أن أقيموا الدين ولا تتفرقوا فيه

أن أقيموا الدين ولا تتفرقوا فيه - الخطبة الأولى

 

أما بعد: فدينكم بحمد الله كامل، وشرعكم قويم، أمر بالاجتماع ودعى إليه، ونهى عن التفرق وحذر منه، يقول الله تعالى: ﴿وَأَنَّ هَذَا صِرَاطِي مُسْتَقِيمًا فَاتَّبِعُوهُ وَلاَ تَتَّبِعُواْ السُّبُلَ فَتَفَرَّقَ بِكُمْ عَن سَبِيلِهِ﴾، ونهى الله تعالى هذه الأمة عما وقعت فيه الأمم السالفة فقال جل وعلا: ﴿وَلاَ تَكُونُواْ كَالَّذِينَ تَفَرَّقُواْ وَاخْتَلَفُواْ مِن بَعْدِ مَا جَاءهُمُ الْبَيِّنَاتُ وَأُوْلَئِكَ لَهُمْ عَذَابٌ عَظِيمٌ﴾، وقال سبحانه ﴿وَاعْتَصِمُوا بِحَبْلِ اللَّهِ جَمِيعًا وَلا تَفَرَّقُوا﴾ فالفُرقَةُ عذابٌ، والشِّقاقُ ذلٌّ وهوان، والتنازع فشَلٌ وخَسَار ﴿وَأَطِيعُوا اللَّهَ وَرَسُولَهُ وَلا تَنَازَعُوا فَتَفْشَلُوا وَتَذْهَبَ رِيحُكُمْ وَاصْبِرُوا إِنَّ اللَّهَ مَعَ الصَّابِرِينَ﴾ والاجتماع المقصود ماكان على شرع الله وسنة مصطفاه بفهم سلف الأمة، لقوله تعالى ﴿فَإِنْ آمَنُوا بِمِثْلِ مَا آمَنْتُمْ بِهِ فَقَدِ اهْتَدَوْا وَإِنْ تَوَلَّوْا فَإِنَّمَا هُمْ فِي شِقَاقٍ﴾ وقد نهى النبي صلى الله عليه وسلم أمته من الافتراق والأهواء والبدع فقال «من رأى من أميره شيئا يكرهه فليصبر عليه، فإن من فارق الجماعة قيد شبر، فقد خلع ربقة الإسلام من عنقه» رواه البخاري وقال صلى الله عليه وسلم «من جاءكم وأمركم على رجل واحد منكم يريد أن يفرق جماعتكم فاضربوا عنقه بالسيف كائنا من كان» رواه مسلم . وعن العرباضِ بنِ سارية رضي الله عنه قال: وعظَنا رسول الله صلى الله عليه وسلم موعظةً ذَرَفَت منها العيونُ، ووَجِلَت منها القلوبُ، فقال قائل: يا رسول الله، كأنَّها موعظة مودِّع فأوصنا، فقال صلى الله عليه وسلم: «أوصِيكُم بتقوَى الله والسَّمعِ والطاعةِ وإن تأمَّر عليكم عبدٌ، فإنّه من يعش منكم بعدِي فسيرى اختلافًا كثيرًا، فعليكم بسنَّتي وسنّةِ الخلفاء الراشدين المهديِّين من بعدي، عضّوا عليها بالنواجذ، وإيّاكم ومحدثاتِ الأمور؛ فإنَّ كل بدعة ضلالة» وعن عمرَ بنِ الخطاب رضي الله عنه أنَّ النبيَّ صلى الله عليه وسلم قال: «عليكم بالجماعةِ، وإيّاكم والفرقةَ؛ فإنَّ الشيطان مع الواحدِ، وهو من الاثنين أبعَدُ، من أراد بحبوحةَ الجنة فليزَمِ الجماعة» قال أبو ثعلبة الخشني: كان الناس إذ نزل رسول الله صلى الله عليه وسلم منزلاً فعسكر، تفرقوا عنه في الشعاب والأودية، فقام فيهم فقال: «إن تفرقكم في الشعاب والأودية إنما ذلكم من الشيطان» قال: فكانوا بعد ذلك إذا نزلوا انضمَّ بعضهم إلى بعض حتى إنك لتقول: لو بسطتَّ عليهم كساءً لعمَّهم. وقال عبد الله بن عباس رضى الله عنهما: أمر الله المؤمنين بالجماعة، ونهاهم عن الاختلاف والفرقة، واخبرهم أنه إنما هلك من كان قبلهم بالمراء والخصومات فى دين الله تعالى، وقال عبد الله بن مسعود رضى الله عنه: يا أيها الناس عليكم بالطاعة والجماعة، فإنها حبل الله الذي أمر به، وما تكرهون في الجماعة، خير مما تحبون فى الفرقة، وقال الآجري: بل أمرنا عز وجل، بلزوم الجماعة، ونهانا عن الفرقة، وكذلك حذرنا النبي صلى الله عليه وسلم من الفرقة، وأمرنا بالجماعة، وكذلك حذرنا أئمتنا ممن سلف من علماء المسلمين، كلهم يأمرون بلزوم الجماعة وينهون عن الفرقة.

عباد الله: اعتنى الإسلام بوحدة الكلمة، ورص الصفوف، واتحاد القصد وتمثل ذلك في أركان الإسلام، فركن الإسلام الأعظم وكلمة التوحيد لا إله إلا الله هي الجامعة للشمل، ووصية الأنبياء والمرسلين ﴿وَلَقَدْ بَعَثْنَا فِي كُلِّ أُمَّةٍ رَسُولاً أَنْ اُعْبُدُوا اللَّهَ وَاجْتَنِبُوا الطَّاغُوتَ﴾ وتأملوا عناية الإسلام بالاجتماع في الصلاة فلقد شرع صلى الله عليه وسلم الاجتماع على إمام واحد خمس مرات في اليوم والليلة، وفي الجمعة والعيدين والاستسقاء وفي صلاة الخوف،وشرع لهم النبي صلى الله عليه وسلم أنه إذا كان إمام الصلاة مريضاً ولم يستطع أن يصلي بالناس قائماً فصلى قاعداً أن يصلوا بصلاته قاعدين وأمرهم بإقامة الصفوف ونهاهم عن الفرج ترسيخا لمبدأ الجماعة، وتربية على الألفة والتلاحم فعن أنس رضي الله عنه قال: كان رسول الله صلى الله عليه وسلم يقبل علينا بوجهه قبل أن يكبر فيقول: تراصوا واعتدلوا. وتأملوا وقوفهم بعرفات وكافة أعمال الحج ترون عناية الإسلام بشعيرة الاجتماع ووحدة الكلمة.

أيُّها المسلمون: نمر اليوم بأيام عصيبةٍ، وظروف شديدة، وفتن شتّى، ومِحَن عظمى. وإنَّ من أخطرِ مَا نخشاه تفرّقُ الصفِّ، وتنافرُ القلوب، واختلافُ التوجُّهات؛ فنكون أحزابًا متعدِّدَة، وطوائف مختلفة؛ فما أحوجَنا اليومَ إلى الاستنارةِ بضوء الوحيَين، والالتزامِ بمنهج النورَين؛ فنتَّجِه بقلُوبنا وأبداننا،في أقوالِنا وأَفعالِنا إلى الاعتِصام بالقرآنِ والسنّة وأن نفهم الأدلة كما فهمها الصحابة والتابعون ومن تبعهم بإحسان. لننجو من مزالق التفرق، ونسعد بنعمة الاجتماع.

أن أقيموا الدين ولا تتفرقوا فيه - الخطبة الثانية

 

الحمد لله

فمنذ أن شع نور الدعوة السلفية في هذه البلاد، على يدي الإمامين محمد بن عبدالوهاب ومحمد بن سعود رحمهما الله، إلى عهد الإمام محمد بن إبراهيم رحمه الله، ونحن ننهل من معين صافي، ندين بعقيدة واحدة، مجتمع متماسك، السنة سنة، والبدعة بدعة، والحلال بين، والحرام بين، قول المشايخ في المسألة واحد، من شمال المملكة إلى جنوبها، ومن شرقها إلى غربها، حتى غزتنا الأحزاب البدعية، ومزقت وحدتنا الفرق الضالة، جاءتنا باسم الإسلام،وأوهمتنا أنها إلى الإسلام تدعوا، وأنهم إخوان ناصحون، وأئمة مهديون، وأنهم المخاطِبون الناس بلغة العصر، والعالمون بأساليب الدعوة، وخفايا التربية، ففتحت لهم الأبواب، وتلقاهم الناس بالترحاب، وتمكنوا من كثير من الشباب، فغرسوا في نفوسهم الولاء لغير منهج محمد بن عبدالله صلى الله عليه وسلم وصحابته والتابعين، بل صار الولاء لدعاة مخصوصين، ولقادات معينة، فأصبح الشاب تابعا ذليلا، لا يملك من أمره شيئا، يقاد لا يدري من قائده، ويساق إلى حزبية يجهل أهدافها، فنشأ جيل كره هذه البلاد، وقادتها وعلماءها الصالحين، نشأ جيل يثني على المبتدعة، ويقدح في أهل السنة، نشأ جيل همه إثارة الفتن والقلاقل، والفوضى والمظاهرات، والعمالة لدول همها حرب الدعوة السلفية، يريدون أن تكون هذه البلاد كسوريا والعراق، الدماء تسيل، والأعراض تنتهك، والحدود تعطل، والأمن يختل، لو عثرت بغلة في الربع الخالي لأقاموا المناحات، ولطموا الخدود،وشقوا الجيوب، وتباكوا على الأمانة، وملؤوا الدنيا عويلا، وأخذوا يقارنون ذلك بما عند الدولة الفلانية التي تدين بالولاء لنفس حزبهم، ويمجدون قادتها، مع أن عندهم الأضرحة والكنائس والقبور، وحانات الخمور، عندهم العاهرات في الطرقات، وعندهم على الشواطئ العراة، ولا يظهرون لهذه الدولة أية محاسن، فلا يذكرون نصرها للتوحيد، ولا ذبها عن السنة، ولا إقامتها للمساجد، ولا خدمتها للحرمين، ولا عنايتها بكتاب الله، ولا نشرها لكتب أهل السنة، فكفاكم يا دعاة الفتن كفاكم، فقد هتك الله ستركم وأخزاكم، لا أنجح الله مسعاكم، وخيب ظنكم ولا صدق رجاكم، فمن مثل هؤلاء فلتحذروا، ومن سبلهم فلتحذروا.