أحكام العيد والأضحية

أحكام العيد والأضحية - الخطبة الأولى

فلقد شرع لنا من العبادات والأعمال الصالحة في هذه الأيام ما تقر به أعين المؤمنين وتسلو به أفئدة المتقين. فأمامنا يوم عرفة، الذي سئل النبي صلى الله عليه وسلم عن صيامه فقال: «أحتسب على الله أن يكفر السنة التي قبله والسنة التي بعده» مسلم.

وبعده يوم العيد وهو أعظم أيام العام لقوله صلى الله عليه وسلم: «إن أعظم الأيام عند الله يوم النحر» أبو داود

عباد الله :العيد والفرح فيه؛ من محاسن هذا الدين وشرائعه، فعن أنس رضي الله عنه قال: قدم النبي صلى الله عليه وسلم ولأهل المدينة يومان يلعبون فيهما في الجاهلية فقال: «قدمت عليكم، ولكم يومان تلعبون فيهما في الجاهلية، وقد أبدلكم الله بهما خيراً منهما: يوم النحر ويوم الفطر» أحمد وغيره.

ويشرع للمسلم التجمل في العيد بلبس الحسن من الثياب والتطيب في غير إسراف ولا مخيلة ولا إسبال. وذهب جمع من المحققين إلى أن صلاة العيد واجبة على الأعيان، يقول الشيخ محمد بن عثيمين: صلاة العيد فرض عين على الرجال على القول الراجح من أقوال أهل العلم، لأن النبي صلى الله عليه وسلم أمر بها وواظب عليها حتى أمر النساء العواتق وذوات الخدور والحيض بالخروج إليها وأمر الحيض أن يعتزلن المصلى. ا.هـ. أما سماع الخطبة في العيد فهو مستحب غير واجب، لما ورد عن عبد الله بن السائب قال: شهدت العيد مع النبي صلى الله عليه وسلم، فلما قضى الصلاة قال: «إنا نخطب فمن أحب أن يجلس للخطبة فليجلس، ومن أحب أن يذهب فليذهب» أبو داود والنسائي. ويستحب في عيد الأضحى أن لا يأكل إلا بعد صلاة العيد ليأكل من أضحيته، وهذا هديه صلى الله عليه وسلم، قال ابن القيم: وأما في عيد الأضحى فكان لا يطعم حتى يرجع من المصلى فيأكل من أضحيته.

ويستحب للمصلي يوم العيد أن يأتي من طريق و يعود من طريق آخر اقتداءً بالنبي صلى الله عليه وسلم فعن جابر قال: «كان النبي صلى الله عليه وسلم إذا كان يوم عيد خالف الطريق» البخاري. ويستحب له الخروج ماشياً إن تيسر، ويكثر من التكبير حتى يحضر الإمام.

ومن شعائر يوم العيد ذبح الأضاحي تقرباً إلى الله عز وجل لقوله سبحانه: ﴿فَصَلّ لِرَبّكَ وَٱنْحَرْ﴾ وذبح الأضحية مشروع بإجماع العلماء، وصرح البعض منهم بوجوبها على القادر، وذبح الهدايا والأضاحي من شعائر هذا الدين الظاهرة ومن العبادات المشروعة في كل الملل، يقول سبحانه: ﴿وَلِكُلّ أُمَّةٍ جَعَلْنَا مَنسَكًا لّيَذْكُرُواْ ٱسْمَ ٱللَّهِ عَلَىٰ مَا رَزَقَهُمْ مّن بَهِيمَةِ ٱلاْنْعَـٰمِ﴾ قال ابن كثير رحمه الله: يخبر تعالى أنه لم يزل ذبح المناسك وإراقة الدماء على اسم الله مشروعاً في جميع الملل. ويقول سبحانه: ﴿وَٱلْبُدْنَ جَعَلْنَـٰهَا لَكُمْ مّن شَعَـٰئِرِ ٱللَّهِ لَكُمْ فِيهَا خَيْرٌ فَٱذْكُرُواْ ٱسْمَ ٱللَّهِ عَلَيْهَا صَوَافَّ فَإِذَا وَجَبَتْ جُنُوبُهَا فَكُلُواْ مِنْهَا وَأَطْعِمُواْ ٱلْقَـٰنِعَ وَٱلْمُعْتَرَّ كَذٰلِكَ سَخَّرْنَـٰهَا لَكُمْ لَعَلَّكُمْ تَشْكُرُونَ﴾.

ثم بين سبحانه الحكمة من ذبح الأضاحي والهدايا بقوله ﴿لَن يَنَالَ ٱللَّهَ لُحُومُهَا وَلاَ دِمَاؤُهَا وَلَـٰكِن يَنَالُهُ ٱلتَّقْوَىٰ مِنكُمْ كَذٰلِكَ سَخَّرَهَا لَكُمْ لِتُكَبّرُواْ ٱللَّهَ عَلَىٰ مَا هَدَاكُمْ وَبَشّرِ ٱلْمُحْسِنِينَ﴾ فليس المقصود ذبحها فقط، وإنما المراد الإخلاص فيها والاحتساب والنية الصالحة، ولهذا قال: ﴿وَلَـٰكِن يَنَالُهُ ٱلتَّقْوَىٰ مِنكُمْ﴾ ففي هذا حث وترغيب على الإخلاص في النحر، وأن يكون القصد وجه الله وحده، لا فخراً ولا رياء ولا سمعة ولا مجرد عادة.

ثم ليعلم إنه بذبحه الأضاحي يؤدي شعيرة من شعائر الله التي يجب تعظيمها واحترامها لقوله سبحانه: ﴿وَمَن يُعَظّمْ شَعَـٰئِرَ ٱللَّهِ فَإِنَّهَا مِن تَقْوَى ٱلْقُلُوبِ﴾ ومن تعظيمها محبة أدائها واستشعار العبودية فيها وعدم التثاقل أو التهاون بها، وذبح الأضحية أفضل من الصدقة بثمنها، حتى ولو زاد عن قيمتها، وذلك لأن الذبح وإراقة الدم مقصود، فهو عبادة مقرونة بالصلاة كما قال سبحانه: ﴿فَصَلّ لِرَبّكَ وَٱنْحَرْ﴾، وعليه عمل النبي صلى الله عليه وسلم والمسلمين، ولو كانت الصدقة بقيمتها أفضل لعدلوا إليها. فاللهم ...................................

أحكام العيد والأضحية - الخطبة الثانية

الحمد لله :

وللأضحية شروط لا بد من توفرها، منها السلامة من العيوب التي وردت في السنة، فلا يَجُوزُ الْعَوْرَاءُ الْبَيِّنُ عَوَرُهَا، وَالْمَرِيضَةُ الْبَيِّنُ مَرَضُهَا، وَالْعَرْجَاءُ الْبَيِّنُ ظَلْعُهَا، وَالْكَسِيرُ الَّذِي لا يُنْقِي، وهناك عيوب لا تمنع من الإجزاء ولكنها توجب الكراهة مثل قطع الأذن وشقها وكسر القرن، وكلما كانت الأضحية أكمل في ذاتها وصفاتها فهي أفضل ومن شروطها أن يكون الذبح في الوقت المحدد له، وهو من انتهاء صلاة العيد إلى غروب شمس آخر أيام التشريق، فأيام الذبح أربعة يوم العيد وثلاثة أيام بعده.

أيها المسلمون: ضَحُّوا عن أنفسكم وأهليكم من الزوجات والأولاد والوالدين ليحصل الأجر العظيم للجميع وتقتدوا بنبيكم صلى الله عليه وسلم حيث ضحى عنه وعن أهل بيته.

سئل الشيخ ابن عثيمين رحمه الله هل من الافضل أن تضحي المرأة عن نفسها مع أن زوجها يضحي عنه وعن أهل بيته وهي منهم ؟

فأجاب رحمه الله: أن هذا غير مشروع وخلاف السنة وأنه يكفي للبيت أضحية واحدة تشمل أهل البيت الواحد كلهم، وهذا خلاف ما عليه السلف الصالح، فإن أكرم الخلق محمد صلى الله عليه وسلم لم يضح إلا بواحدة عنه وعن أهل بيته، ومعلوم أن له تسع نساء -يعني تسعة بيوت- ومع ذلك ما ضحى إلا بواحدة عنه وعن أهل بيته، وضحى بأخرى عن أمته صلى الله عليه وسلم، وكان الصحابة يضحي الرجل منهم بالشاة الواحدة عنه وعن أهل بيته. فما عليه كثير من الناس اليوم فهو "إسراف".

وسئل رحمه الله عن دفع ثمن الأضحية للجمعيات الخيرية لتذبح في مكان أهله محتاجون، فأجاب: الأضاحي عبادة محددة معينة فإذا أخرجت الدراهم ليضحى عنك في بلاد أخرى فقد خالفت أمر الله لأن الله قال ﴿فَكُلُوا مِنْهَا وَأَطْعِمُوا البَائِسَ الفَقِيرَ﴾ وهل يمكن أن تأكل منها في هذه الحال، وقال بعض العلماء إن الأكل من الأضحية واجب يأثم الإنسان بتركه، وبهذا قال الشيخ صالح الفوزان حيث قال : فالواجب ترك هذا التصرف وأن تذبح الأضاحي في البيوت وفي بلد المضحي كما دلت عليه السنة وكما كان عليه عمل المسلمين من عهد رسول الله صلى الله عليه وسلم، حتى حصل هذا الإحداث فإني أخشى أن يكون بدعة، ومن أراد أن يتصدق على المحتاجين فباب الصدقة مفتوح ولا تغير العبادة عن وجهها الشرعي باسم الصدقة.