حي على الصلاة

حي على الصلاة - الخطبة الأولى

 

فنداء رباني، وصوت سماوي، يصدح في مساجدنا، ويتردد من مآذننا على مسامعنا، خمس عشرة مرة في كل يوم، من كل مسجد من مساجد المسلمين، حي على الصلاة. الصلاة عباد الله : من أظهرِ معالمِ الدين، وأعظمِ شعائره، وأنفع ذخائره، الصلاة ثانية أركان الإسلام، ودعائمه العظام، هي بعد الشهادتين آكَدُ مفروض، وأعظم معرُوض، وأجلُّ طاعةٍ، وأرجى بضاعة، من حفِظها حفِظ دينَه، ومن أضاعها فهو لما سواها أضيَع، هي عمودُ الدّيانة، ورأسُ الأمانة، يقول النبيّ: «رأسُ الأمر الإسلام، وعمودُه الصلاة» جعلها الله قرّةً للعيون، ومفزعًا للمحزون، فكان رسول الهدى إذا حزَبه أمرٌ فزع إلى الصلاة، هي أحسنُ ما قصده المرءُ في كلّ مهِمّ، وأولى ما قام به عند كلِّ خطبٍ مدلهِمّ، الصلاةُ هي أكبرُ وسائل حِفظِ الأمن والقضاء على الجريمة، وأنجعُ وسائل التربية على العِفّة والفضيلة ﴿إِنَّ الصلاةَ تَنْهَى عَنِ الْفَحْشَاء وَالْمُنْكَر﴾ من حافظ على هذه الصلواتِ الخمس ركوعهِنّ وسجودهن ومواقيتِهن وعلم أنهنّ حقٌّ من عند الله وجبت له الجنة. ومن تركها فقد كفر يقول النبي: «العهد الذي بيننا وبينهم الصلاة، فمن تركها فقَد كفر»

عبد الله : يامن اتخذت الصلاة عبادة موسمية كالجمعة وايام الاختبارات وفي رمضان، تؤديها على هواك، وتتركها إذا لم تناسبك، أنسيت قول الله تعالى ﴿الَّذِينَ هُمْ عَلَى صَلاتِهِمْ دَائِمُونَ﴾ إلى أن قال عز وجل ﴿وَالَّذِينَ هُمْ عَلَى صَلاتِهِمْ يُحَافِظُونَ (34) أُوْلَئِكَ فِي جَنَّاتٍ مُكْرَمُونَ﴾ واحذر من صفات المنافقين الذين قال الله عنهم ﴿إِنَّ الْمُنَافِقِينَ يُخَادِعُونَ اللَّهَ وَهُوَ خَادِعُهُمْ وَإِذَا قَامُوا إِلَى الصَّلاةِ قَامُوا كُسَالَى يُرَاءُونَ النَّاسَ وَلا يَذْكُرُونَ اللَّهَ إِلاَّ قَلِيلاً

ويا من آثرت الصلاة في بيتك، وتركت الصلاة مع الجماعة، عملا بفتوى من قلت في العلم بضاعتُه، واتبع هواه فضلّ وأضلّ، أجهلت قول الله ﴿وَارْكَعُوا مَعَ الرَّاكِعِينَ﴾ وتذكر وجوب صلاة الجماعة حتى في حال القتال، قال عز وجل ﴿وَإِذَا كُنتَ فِيهِمْ فَأَقَمْتَ لَهُمْ الصَّلاةَ فَلْتَقُمْ طَائِفَةٌ مِنْهُمْ مَعَكَ وَلْيَأْخُذُوا أَسْلِحَتَهُمْ فَإِذَا سَجَدُوا فَلْيَكُونُوا مِنْ وَرَائِكُمْ وَلْتَأْتِ طَائِفَةٌ أُخْرَى لَمْ يُصَلُّوا فَلْيُصَلُّوا مَعَكَ﴾ وتذكر قول النبي صلى الله عليه وسلم «لَقَدْ هَمَمْتُ أَنْ آمُرَ بِالصَّلاَةِ فَتُقَامَ، ثُمَّ آمُرَ رَجُلاً فَيُصَلِّىَ بِالنَّاسِ، ثُمَّ أَنْطَلِقَ مَعِي بِرِجَالٍ مَعَهُمْ حُزَمٌ مِنْ حَطَبٍ، إِلَى قَوْمٍ لاَ يَشْهَدُونَ الصَّلاَةَ، فَأُحَرِّقَ عَلَيْهِمْ بُيُوتَهُمْ بِالنَّارِ»

ويا من تدخل الصلاة بقلب لاه، وتخرج منها ما كأنك دخلتها، أما تخشى قول الله ﴿فَوَيْلٌ لِلْمُصَلِّينَ (4) الَّذِينَ هُمْ عَنْ صَلاتِهِمْ سَاهُونَ﴾ فاخشع في صلاتك لمولاك، واطرح خلف ظهرك دنياك، وجاهد شيطانك وغالب هواك، وتفكر في ألفاظ التكبير، وفي قول الإمام سمع الله لمن حمده، وكأنك تجيبه حين تقول ربنا ولك الحمد، تأمل في آيات الفاتحة، وفي ما يتلوه الإمام من آيات التنزيل ﴿اللَّهُ نَزَّلَ أَحْسَنَ الْحَدِيثِ كِتَاباً مُتَشَابِهاً مَثَانِيَ تَقْشَعِرُّ مِنْهُ جُلُودُ الَّذِينَ يَخْشَوْنَ رَبَّهُمْ ثُمَّ تَلِينُ جُلُودُهُمْ وَقُلُوبُهُمْ إِلَى ذِكْرِ اللَّهِ ذَلِكَ هُدَى اللَّهِ يَهْدِي بِهِ مَنْ يَشَاءُ وَمَنْ يُضْلِلْ اللَّهُ فَمَا لَهُ مِنْ هَادٍ﴾ تذكر وأنت تحني ظهرك راكعا، وتعفر جبينك في الأرض ساجدا، أنك إنما تركع وتسجد لخالقك، تعظيما له وإجلالا، وخضوعا لأمره وإذعانا.

ويامن تتـأخر عن الصلاة، أجهلت فضل إدراكِ تكبيرةِ الإحرام، فعَنْ أَنَسِ بْنِ مَالِكٍ قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ «مَنْ صَلَّى لِلَّهِ أَرْبَعِينَ يَوْمًا فِي جَمَاعَةٍ، يُدْرِكُ التَّكْبِيرَةَ الأولَى، كُتِبَتْ لَهُ بَرَاءَتَانِ، بَرَاءَةٌ مِنْ النَّارِ، وَبَرَاءَةٌ مِنْ النِّفَاقِ» والمراد إدراكُ تكبيرةِ الإحرام مع الإمام الراتب ؛ هكذا نص العلماء. أم هل نسيت فضل الصف الأول، فأذكرك بقول رسول الله صلى الله عليه وسلم «تَقَدَّمُوا فَأْتَمُّوا بِي، وَلْيَأْتَمَّ بِكُمْ مَنْ بَعْدَكُمْ، لا يَزَالُ قَوْمٌ يَتَأَخَّرُونَ حَتَّى يُؤَخِّرَهُمْ اللَّهُ» فأمرهم بالتقدم إلى الصف الأول، ولا يزال قوم يعتادون التأخر عن الصف الأول حتى يعاقبهم الله تعالى فيؤخرهم . عن رحمته أو جنته، أو عن عظيم فضله.

ويامن نراك تستيقظ كل يوم لعملك او مدرستك، لماذا لا يكون اهتمامك بالصلاة أعظم من ذلك، هل آثرت الدنيا على الآخرة؟ أم أنساك البحثُ عن معاشك؟ التفكرَ في معادك! اما تخشى الموت وسكرته؟ والقبر وضمته؟ وبعد ذلك الحساب، أما علمت أن الصلاة أولُ ما تحاسب عليه، وتذكر قول الله ﴿مَا سَلَكَكُمْ فِي سَقَرَ (42) قَالُوا لَمْ نَكُ مِنَ الْمُصَلِّينَ (43) وَلَمْ نَكُ نُطْعِمُ الْمِسْكِينَ (44) وَكُنَّا نَخُوضُ مَعَ الْخَائِضِينَ (45) وَكُنَّا نُكَذِّبُ بِيَوْمِ الدِّينِ (46) حَتَّى أَتَانَا الْيَقِينُ﴾ فيا من تُدعون إلى السجود اليوم فلا تجيبون؛ تذكروا حالكم يوم القيامة في العرصات ﴿يَوْمَ يُكْشَفُ عَنْ سَاقٍ وَيُدْعَوْنَ إِلَى السُّجُودِ فَلَا يَسْتَطِيعُونَ (42) خَاشِعَةً أَبْصَارُهُمْ تَرْهَقُهُمْ ذِلَّةٌ وَقَدْ كَانُوا يُدْعَوْنَ إِلَى السُّجُودِ وَهُمْ سَالِمُونَ

حي على الصلاة - الخطبة الثانية

 

الحمد لله:

يامن من الله عليك بصحة البدن، أما ترى شيخا قد احدودب ظهره، ورق عظمه، وجاء الى المسجد يتوكأ على عصاه، قد سبقك إلى المسجد، أما سمعت بحديث ابْنِ أُمِّ مَكْتُومٍ أَنَّهُ سَأَلَ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَقَالَ: يَا رَسُولَ اللَّهِ إِنِّي رَجُلٌ ضَرِيرُ الْبَصَرِ، شَاسِعُ الدَّارِ، وَلِي قَائِدٌ لا يُلائِمُنِي، فَهَلْ لِي رُخْصَةٌ أَنْ أُصَلِّيَ فِي بَيْتِي؟ قَالَ: «هَلْ تَسْمَعُ النِّدَاءَ؟» قَالَ : نَعَمْ، قَالَ «لا أَجِدُ لَكَ رُخْصَةً».

ويامن أنعم الله عليك بالأمن في الوطن أما ترى غيرك تَدُك مساجدَهم الدبابات، وتُقِضُّ مضاجعَهم الصواريخ والمتفجرات، ما عذرك أمام الله؟ وقد عمرت عندنا المساجدُ بأعلى المواصفات، وفرشت بأنعم المفروشات، وزودت بالمكيفات.

فيامن بلغت الستين والسبعين، محافظا على صلاتك، مسابقا إلى مرضاة ربك، هنيئا لك، كلما سمعت حي على الصلاة، ألقيت ما في يدك، وتوضأت واتجهت إلى بيت الله، فخطوة ترفعك درجة، وأخرى تحط خطيئة، تدخل بيت ربك، فما أعظمه من مكان، قد ألقيت الدنيا وراء ظهرك، وتوجهت بكليتك إلى ربك، ثم دخلت في الصلاة، وكشفت الستر بينك وبين مولاك، تستشعر أنه أمامك، وأنه مطلع على سريرتك، يعلم سرك ونجواك، رفعت يديك قائلا الله أكبر، موقنا بأنه أكبر من كل شيء، أكبر من الدنيا وما فيها، أكبر من همها ومآسيها، أكبر من القصور، اكبر من الوظائف والمناصب والحبور، أكبر من الأموال وجمعها، ومن الدنيا وحطامها، تعظم الله بتوحيده، وتقدسه بأسمائه وصفاته، وترفع إليه شكواك، وتستعذه من شيطانك هواك، إن ذرفت عينُك الدموع من الخشية، فأبشر فلن تمسها النار، عينان لا تمسها النار «عين بكت من خشية الله، وعين باتت تحرس في سبيل الله» حالك في صلاتك، خضوعٌ وخشوع، وافتقار واضطرار، ودعاءٌ وثناء، وتحميد وتمجيد، وتذلُّل لله العليِّ الحميد. لا يقعدك عن الصلاة ظلمة ليل، ولا وعورة طريق، ولا صوارف دنيا: «بشر المشائين في الظلم إلى المساجد بالنور التام يوم القيامة»

مؤمنون مفلحون، في صلاتهم خاشعون، إذا قاموا إلى الصلاة خفضوا أبصارهم، ونظروا في مواضع سجودهم، قد علموا أن الله قبل وجوههم، فهم إلى غير ربهم لا يلتفتون، لقد دخلوا على رب الأرباب، وملك الأملاك، كلُّ خير عنده، وكلُّ أمر بيده، أحد صمد، إذا أعطى لم يمنع عطاءَه أحد، وإذا منع لم يعط بعده أحدٌ.