مؤتمر الشيشان

مؤتمر الشيشان - الخطبة الأولى

فأخرج أبو داود في سننه من حديث أبي هريرة -رضي الله عنه- عن رسول الله -صلى الله عليه وسلم- قال: «إن الله يبعث لهذه الأمة على رأس كل مائة سنة من يجدّد لها دينها». كلما انحرف الكثير من الناس عن جادة الدين الذي أكمله الله لعباده وأتم عليهم نعمته ورضيه لهم ديناً، بعث إليهم عالماً بصيراً بالإسلام، وداعيةً رشيداً يبصّر الناس بكتاب الله وسنة رسوله الثابتة، ويجنبهم البدع، ويحذّرهم محدثات الأمور، ويردّهم عن انحرافهم إلى الصراط المستقيم.

عباد الله : لما كانت أمتنا آخرَ الأمم، ونبينا خاتم الأنبياء والرسل، جعل الله هذا الدين محفوظا، رحمة بالخلق، وجعل بين كل فترة من يجدد ما اندرس من رسوم الدين، ليبقى الناس على الإسلام الصحيح كما أنزل، وإن ممن عده أهل العلم مجددًا للدين في القرن الثاني عشر الشيخَ الإمام محمد بن عبدالوهاب -رحمه الله- والذي نتفيؤا اليوم ظلال دعوته، ونجني ثمرة جهده.

أيها المسلمون: لقد جاءت دعوة الشيخ محمد بن عبد الوهاب لتجديد ما اندرس من عقيدة السلف الصالح؛ فحظيت بالقبول مِن قِبَل كثير من الناس، فقد دعا -رحمه الله تعالى- إلى الإسلام بصفائه ونقائه ووضوحه، بعيداً عن الخرافات والأساطير والخزعبلات، مما جعل أعداء هذه الدعوة المباركة يكيدون لها، ويلبسونها كثيراً من الشبهات والافتراءات، وقد دافع -رحمه الله- تعالى ومن جاء بعده من أتباعه عن هذه الدعوة المباركة، ودحضوا كل شبهة وفرية حول هذه الدعوة.

عباد الله : نشأ الإمام -رحمه الله- في نجد وقد غلب عليها الجهل والبدع والشركيات، فقد كان قبر الصحابي الجليل زيد بن الخطاب -رضي الله عنه- معظَّمًا في بلدة العيينة، ويُستغاث به من دون الله عند بعض الجهلة، ومثله قبر ذي الخلصة في تبالة، وهي قرية من قرى بيشة، وغيرها من الأشجار والأحجار التي كانت تُعظَّم من دون الله، ولم يكن حينئذ من ينكر جهارًا؛ وذلك لانتشار الباطل وضعف أهل الحق، وهذا مصداقّ لما صح عن النبي -صلى الله عليه وسلم- من انتشار الشرك في جزيرة العرب، فقد أخرج الشيخان من حديث أبي هُرَيْرَةَ -رضي الله عنه- أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ -صلى الله عليه وسلم- قَالَ: «لا تَقُومُ السَّاعَةُ حَتَّى تَضْطَرِبَ أَلَيَاتُ نِسَاءِ دَوْسٍ عَلَى ذِي الْخَلَصَةِ»، وَذُو الْخَلَصَةِ طَاغِيَةُ دَوْسٍ الَّتِي كَانُوا يَعْبُدُونَ فِي الْجَاهِلِيَّةِ. وفي حديث ثوبان في الصحيح: «لا تقوم الساعة حتى يلحق حي من أمتي بالمشركين، وحتى تعبد فئام من أمتي الأوثان». فلما أظهر الإمام دعوته لنشر التوحيد والدين الصحيح الذي جاء به نبينا -صلى الله عليه وسلم- شرق به أهل البدع والضلال، من الصوفيين والقبوريين وغيرهم، ومن كان متكسبًا من ذلك، وناصبوه العداء، وافتروا عليه، وألصقوا به ما هو منه بريء، ومن أبرز ما وصفوه به التكفيرُ وعدم العذر بالجهل، ولقد دافع الإمام عن نفسه، وألف في ذلك الرسائل والكتب، وبعث بها إلى علماء كل صقع، ودافع عنه تلاميذه من بعده، حتى تبين الحق وأبلج.وإن مما عرفه الناس من التأريخ أنه ما قام نبي ولا رسول ولا مصلح يدعو إلى التوحيد والدين الصحيح إلا وقف في وجهه الخصوم، ونبزوه بالألقاب، وحذّروا منه، كما فعل كفار قريش بنبينا محمد -صلى الله عليه وسلم-، حتى أخرجوه من بلده وحاربوه.

 ونحن في هذا الزمن ما بين فترة وأخرى يخرج لنا نابتة من نوابت أسلافهم، فيرمون دعوة الإمام بما هي منه براء، فسموها الوهابية، ليغرروا بالناس أنها دين جديد، ولمزوا أهلها بالشدة والقتل والتكفير، ولا يستغرب خروج مثل هذا من الرافضة والصوفية وأهل القبور، فإن الشيخ قد شدّد عليهم، وألّف في ضلالاتهم، وكشف عوارهم، وأظهر باطلهم بالحجة والبرهان، ومازالت دعوة الشيخ ظاهرة في هذه البلاد ، مرفوعة أعلامها، منصور أتباعها، حتى دخلتنا الفرق والجماعات والأحزاب ، التي تسعى لتفريق اجتماعنا، وتمزيق وحدتنا، لكن الله متم نوره، وناصر أولياءه، وحافظ من حفظه، ومعز من أطاعه، ولو كره المبطلون.

مؤتمر الشيشان - الخطبة الثانية

الحمد لله

فلقد عقد قبل أيام مؤتمر أسموه (من هم أهل السنة) وخلصوا إلى أنهم الأشاعرة والماتريدية والصوفية، ولا غرابة في ذلك إذا عرف المؤتَمِرون، فإذا كان أهل البدع والخرافات، والتمتمات والخزعبلات هم أهل السنة! فماذا يسمى المتبعون للكتاب والسنة بفهم سلف الأمة؟ أرادوا أن يقولوا في مؤتمرهم نحن أهل الوسطية والاعتدال ، وأن التطرف والإرهاب ينسب للسلفية الوهابية، وأن التكفير والتفجير مصدره السعودية، وكأنهم يقولون للعالم إذا أردتم القضاء على الإرهاب فدمروا السعودية.

عباد الله: ليس الغريب أن يأتي الهجوم على السلفية من أعدائها، ليس الغريب أن تتداعى الصوفية والرافضة، والأحزاب البدعية، وتتحد لحرب السلفية، ليس الغريب أن تعقد المؤتمرات، فيجتمع فيها المبتدعة والضلال، ويعلنون صراحة إخراج السلفية من أهل السنة.

ليس الغريب أن ترمى هذه البلاد وأهلها المخلصون، من قوس الأعداء، ليس الغريب أن يثني أهل البدع على قادتهم ومشائخهم، ليس الغريب أن يدافع أهل كل مصر عن قادتهم ورموزهم.

ليس الغريب أن تجتمع أقلام وإعلام بلد من البلدان، لتنشر مذهبهم، وتدافع عن قادتهم، وولاتهم ومناهجهم ، ليس الغريب أن تسعى الصوفية أو الرافضة، أو الليبرالية أو العلمانية، أو الإخوانية أو التبليغية، لنشر باطلها.

بل العجب كل العجب، والغرابة كل الغرابة، أن ينبري ممن ينتسب للسلفية لحربها، الغريب أن تطعن السلفية في خاصرتها من أبنائها ، ابتلينا بقوم لئام أكلوا من خيرات بلاد التوحيد السعودية، ويحملون جنسيتها، ويتنفسون هواءها ، درسوا في مدارسها، وتخرجوا من جامعاتها، استنشقوا عبق التوحيد، وذاقوا حلاوة السنة، ورتعوا في رياض الأمن، ونشؤوا في حياض الدين، ثم يتنكرون لذلك، يمدون الأعداء بالسلاح لحربنا، ويعطون الأعداء ذريعة الهجوم علينا، أسقطوا علماءنا، ورفعوا رموزهم، تنقصوا ولاتنا، ونصبوا رمزهم خليفة للمسلمين ، حاربوا اقتصاد بلادنا، ودعوا لدعم اقتصاد غيرنا.

ولاتنا يدعون للكتاب والسنة، بفهم سلف الأمة، ويطبق ذلك عمليا، في المدارس والجامعات والمحاكم، ويسمونهم فساق وضلال، وظلمة وطغاة، وخليفتهم يعلن صراحة بأنه يحكم بالعلمانية، ويدعم الشذوذ والزنا والخمور، ويسمونه خليفة المسلمين.

من خالفهم من أهل السنة، وبين عوارهم، وحذر من أفكارهم، ودعى إلى التمسك بالكتاب والسنة بفهم سلف الأمة، ودعى إلى الجماعة ، وحذر من الفرقة، ودعى لطاعة ولي الأمر في المعروف، سموه جاميا، فشابهوا أسلافهم، يوم أن سموا أهل السنة صابئة وجفاة، وسموهم بعد ذلك وهابية، واللقب الجديد لأهل السنة الجامية، وغلاة الطاعة، تنفيرا من منهجهم، وتقليلا من شأنهم.

فلا تعجبوا بعد ذلك إن حاربنا الأعداء، ففينا سماعون لهم، وبين صفوفنا موالون لهم، أصلحوا أنفسكم، وقوموا اعوجاجكم، وانظروا توجهات أبنائكم، واعرفوا على الحقيقة أعداءكم. فعدوا الداخل أشد خطرا ، وأعظم ضررا، فاكشفوا عوارهم ، وبينوا ضلالهم، نصحا لله ، وحفاظا على وحدة صفنا لا يمزقه الحزبيون.