من مظاهر انحراف الشباب

من مظاهر انحراف الشباب - الخطبة الأولى

 

الشبابُ ثروةَ الأمّة، يكون خيرًا ونعمةً حين يُستَثمر في الخير والفضيلةِ والبناء، ويغدو ضررًا وبيلاً، وشرًّا مستطيرًا، حين يستدرج لمواطن الفتن، ومواقع النتن.

عباد الله: فتن الشهوات والشبهات، قد أشرعت أبوابها، وسهل الوصول إليها، والعلاجُ الناجِع اتباع الشرع، وإعمالُ العقل، وإمعانُ النّظر، واستشراف المستقبل، بتحليل الظاهرة، ودراسةِ أسبابها، ومعرفة علاماتها، والعَمَلِ على الوقاية منها.

عباد الله: كل أسرة لا ترضى لأبنائها إلاّ أن يكونوا على الأرض سادةً، وفي الأخلاق قادَة، وفي عصرِنا الحاضر تنوّعت مسالكُ الشبُهات، وتأجَّجت نوازِع الشهوات، وتعددت مشارب التربية، وكثرت وسائل الشر، وتنوعت أساليب الإضلال، فمن داع صراحة إلى الفساد، إلى ملمح له ومدافع عن أصحابه.

ألا وإن أشد الإفساد خطرا، ما لبس لباس الدين، وكسي ثوب الشرع، وأطلق عليه اسم الإسلام، وهو السوق الرائج اليوم، الذي به جر شبابنا إلى مواطن الفتن، فتارة باسم الجهاد، وأخرى باسم نصرة المظلوم، حتى أصبح شبابُنا معرَّضًا لسهامٍ مسمومةٍ، ورماحِ غزوٍ مأفونة، ذاق مرارَتها المجتمَع، في صورة غلوٍّ وتكفير، وانحلالٍ خُلُقيٍّ وتقصير.

عباد الله: يتفاجأ بعض الآباء بانحراف ابنه، وسلوكه سبيلا لا يرتضيه، وقد كان يحسن به الظن، ويعده لتحمل المسؤلية، وإذا به يتصل عليه يوما من خارج البلاد، وقد انخرط في مواطن الفتن، وقد كانت تظهر على ولده علامات لم يتفطن لها، ولم يخطر بباله أنها ستؤدي به إلى هذا المصير، ولو تفطن لتلك الأعراض، وغير صحبة ولده، كما طلب العالم من قاتل المائة أن يغير خلته، فلربما نجى من الهلاك، لأن أهم مراحل العلاج من مرض ما، أن تكتشفه في أول أمره، بمعرفة أعراضه، وقطع أسباب انتشاره.

عباد الله: لظاهرة انحراف الشاب، وانزلاقه في جحيم الشبهات؛ علامات ظاهرة، فإذا لاحظتها على ولدك أو بنتك، فسارع لحمايته قبل أن تزل قدم بعد ثبوتها. من هذه العلامات:

التنقص من العلماء الكبار، ورميهم بالتخلف والجمود، والجهل بالواقع، وأنهم علماء السلاطين، وفي المقابل إبراز بعض المفكرين، على أنهم علماء الواقع، العالمين بخطط الأعداء، وأن كلامهم هو الفصل، وما هو بالهزل، والحق الذي لا مرية فيه، ولو خالف قوله صريح النقل، وصحيح العقل، فإذا وجدت ولدك قد سلك هذا السبيل فاعلم انه على جادة غير سوية، وأنه يخطو نحو غلو مهلك. فقد قال الله عز وجل ﴿وَإِذَا جَاءَهُمْ أَمْرٌ مِّنَ الأَمْنِ أَوِ الخَوْفِ أَذَاعُوا بِهِ وَلَوْ رَدُّوهُ إِلَى الرَّسُولِ وَإِلَى أُوْلِي الأَمْرِ مِنْهُمْ لَعَلِمَهُ الَّذِينَ يَسْتَنبِطُونَهُ مِنْهُمْ﴾.

ومن مظاهر انحراف الشباب: كثرة التضجر من الواقع، وإظهار أن المجتمع في جاهلية، فلا ترى منه إلا اليأس والقنوط، وقد كان رسول الله صلى الله عليه وسلم يعجبه الفأل، تراه مقطب الجبين، معقود الحاجبين يكثر من جلد الذات، وذكر المنكرات، ويخفي الحسنات، عنده مبالغة في نقد الأخطاء، والسباب والشتم لكل مسؤول، وأن مشروعاتنا معطلة، وأن الكمال في غير مجتمعنا، والخير في غير واقعنا، فيزدري نعمة الله عليه في هذه البلاد ولا يذكر محاسنها، فاعلم أن ولدك صيد سيد سهل، وغنيمة باردة لكل مخرب. فقد قال عليه الصلاة والسلام «إِذَا قَالَ الرَّجُلُ: هَلَكَ النَّاسُ فَهُوَ أَهْلَكُهُمْ» مسلم

راقب جوال ولدك، وانظر لمن يقرأ، ومن يتابع، فإذا كان ينشر كلام أهل البدع، من خلال الرسائل والمقاطع المرئية والمسموعة، ويستميت في الدفاع عن جماعات وأحزاب تتسمى بالإسلام، وقد ظهر زيغها وبان، وأصبح ظاهرا للعيان، فاعلم أنه يقرأ كتب الظلال، وأنه يرافق أهل الأهواء. فسارع لتغيير رفقته، قبل أن يستفحل الداء، ولا ينفع حينئذ الدواء.

من مظاهر انحراف الشباب - الخطبة الثانية

 

الحمد لله:

ومن مظاهر الانحراف: التناقض في الأحكام، والتباين في المواقف، فتجد أن له في المسألة قولين، بحسب القائل أو الفاعل وليس اتباعا للشرع والدليل، فإن كان الفاعل من حزبه؛ دافع عنه وحاول إخفاء باطله، وإن كان من غير حزبه ثارت ثائرته، وتحركت غيرته، فإن كان من يسب الصحابة رافضي، فإنه في نظره مجرم، عدو ظاهر، يجب فضحه ليحذره الناس، وهذا حق ولا شك، لكن إن كان من يسب الصحابة منظر الجماعة، أو قائد الحزب، فإنه يسكت عن ذلك ولا يبينه، بل يحاول اختلاق الاعذار وتبرير الموقف. وإن كان من ينادي بالحرية والديمقراطية علماني أو ليبرالي فإنه في نظره، عدو للدين، يريد إقصاء شرع الله، وإحلال القوانين الوضعية، وهذا حق ولا شك، لكن إن كان المنادي بذلك والمصرح به، رأس حزبه، أو داعية جماعته، فهي ضرورة وسياسة، وعقل وكياسة، تناقض لا ينطلق ألا من اتباع هوى، وسلوك صراط أعوج. وقد قال عز وجل ﴿وَأَنَّ هَذَا صِرَاطِي مُسْتَقِيماً فَاتَّبِعُوهُ وَلاَ تَتَّبِعُوا السُّبُلَ فَتَفَرَّقَ بِكُمْ عَن سَبِيلِهِ﴾.

من مظاهر الانحراف، عدم تعظيم الوحيين؛ الكتاب والسنة، وفهمهما بفهم سلف الأمة، وتقديمهما على ما سواهما «عَلَيْكُمْ بِسُنَّتِي وَسُنَّةِ الْخُلَفَاءِ الرَّاشِدِينَ الْمَهْدِيِّينَ بَعْدِي عَضُّوا عَلَيْهَا بِالنَّوَاجِذِ» فالأدلة تلوى أعناقها لتخدم أهداف الجماعة.

ومن مظاهر الانحراف: التهوين من شأن التوحيد تعلما وتعليما وعملا، وتقديم كتب فكرية تخلو من الأدلة، وترسخ في نفس الشباب، الولاء لغير شرع الله، والتزهيد في كتب السنة، وكتب فقه الأئمة.

ويبلغ الانحراف مداه، ويصل الشاب إلى منتهاه، إذا وصل به الحال أن يصرح بكفر ولي أمر المسلمين، وعلماء هذه البلاد ورجال أمنها، فاعلم أن الداء قد استشرى في الجسد، وأن الشبهة علقت بالقلب، فإذا بلغ هذه المرحلة، فاعلم أن الحزام الناسف مشدود على وسطه، وأنه في طريق الهلاك. طريق الخوارج كلاب النار.

عبد الله: تدارك ولدك، ما دام تحت يدك، قبل أن تتخطفه أيادي استخبارات دولية، وجماعات مضللة غير سوية، فأنت عنه مسؤول، كلكم راع وكلكم مسؤول عن رعيته.