دعوة الإمام المجدد محمد بن عبدالوهاب

دعوة الإمام المجدد محمد بن عبدالوهاب - الخطبة الأولى

لقد بعثَ اللهُ نبيَّه محمداً صلى الله عيه وسلم بالهدى ودينِ الحقِّ ليظهرَه على الدينِ كلِّه، فأكملَ اللهُ به الدينَ، وأتمَ به النعمة، ودخلَ الناسُ في دين الله أفواجاً، وارتفعَتْ رايةُ التوحيدِ والسنة، وانطمسَتْ معالمُ الشرك والوثنية، وعُبِدَ الله وحدَه، فما تُوفِيَ رسولُ الله صلى الله عليه وسلم إلا وقد بيَّنَ للأمةِ معالمَ دينها، وتركها على البيضاءِ ليلُها كنهارِها، ودرجَ على هذا المنهجِ القويم خلفاؤه الراشدون وصحبُه المهديون، كما قال ربُّنا جلَّ وعلا ﴿قُلْ هَذِهِ سَبِيلِي أَدْعُو إِلَى اللَّهِ عَلَى بَصِيرَةٍ أَنَا وَمَنِ اتَّبَعَنِي وَسُبْحَانَ اللَّهِ وَمَا أَنَا مِنَ الْمُشْرِكِينَ﴾ ثمَّ تبعهم على ذلك حملةُ الشريعةِ المطهرة، وأنصارُ الملةِ المؤيدة، الذّابّون عن حياضِ السنةِ والتوحيد، فأظهر اللهُ من كلِّ طبقةٍ علماءً يُقتدى بهم، ويُنتهى إلى رأيهم، فنصروا السنةَ وحاربوا البدعة، ودَعَوا إلى توحيدِ ربِّ العالمين، وحذّروا من سبلِ المشركين. ووقع ما أخبر به رسول الله صلى الله عليه وسلم كما عند أبي داود وصححه الألباني «إِنَّ اللَّهَ يَبْعَثُ لِهَذِهِ الأمَّةِ عَلَى رَأْسِ كُلِّ مِائَةِ سَنَةٍ مَنْ يُجَدِّدُ لَهَا دِينَهَا» فبعثَ في القرنِ الثاني عشر شيخَ الإسلامِ الإمامَ المجددَ لِمَا اندرسَ من معالمِ الدين؛ محمدَ بنَ عبدِ الوهابِ رحمَهُ اللهُ وغفرَ له، فشمَّرَ عن ساعدِ الجِدِّ والاجتهاد، وأعلنَ بالنصح للهِ ولكتابِه ولرسولِه ولسائرِ العباد، ودعا إلى ما دعتْ إليه الرسلُ من توحيدِ اللهِ وعبادَتِه، ونهى عن الشركِ ووسائلِه وذرائعِه، وكان أهلُ عصرِه ومِصرِه في تلك الأزمان قد اشتدَّتْ غربةُ الإسلامِ بينهم، وعفَتْ آثارُ الدينِ لديهم، وانهدمَتْ قواعدُ الملةِ الحنيفية، وغلبَ على الأكثرين ما كانَ عليه أهلُ الجاهلية، وعم الجهلُ والتقليدُ، والإعراضُ عن السنةِ والقرآن, وجَدُّوا واجتهدوا في الاستغاثةِ والتعلقِ بغيرِ اللهِ من الأولياءِ والصالحين، والآثارِ والقبورِ والشياطين، وعلماؤهم ورؤساؤهم على ذلك مقبلون وبه راضون، فكانوا يُعَظِّمون قبرَ زيدِ بنِ الخطاب ويدعونه رغباً ورهباً, ويزعمون أنه يقضي لهم الحوائج. وكذلك كان عندهم فُحَّالٌ (وهو ذكر النخل) ينتابُه النساءُ والرجال، ويفعلون عنده أقبحَ الفِعال، والمرأةُ إذا تأخرَ عنها الزواجُ تذهبُ إليه وتضُمُه بيديها وتدعوه برجاءٍ واجتهادٍ وتقول: "يا فحلَ الفحولِ أريدُ زوجاً قبلَ الحول"، وعَظُمَ أمر الكهَّان والسحرة والمشعوذين، فلما تفاقمَ هذا الخَطْبُ وعَظُم، وتلاطم موجُ الكفرِ والشركِ وجَشُم، وطُمِسَتْ الآثارُ السلفية، وظهرَتْ البدعُ والأمورُ الشركية، تجردَ الإمامُ المجددُ رحمه اللهُ للدعوة إلى توحيدِ ربِّ العالمين، وردِّ الناسِ إلى ما كانَ عليه سلفُهم الصالح، في بابِ العلمِ والتوحيدِ والإيمان، وبابِ العملِ الصالحِ والإحسان، وحذَّرَ من التعلقِ بالأحجارِ والأشجارِ والعيونِ والآبار، ورغَّبَهم في متابعةِ رسولِ اللهِ صلى اللهُ عليه وسلم في الأقوالِ والأفعال، وهَجْرِ البدعِ والمحدثات، وأنكرَ على الخارجين عمَّا جاءَتْ به الرسل، وصنَّفَ في الردِّ على من عاندَ وجادل، حتى أظهرَ اللهُ التوحيدَ في الأرض، وعَلَتْ كلمةُ الله، وذَلَّ أهل الشركِ والفساد، وعُبِدَ اللهُ وحدَه دون ما سواه، واجتمعَتْ الكلمةُ على التوحيدِ والسنة، وامتدَّتْ آثارُ هذه الدعوةِ المباركةِ إلى أجزاءٍ كثيرةٍ من العالمِ الإسلامي، وتأثرَ بها عددٌ من العلماءِ والمصلحين. قالَ سماحة الشيخ عبدالعزيز بن باز رحمَه الله: "وهذه الدعوةُ مرتبطةٌ بمذهبِ السلفِ الصالحِ ولم تخرجْ عنه، وأثمرَتْ ثمراتٍ عظيمة لم تحصلْ على يدِ مصلحٍ قبلَه بعدَ القرونِ المفضلة، وذلك لما ترتبَ عليها من قيامِ مجتمعٍ يحكمُه الإسلام، ووجودِ دولةٍ تؤمنُ بهذه الدعوةِ وتطبقُ أحكامَها تطبيقاً صافياً نقياً في جميعِ أحوالِ الناس، في العقائدِ والأحكامِ والعباداتِ والحدودِ والاقتصادِ وغيرِ ذلك، ممّا جعلَ بعضَ المؤرخين يقول: إنَّ التاريخَ الإسلامي بعدَ عهدِ الرسالةِ والراشدين لم يشهدْ التزاماً تاماً بأحكامِ الإسلام، كما شهدَتْه الجزيرةُ العربيةُ في ظلِّ الدولةِ التي أيّدَتْ هذه الدعوةَ ودافعَتْ عنها، ولا تزالُ هذه البلادُ والحمدُ لله تنعمُ بثمراتِ هذه الدعوة، أمناً واستقراراً ورغداً في العيش، وبُعداً عن البدعِ والخرافاتِ التي أضرَتْ بكثيرٍ من البلاد الإسلامية". أ. هـ فعلموا أولادكم وبناتكم حب هؤلاء، وعظموهم في نفوسهم، وعرفوهم فضلهم على البلاد والعباد .

دعوة الإمام المجدد محمد بن عبدالوهاب - الخطبة الثانية

 

الحمد لله:

يقولُ اللهُ جلَّ وعلا: ﴿وَلَقَدْ بَعَثْنَا فِي كُلِّ أُمَّةٍ رَسُولاً أَنِ اعْبُدُوا اللَّهَ وَاجْتَنِبُوا الطَّاغُوتَ﴾ هذه دعوةُ الرسلِ والأنبياءِ ومن سلكَ سبيلهم, دعوةٌ لإصلاحِ الخلقِ وتعظيمِ الخالقِ جلَّ وعلا, ولقد جاءت دعوة الشيخ محمد بن عبد الوهاب لتجديد ما اندرس من عقيدة السلف الصالح؛ وإن مما عرفه الناس من التأريخ، أنه ما قام نبي ولا رسول ولا مصلح، يدعو إلى التوحيد والدين الصحيح، إلا وقف في وجهه الخصوم، ونبذوه بالألقاب، وحذّروا منه، كما فعل كفار قريش بنبينا محمد -صلى الله عليه وسلم-، حتى أخرجوه من بلده وحاربوه، ونحن في هذا الزمن يخرج لنا نابتة من نوابت أسلافهم، فيرمون دعوة الإمام بما هي منه براء، فسموها قديما بالوهابية، واليوم يسمونها جامية، ليظهروا للناس أنها دين جديد، ويلمزون أهلها بالشدة والقتل والتكفير، وقد تحدّث الشيخ محمد بن عبد الوهاب -رحمه الله- عن هذه الهجمة قائلاً: "فلما أظهرت تصديق الرسول فيما جاء به سبُّوني غاية المسبّة، وزعموا أنّي أكفِّر أهل الإسلام وأستحل أموالهم" ويقول الشيخ سليمان بن سحمان دفاعا عن الإمام المجدد "فإنه -رحمه الله- كان على ما كان عليه رسول الله -صلى الله عليه وسلم- وأصحابه وسلف الأمة وأئمتها، فلا يكفّر إلا من كفَّره الله ورسوله، وأجمع على تكفيره الأمة، ويوالي كافة أهل الإسلام وعلماءهم، ويؤمن بما نطق به الكتاب، وصحت به الأخبار، وجاء الوعيد عليه من تحريم دماء المسلمين وأموالهم وأعراضهم، ولا يبيح من ذلك إلا ما أباحه الشرع، وأهدره الرسول.

فمهلا أيها الليبراليون، مهلا أيها المنتسبون لجماعة تتسمى بالإسلام، ما عرفنا استحلال الدماء، وقتل الأبرياء، وتكفير المسلمين، في منهج الشيخ ولا منهج تلاميذه، ايتوا لنا بنقل عن أحد من أئمة الدعوة السلفية، يدعوا إلى تكفير المسلمين، دونكم أتباع الدعوة من المعاصرين، هل تجدون كلاما للشيخ محمد بن إبراهيم أو لعبدالعزيز بن باز أو لمحمد بن عثيمين أو لعبدالعزيز آل الشيخ أو لصالح الفوزان أو لأحدٍ من أئمة الدعوة السلفية، يكفر المسلمين أو يستحل دماءهم وأموالهم، والله ما عرفنا ذلك إلا يوم أن تربى بعض أبنائنا على كتب المفكرين، وزهدوا في كتب السنة، وهانت في نفوسهم العقيدة،وسلكوا طريق جماعات منحرفة، وأحزاب ضالة، نفرتهم من دعوة التوحيد، وربتهم على كتب الضلال ومنهج الخوارج.

عباد الله: حافظوا على ما في قلوبكم من نعمة التوحيد والانقياد لشرع رب العالمين، ودافعوا عن عقيدتكم وسنة نبيكم، وربوا أولادكم على ذلك، تسلموا في الدنيا، وتسعدوا في الآخرة.