طاعة ولي الأمر والميزانية

طاعة ولي الأمر والميزانية - الخطبة الأولى

فإن من توجيهات الإسلام السديدة، وهداياته العظيمة ؛ بيان ما يجب على الرعية تجاه الراعي ، وعلى المحكومين تجاه الحاكم من حقوقٍ عظيمة لا تنتظم مصالح العباد الدينية والدنيوية إلا بها ؛ فإن الرعية متى رعَوا تلك الحقوق واعتنوا بها تحققت لهم الخيرية، وانتظمت جميع مصالحهم الدينية والدنيوية ؛ من أمنٍ وأمانٍ ، وبُعد عن القلق والاضطراب والمخاوف ، وانتظامٍ لجميع مصالح العباد .

عباد الله ؛ إن من المتقرر أنه لا دين إلا بجماعة ، ولا جماعة إلا بإمام ، ولا إمام إلا بسمع وطاعة ؛ فهي أمورٌ آخذ بعضها ببعض ، لابد من مراعاتها والعمل على تحقيقها لتتحقق للعباد خيريَّتهم ولتنتظم جميع مصالحهم .

أيها المسلمون: بلادنا بحمد الله ،فيها الكعبة المعظمة، وفيها مسجد رسول الله صلى الله عليه وسلم وبه الروضة المطهرة. بلادٌ في ظلال الشرع وادعة، وفي رياض الأمن راكعة، ولأطراف المجد جامعة، وإن بلادًا تعلن الإسلام منهجًا، والقرآن دستورًا، والشريعة حاكمًا ،ستظل في إطار الشرف والفخار، والإجلال والإكبار. بلدًا آمنًا مطمئنًا، ساكنًا مستقرًا، متلاحمًا متراحمًا، وإن رغمت أنوفٍ من أناس فقل: يا رب لا ترغم سواها.

أيها المسلمون، بالإمامة والسلطان تحفظ البيضة وتصان الحوزة، ونكون بها ظافرين، بما تطيب به حياة الدنيا والدين، والسمع والطاعة لإمام المسلمين فريضة، وطاعته في غير معصية من طاعة الله عز وجل، يقول جل في علاه: ﴿يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا أَطِيعُوا اللَّهَ وَأَطِيعُوا الرَّسُولَ وَأُوْلِي الأَمْرِ مِنْكُمْ

عباد الله : من حقوق ولي الأمر النصح له في السر، فعن عِيَاض بْن غَنْمٍ رضي الله عنه، قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: «من أراد أن ينصح السلطان بأمر فلا يُبْدِ له علانية، ولكن ليأخذ بيده فيخلوا به، فإن قَبِلَ منه فذاك، وإلا كان قد أَدَّى الذي عليه له» أخرجه أحمد

ومن حقوق الإمام عقد البيعة له ؛ ففي صحيح مسلم عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه قال : «مَنْ خَلَعَ يَدًا مِنْ طَاعَةٍ لَقِيَ اللهَ يَوْمَ الْقِيَامَةِ ولا حُجَّةَ لَهُ ، وَمَنْ مَاتَ وَلَيْسَ فِي عُنُقِهِ بَيْعَةٌ مَاتَ مِيتَةً جَاهِلِيَّةً»، ولهذا لا يحل لمسلم أن يبيت ولا ليلة واحدة وليس في عنقه بيعة للإمام

ومن حقوق الإمام: السمع والطاعة في المنشط والمكره والعسر واليسر وفي أثرَة على العباد ، ما لم يأمر بمعصية الله ، ففي الصحيحين عن ابن عمر رضي الله عنهما أن النبي صلى الله عليه وسلم قال : «عَلَى الْمُسْلِمِ السَّمْعُ وَالطَّاعَةُ فِيمَا أَحَبَّ وَكَرِهَ ما لم إِلا أَنْ يُؤْمَرَ بِمَعْصِيَةٍ، فَإِنْ أُمِرَ بِمَعْصِيَةٍ فَلا سَمْعَ وَلا طَاعَةَ»، وفي الصحيح من حديث أبي هريرة أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: «عَلَيْكَ السَّمْعَ وَالطَّاعَةَ فِي عُسْرِكَ وَيُسْرِكَ ، وَمَنْشَطِكَ وَمَكْرَهِكَ ، وَأَثَرَةٍ عَلَيْكَ».

ومن حقوق الإمام: وجوب الحذر من الخروج عليه ونقض البيعة ونزع اليد من الطاعة ؛ فإن ذلك كله من أعمال الجاهلية وصفاتهم ، فقد قال  النبي صلى الله عليه وسلم: «مَنْ كَرِهَ مِنْ أَمِيرِهِ شَيْئًا فَلْيَصْبِرْ عَلَيْهِ ، فَإِنَّهُ لَيْسَ أَحَدٌ مِنَ النَّاسِ خَرَجَ مِنَ السُّلْطَانِ شِبْرًا فَمَاتَ عَلَيْهِ إِلا مَاتَ مِيتَةً جَاهِلِيَّةً».

ومن حقوق الولاة: الحذر من سبهم ولعنهم، وشتمهم والوقيعة فيهم، وانتقاص مكانتهم ؛ فإن ذلك يجلب شرًا عظيما، وبلاءً مستطيرا ، فقد روى ابن أبي عاصم في السنة عن أنس بن مالك رضي الله عنه قال : «نَهَانَا كُبَرَاؤُنَا مِنْ أَصْحَابِ رَسُولِ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ: لا تَسُبُّوا أُمَرَاءَكَمْ ، وَلا تَغُشُّوهُمْ ، وَلا تُبْغِضُوهُمْ ، وَاتَّقُوا اللهَ وَاصْبِرُوا ؛ فَإِنَّ الأمْرَ قَرِيب» وعن أبي الدرداء رضي الله عنه أنه قال : «إِيَّاكُمْ وَلَعْنَ الْوُلاة ، فَإِنَّ لَعْنَهُمُ الْحَالِقَة ، وَبُغْضَهُمُ الْعَاقِرَة» .

بل إن الواجب -عباد الله- تجاه الولاة الدعاء لهم بالخير والصلاح، والتسديد والمعافاة، وقد جاء عن الإمام أحمد بنِ حنبل أنه قال: "إني لأدعو للخليفة بالتسديد والتوفيق بالليل والنهار وأرى ذلك واجبًا عليَّ". اللهم ............

طاعة ولي الأمر والميزانية - الخطبة الثانية

الحمد لله:

عباد الله : عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ مَسْعُودٍ رضيَ اللهُ عنه قَالَ: اضْطَجَعَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ عَلَى حَصِيرٍ فَأَثَّرَ الْحَصِيرُ بِجِلْدِهِ، فَلَمَّا اسْتَيْقَظَ جَعَلْتُ أَمْسَحُ عَنْهُ، وَأَقُولُ: يَا رَسُولَ اللَّهِ، أَلا آذَنْتَنَا نَبْسُطُ لَكَ عَلَى هَذَا الْحَصِيرِ شَيْئًا يَقِيكَ مِنْهُ، فَقَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: «مَالِي وَلِلدُّنْيَا وَمَا أَنَا وَالدُّنْيَا إِلا كَرَاكِبٍ اسْتَظَلَّ تَحْتَ شَجَرَةٍ ثُمَّ رَاحَ وَتَرْكَهَا» ولقد تكفل الله برزق عباده كما قال عليه الصلاة والسلام «لو أنكم تتوكلون على الله حق توكله لرزقكم كما يرزق الطير، تغدو خماصاً وتروح بطاناً» ولقد أخبرنا رسول الله صلى الله عليه وسلم ببشرى عظيمة فقال «أَبْشِرُوا وأَمِّلُوا ما يَسرُّكُمْ، فواللَّهِ ما الفقْرَ أَخْشَى عَلَيْكُمْ ، وَلكنّي أَخْشى أَنْ تُبْسَطَ الدُّنْيَا عَلَيْكُم كما بُسطَتْ عَلَى مَنْ كَانَ قَبْلَكُمْ، فَتَنَافَسُوهَا كَمَا تَنَافَسُوهَا، فَتَهْلِكَكُمْ كَمَا أَهْلَكَتْهُمْ».

أيها المسلمون: لقد بايعنا إمامنا سلمان على السمع والطاعة، في المنشط والمكره، والعسر واليسر، ولم نبايعه على الدنيا، إن أعطانا منها رضينا، وإن منعنا سخطنا، فلقد بايعنا إمامَنا طاعةً للهِ تعالى، وخوفا من وعيد رسول الله عليه الصلاةُ والسلامُ: «ثلاثَةٌ لا يَنْظُرُ اللَّهُ إِلَيْهِمْ يَوْمَ الْقِيَامَةِ وَلا يُزَكِّيهِمْ وَلَهُمْ عَذَابٌ أَلِيمٌ: -ومنهم- وَرَجُلٌ بَايَعَ إِمَامًا لا يُبَايِعُهُ إِلا لِدُنْيَا فَإِنْ أَعْطَاهُ مِنْهَا رَضِيَ وَإِنْ لَمْ يُعْطِهِ مِنْهَا سَخِطَ»

وإن تعجب فعجب من أناس كانوا بالأمس ينظمون الحملات الإعلامية، ويشغلون مواقع التواصل، دعما لاقتصاد إحدى الدول ، رافعين أصواتهم،اشتروا بضائعهم، ادعموا اقتصادهم ، فهم لنا إخوة، ولهم علينا حق النصرة، وهذا واجب شرعي، والله في عون العبد ما كان العبد في عون أخيه ، ويوم أن أمر ولي أمرنا برفع سعر بعض السلع، لمصلحة يراها، وهو وجنوده يدافعون عن حياض التوحيد، ويحفظون حمى السنة، يرفعون راية التوحيد، يحمون الديار أن تستباح، والأعراض أن تنتهك، والأموال أن تسلب، والأمن أن يختل، ويجابه اقتصادا عالميا مترنحا، وقف أولئك موقف المتفرجين، وليتهم فعلوا بل تعالت أصوات بعضهم، حقوقنا ضيعت؛ فأين الأمانة ؟ أين حقوق الفقراء والمساكين؟ لماذا رفعتم الأسعار، ونحن في أغنى دول العالم،  استكثر المخذول أن يقدم لبلده حفنة دريهمات ، ليدعم اقتصاد بلده في أشد الظروف قسوة، قارنوا بين هؤلاء وبين أولئك الجنود، الذين على الحدود، يقدمون الأرواح، ويبذلون الأنفس لرفع لا إله إلا الله. فلتسكت تلك الألسن المريضة، ولتخسأ تلك النفوس الشريرة. وثقوا بالله عباد الله وأملوا خيرا، ولترتفع المعنويات، ولنحسن الظن بالله، وليرتفع سقف التفاؤل ، فالنصر بإذن الله قادم، والفرج قريب.