رسالة إلى حماة الديار - أحداث عرعر - الخطبة الأولى

فلقد قال تعالى: ﴿وَإِنَّ جُندَنَا لَهُم الْغَالِبُونَ﴾ وجند الله هنا هم الرسل واتباعهم. وكان صلى الله عليه وسلم يقول : «لا اله الله وحده اعز جنده، ونصر عبده، وغلب الأحزاب وحده» ولفظ الجند في الإسلام لا يقتصر إطلاقه على الشُّرَط فحسب، بل يتعداه إلى كل مسلم يخدم دينه في أي مجال، الجند في الإسلام هم روح الأمة، وحصنها الواقي بعد الله، وهم من اعز فئاتها وأعلاها، وفي عهد الرسول صلى الله عليه وسلم، كان المسلمون جميعا مجندين للعمل للإسلام، فكل من أسلم أصبح جنديا في خدمة الإسلام، حيث كانت الدعوة في بدايتها، والمسلمون قلة، فكان المهاجرون والأنصار، جندا في جيش الإسلام، يجاهدون في سبيل الله لإعلاء كلمته، وتبليغ رسالته، ولا يعذر في ذلك إلا من استخلفه الرسول صلى الله عليه وسلم، أو كان ممن عذرهم الله، ثم تعددت أعمال الشرط، ولم تقتصر على الجهاد، فلقد قال أنس بن مالك (إن قيس بن سعد كان بين يدي النبي صلى الله عليه وسلم بمنزلة صاحب الشرطة من الأمير) وما فعله رسول الله صلى الله عليه وسلم، حين غزوة الأحزاب، إذ أرسل سملة بنَ أسلم، في مائتي رجل، وزيد بن حارثة، في ثلاثمائة رجل، يحرسون المدينة.

وفي عهد أبي بكر الصديق؛ أقام عبدَالله بن مسعود، وأمره بعس المدينة ليلا، والمراقبة نهارا. ومع التوسع في الفتوحات الإسلامية وكثرة المسلمين، انشأ عمر بن الخطاب رضي الله عنه ؛ ديوان الجند، فكان من المسلمين من وقف نفسه على الجهاد، حيث يصرف له ولأولاده العطاء من بيت المال، ولا يحق له الاشتغال بالزراعة أو التجارة أو نحوها، وأخذ أمر الجندية في الإسلام يتطور، وتتعدد مهامه إلى يومنا هذا.

عباد الله: أما وقد سمعتم أن الجندية أمر محمود، وجادة سار عليها السلف الأولون، وصاحبه مأجور، وفعله محمود، فلنلتفت إلى ما حصل في الأيام الماضية، من اعتداء على جنود لنا، مرابطين على حدودنا، يحرسون البلاد من غدر الغادرين، ومؤامرات المعتدين، قومٍ أغرار، خرجوا على المسلمين، يُكفِّرونهم بالكبائر، ثم يستبيحون دماءهم وأموالهم ونساءهم، ويخرجون على السلطان بالسلاح، وهم كما ورد عن رسول الله صلى الله عليه وسلم: شرُّ الخلق والخليقة, إنهم الخوارج، كلاب النار، وفتنتهم من أعظم الفتن, لأنَّهم يُلبِسونها لباس الدين، والغيرة على المحارم، فتميل إليهم قلوبُ حدثاءِ الأسنان, سفهاءِ الأحلام, فيوردونهم المهالك، ومن صفاتهم: صلاحُ الظاهر، وفسادُ والباطن، كما قال عليه الصلاة والسلام : «تُحقرون صلاتهم مع صلاتهم, وقراءتكم مع قراءتهم, وصيامَكم مع صيامهم», لكنهم والعياذ بالله: «يقرأون القرآن لا يجاوز تراقيهم, يمرقون من الدِّين، كما يَمْرُقُ السهم من الرَّمِيَّة» فلا تغتروا بزهدهم المزعوم, ودعواهم نصرةَ المظلوم، ولهذا قال رسول الله في الخوارج مع شدة عبادتهم وبكائهم: «لئن أدركتُهم لأقتلنَّهم قتل ثمود» و قال: «أينما لقيتموهم فاقتلوهم، فإنَّ في قتلهم أجراً لمن قتلهم يومَ القيامة»، وثبت عنه صلى الله عليه وسلم أنه قال في الخوارج: «طوبى لمن قتلهم ثم قتلوه» وقال صلى الله عليه وسلم «يدعون إلى كتاب الله وليسوا منه شيء، من قاتلهم كان أولى بالله منهم». وقال صلى الله عليه وسلم: «فإذا لقيتموهم فاقتلوهم، فإن المأجور من قتلهم» وقال عليه الصلاة والسلام: «فإذا خرجوا فاقتلوهم، فإذا خرجوا فاقتلوهم». فهذه بشرى ما أعظمها، لرجال الأمن، الساعين في القضاء على هؤلاء الطغمة الظالمة، والشرذمة الفاسدة، والنبتة الخبيثة. وأبشروا يا من تقتلونهم، بما وعد صلى الله عليه وسلم من الأجر لمن قتلهم أو قتلوه.

عباد الله: إن التصدي للخوارج والمفسدين في الأرض، من الجهاد في سبيل الله عزَّ وجلَّ، فقد سئل الشيخ ابن باز -رحمه الله تعالى : هل يعتبر شهيداً من قتل من رجال مكافحة المخدرات عند مداهمة أوكار متعاطيها؟ فأجاب : لا ريب أن مكافحة المسكرات والمخدرات من أعظم الجهاد في سبيل الله، ومن قتل في سبيل مكافحة هذا الشر وهو حسن النية فهو من الشهداء. ومعلوم أن هؤلاء الخوارج أعظم إثماً، وأكبر خطراً على الإسلام والمسلمين من مهربي المخدرات. وعن سلمان رضي الله عنه قال: سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول: «رباط يوم وليلة خير من صيام شهر وقيامه، وإن مات فيه جرى عليه عمله الذي كان يعمل، وأجري عليه رزقه وأمن من الفتان» رواه مسلم، وتذكروا قول النبي صلى الله عليه وسلم «ألا أنبئكم بليلة أفضل من ليلة القدر؟ حارس حرس في أرض خوف لعله أن لا يرجع إلى أهله».

رسالة إلى حماة الديار - أحداث عرعر - الخطبة الثانية

الحمد لله:

فهذه رسالة إلى عسكر الإسلام حيثما كانوا, رسالة إلى من بذلوا أنفسهم في سبيل الله وحراسة بلاد الإسلام, التي قال عنها الإمام ابنُ بازٍ ـ غفر الله لـه: (هذه الدولة السعودية دولةٌ إسلاميةٌ والحمدُ لله, تأمر بالمعروف وتنهى عن المنكر, وتأمرُ بتحكيم الشرع وتُحكمه بين المسلمين).

وقال ـ غفر الله لـه: (العداءُ لهذه الدولةِ عداءٌ للحقِّ, عداءٌ للتوحيد)، فيا أسود السنة، وحماة الديار، أنتم بإذن الله المجاهدون حقاً، جهادٌ على التوحيد والسنة، جهادٌ على هدي رسول الله , لا غدر فيه ولا ظلم، ولا عدوان ولا افتيات على ولاة الأمر، عسكر القرآن والإيمان: إنْ أحسنتم النية، وسمعتم وأطعتم في العسر واليسر، والمنشط والمكره، فأبشروا والله أبشروا, فإنَّكم على عمل صالح, يقول رسول الله : «تكفل اللهُ لمن جاهد في سبيله لا يخرجه من بيته إلا الجهاد في سبيله وتصديقُ كلماتِه بأنْ يدخله الجنة, أو يُرجعه إلى مسكنه الذي خرج منه مع ما نال من أجرٍ وغنيمة» وقال رسول الله : «عينان لا تمسهما النار أبداً, عينٌ بكت من خشية الله، وعينٌ باتت تحرس في سبيل الله», وقال صلى الله عليه وسلم: «ما اغْبَرت قدما عبدٍ في سبيل الله إلا حَرَّم اللهُ عليه النار».

فهنيئا لك يا جندي الإيمان، فلقد اصطفاك الله للدفاع عن جناب التوحيد، وحفظ السنة، هنيئا لك دعوات الشيوخ في جوف الليل، فأنت تحمي بلاد الحرمين، البلادَ التي يُرفع فيها شعارُ لا إله إلا الله، وتنصرُ فيها سنة محمد بن عبدالله، وتطبقُ فيها حدود الله، وتدرسُ في مدارسها عقيدةُ محمد وأصحابِه وأتباعِهم وأئمةِ السلف الصالح.

هنيئا لك دفاعك عن بلاد الحرمين، ومأوى أفئدة المؤمنين، هـنيئا لك يوم أمّنت طرق الحجيج، وسهلت طرق المعتمرين.

هنيئا لك تحمي بلادا تطبعُ كلام الله، وتوزعه على ملايين المسلمين، هنيئا لك يوم أن تصديت لهجمات المعتدين، وأبطلت خطط المتآمرين، وكشفت ألاعيب المخربين. هنيئا لك تحمي مساجد المسلمين، التي يرفع فيها اسم الله، وتقام فيها صلوات المسلمين. هنيئا لك تحمي الشيوخ، وتحفظ الأعراض، وتؤمن الثغور.

فشتان بين من يقتل وهذا سبيله، وبين من يقتل وهو يكفر المسلمين، ويستحل دماءهم وأموالهم، شتان بين موحد يحفظ الدماء والأنفس، والأعراض والأموال، وبين خارجي يهدرها

فابشر يا فتى التوحيد، يا جندي السنة، يا عسكر القرآن، بدعوات ترفع لك في جوف الليل، من أناس يرون جميل صنيعك، ويكبرون فعلك، ويعظمون تضحياتك، ويقدرون جهدك، فإن عشت عشت حميدا، وإن مت مت بإذن الله شهيدا

اللهم يا حيُّ يا قيوم, يا ذا الجلال والإكرام, اللهم مَنْ سعى في حفظِ أَمْنِ هذه البلاد, اللهم فاجْزِه خيرَ الجزاء, اللهم اكْتُبْ له أجرَ الشهداءِ الصادقين والمرابطين العاملين يا أرحم الراحمين, اللهم مَنْ ماتَ منهم فاغْفِرْ له, اللهم مَنْ قُتِلَ منهم فاغْفِرْ له, ومَنْ أُصيبَ فاشفه يا أرحم الراحمين, اللهم اجزهم عنا خيرَ الجزاء, اللهم اكفنا شرَّ الأشرار, وكيدَ الفجار, وما يجري في الليلِ والنهار..