالْقُرْآنَ الْعَظِيمَ﴾ فعظِّموا كتابَ اللهِ حقّ تعظيمه، اعملوا بمحكمِه، وآمنوا بمتشابِهِه ، قفوا عند حدودِه ، أَحلُّوا حلاله ، وحرِّموا حرامه ، واتلوه حقَّ تلاوته ، ولا تحرفوه عن مواضعه، وردوا ما أشكل عليكم إلى عالمه.

من تعظيم شعائر الله : تعظيمُ نبيِّه صلى الله عليه وسلم ، فلا طاعة لله إلا بطاعته ﴿مَّنْ يُطِعِ ٱلرَّسُولَ فَقَدْ أَطَاعَ ٱللَّهَ﴾ ولا يتمُّ الإيمانُ إلا بتحقيق محبته «لا يؤمن أحدكم حتى أكون أحب إليه من والدِهِ وولدِهِ والناسِ أجمعين» من تعظيمه صلى الله عليه وسلم؛ الإكثارُ من الصلاةِ والسلامِ عليه ، وتَعدادُ فضائله، والتأسي بشمائله، وتعظيمُ ما جاء به من الشريعة ، أطيعوه فيما أمر ، وصدقوه فيما أخبر ، وانتهوا عما نهى عنه وزجر ، ولا يكون تعظيمه بالابتداعِ في دينه، والزيادةِ في شريعته، ولا بإنزاله منزلة الربوبية، فهو صلى الله عليه وسلم عبدٌ لا يعبد، ورسولٌ لا يكذب، حقُه التعظيمُ والتوقير، والمحبةُ والإجلال، من غير غلوٍ ولا جفاء، وابتعدوا عن انحرافات الزنادقة الذين يردون سنته، وخزعبلات الصوفية، الذين يدَّعون حُبَّه ،ويخالفون هديه.

ومن تعظيم شعائر الله : تعظيمُ الصحابةِ الكرام، الذين اختصَّهم اللهُ بصحبةِ أفضلِ رُسُلِه، فحملوا الشريعة وبلَّغوها، فنالوا رضوان الله تعالى ﴿وَالسَّابِقُونَ الأَوَّلُونَ مِنَ المُهَاجِرِينَ وَالأَنْصَارِ وَالَّذِينَ اتَّبَعُوهُمْ بِإِحْسَانٍ رَضِيَ اللهُ عَنْهُمْ وَرَضُوا عَنْهُ﴾ فعظِّموا صحابةَ نبيِّكم والزموا غرزهم ، واقتفوا آثارهم، فقد أرشدكم رسول الله صلى الله عليه وسلم إلى ذلك فقال «وستفترقُ هذه الأمة على ثلاثٍ وسبعين فرقة كلُّها في النار إلا واحدة، قيل: من هي يا رسول الله؟ قال: من كان على مثل ما أنا عليه وأصحابي» ونهانا رسولُ الله صلى الله عليه وسلم عن سبِّهم فقال «لا تسبوا أحدًا من أصحابي» فهل عظّمهم من سب أبا بكر وعمر، وعثمان وعلي ، أمّن قدح في أبي هريرة ومعاوية.

ومن تعظيم شعائر الله: طاعةُ ولاةِ الأمرِ في غير معصية الله، فبطاعتهم تقامُ الشعائر، وتُطبّقُ الحدود، ويعمُّ الأمنُ والرخاء، إن رأيتم منهم خيرا فانشروه، وإن رأيتم عيبا فاستروه، وإن رأيتم باطلا فبالنصح والحسنى ردوه، وإن جاروا وظلموا فاصبروا ، ولا تنزعوا يدا من طاعة ، حتى تلقوا رسول الله صلى الله عليه وسلم على الحوض.

ومن تعظيم شعائر الله: تعظيمُ بُيوتِ الله ﴿فِي بُيُوتٍ أَذِنَ اللَّهُ أَنْ تُرْفَعَ وَيُذْكَرَ فِيهَا اسْمُهُ﴾ وأعظمُها الحرمُ المكي، ثم الحرمُ المدني ،ثم المسجدُ الأقصى، فمن أظلمُ ممن مَنَعَ الناسَ من عبادةِ الله فيها، وجَعََلَها وسائلَ للضغوطِ الدولية، والمماحكاتِ السياسية، فهي أحب البقاع إلى الله لقوله صلى الله عليه وسلم «أَحَبُّ البلادِ إلى الله مساجدُها» رواه مسلم.

الصلاةُ -عباد الله- من أظهرِ الشعائر، وآكدِ الفروض، أقيموها مع جماعة المسلمين، في المساجد في أوقاتها ، واحذروا قول الرسول صلى الله عليه وسلم «العهد الذي بيننا وبينهم الصلاة فمن تركها فقد كفر». فاللهم ...................

عيد الأضحى - تعظيم شعائر الله - الخطبة الثانية

الحمد لله

ومن تعظيم شعائر الله : تعظيمُ حقِّ الوالدين، فعن النبي صلى الله عليه وسلم قال: «رضا الرب من رضا الوالد، وسَخَطُ الربِّ من سخطِ الوالد» والداك تعبا عليك وربياك، وعلماك وأدباك، كم حزنا لتفرح، كم جاعا لتشبع، وبكيا لتضحك، وسهرا لتنام، يعطيان ولا يطلبان أجرًا، ويبذلان ولا يأملان شكرًا، فلما أنهكتهما الأمراض، وزارتهما الأسقام ،واحتاجا إلى برك، كان جزاؤهما دارَ الرعاية؟ وتفضيلَ الزوجةِ والأولاد؟ أحقُّهما الصدودُ والهجران؟ ورفعُ الصوتِ والعصيان؟ بل ورفع اليد في بعض الأحيان؟ أُفٍّ لك ما أقسى قلبك؟ لا ترى لهما معروفا، ولا ترفعُ بهما رأسا، ولا تقيمُ لهما وزنا، تعرضُ عن مجالستِهما، وتتضجرُ من مؤانستِهما، أنسيت قول الله ﴿وَقَضَى رَبُّكَ أَلاَّ تَعْبُدُوا إِلاَّ إِيَّاهُ وَبِالْوَالِدَيْنِ إِحْسَاناً إِمَّا يَبْلُغَنَّ عِنْدَكَ الْكِبَرَ أَحَدُهُمَا أَوْ كِلاهُمَا فَلا تَقُلْ لَهُمَا أُفٍّ وَلا تَنْهَرْهُمَا وَقُلْ لَهُمَا قَوْلاً كَرِيماً﴾.

ومن تعظيمِ شعائر الله : تعظيمُ حقِّ المرأة، فلقد وعد الله من رعاها بنتاً بالجنة، فقال عليه الصلاة والسلام «من عَالَ جاريتين حتى تبلُغا جاء يومُ القيامة أنا وهو كهاتين» وجعلها مُكمِّلةً نِصف الدِّين زوجةً ، فقال عليه الصلاة والسلام «إذا تزوج العبد فقد استكمل نصف الدين فليتق الله في النصف الباقي» حسنه الألباني، وعظَّم حقَّها أمّاً ، فقال صلى الله عليه وسلم «الزم رجلها فثم الجنة» فقوموا بما أوجب الله عليكم تجاه نسائِكم ، مُرُوهنّ بالمعروف، وأنْهوهُنّ عن المنكر، فأنتم مسؤولون عن تبرجهن وسفورهن واختلاطهن، لا تَدَعوهن فريسةً لكلِّ صائد، ولا ألعوبةً في يدِ كلِّ مارق، ولا دُميةً في يدِ كلَّ زنديق.

وذبحُ الأضاحي والهدايا من شعائرِ الله، قال عز وجل ﴿فَصَلِّ لِرَبِّكَ وَانْحَرْ﴾ فضحُّوا تقبل الله ضحاياكم، واذكروا اسم عليها، وكلوا منها وأطعموا ، ولا تُوكِّلوا من يضحي عنكم خارج البلاد، فإن هذا مخالفٌ لقول الله تعالى ﴿فَكُلُوا مِنْهَا﴾ كما بيَّن على ذلك ابنُ عثيمين والفوزان.