التحذير من الوقوع في الفتن

التحذير من الوقوع في الفتن - الخطبة الأولى

 

لقد أمر الله عباده، أن يستقيموا على شرعه القويم، ويلتزموا صراطه المستقيم، الذي لا يضل سالكه ﴿وَأَنَّ هَـٰذَا صِرٰطِي مُسْتَقِيمًا فَاتَّبِعُوهُ وَلاَ تَتَّبِعُواْ ٱلسُّبُلَ فَتَفَرَّقَ بِكُمْ عَن سَبِيلِهِ ذٰلِكُمْ وَصَّـٰكُمْ بِهِ لَعَلَّكُمْ تَتَّقُونَ﴾.

ولقد أخبر عليه الصلاة والسلام، بما يكون إلى قيام الساعة، من تفرّق واختلاف، ونزاع وشقاق، ينشأ عنه فتنٌ عظمى، ومحنٌ كبرى، تشتدّ ضراوتها، ويستشري ضررها، ويتفاقم خطرها، ويَجلّ خطبها، وتلتبس كثير من الحقائق، وتختلط كثير من المفاهيم، وتختلّ الموازين، ويهلك بسببها خلق كثير، يقول علي رضي الله عنه عن الفتن (تبدأ في مدارج خفية، وتؤول إلى فظاعة جلية، فتزيغ قلوب بعد استقامة، وتضلّ رجال بعد سلامة، وتختلف الأهواء عند هجومها، وتلتبس الآراء عند نجومها، من أشرف لها قَصَمَته، ومن سعى فيها حطمته، تغِيض فيها الحكمة، وتنطق فيها الظلمة، تهرب منها الأكياس، وتدبّرها الأرجاس، مِرْعادٌ مِبْراق، كاشفة عن ساق، فلا تكونوا أنصاب الفتن وأعلام البدع، والزموا ما عُقد عليه حبل الجماعة، وبُنيت عليه أركان الطاعة، وأقدموا على الله مظلومين، ولا تقدموا عليه ظالمين، واتقوا مدارج الشيطان ومهابط العدوان) اهـ.

عباد الله: ألا وإن من أعظم الفتن، ما يقع اليوم في سوريا، من اقتتال بين المسلمين، وترك النصيرية يراقبون المشهد، ويوقدون النار في الهشيم، وقد قال عليه الصلاة والسلام كما عند البخاري ومسلم «إذا الْتَقَى الْمُسْلِمَانِ بِسَيْفَيْهِمَا، فَالْقَاتِلُ وَالْمَقْتُولُ في النَّارِ، فقلت يا رَسُولَ اللَّهِ، هذا الْقَاتِلُ فما بَالُ الْمَقْتُولِ؟ قال إنه كان حَرِيصًا على قَتْلِ صَاحِبِهِ».

عباد الله : هذه هي الفتنة التي حذر منها العلماء العارفون، والأئمة المهديون ،قبل وقوعها، فعندما سئل الشيخ صالح الفوزان، عن الذهاب للجهاد في الشام، منع من ذلك وقال لا تذهبوا لمواقع الفتن، علم ذلك بما أنار الله به بصيرته، وما وهبه من العلم، وفشل علماء فقه الواقع، ومدعوا معرفة السياسة، الذين زجوا بأبنائنا في مواقع الفتن، فهاهم شبابنا اليوم حطب لنار أججها المفكرون، أوقدوا في نفوس الشباب الحماس، حتى تركوا الآباء والأمهات، ليقاتلوا الأعداء، لكنهم اليوم يحملون بنادقهم ليتقاتلوا فيما بينهم،، فمنهم من التحق بداعش، وآخرون في جبهة النصرة، وغيرها من الأحزاب والجماعات، فكثرت الرايات، وتفرقت الكلمة، وكل يدعى صدق توجهه، وحسن مسلكه، ويلقي بالتهم على الآخر. في مشهد مكرر لما حدث في أفغانستان قبل أعوام، حينما تقاتلت الأحزاب فيما بينها.

عباد الله : أي فتنة أكبر من أن يجد المسلم نفسه يقاتل أخاه، أي فتنة أكبر من أن يتشرب الشاب استرخاص الدماء، والقتل بأهون تأويل، وتكفيرَ الدول والمجتمعات بلا دليل قاطع وبرهان، فما أن تطأ قدم أحدهم أرض الشام، حتى يتوعد أهله، بأنه قادم مع كتائب الحق بزعمه، ليحرر جزيرة العرب، من اليهود والطواغيت، وكأن أهله يهود في تل أبيب.

عباد الله : لقد ابتلينا في هذا الزمان، بأقوام هوَّنوا في نفوس الناس، أوامر رسول الله صلى الله عليه ونواهيه، في السمع والطاعة في غير معصية، وصوروها على أنها تشريع للاستبداد، وإقرار للظلم، فاستهان الكثيرون بواجب الطاعة، فتفلت الشباب من آبائهم وولاة أمرهم، نافرين إلى معركة لم يُدْعَو إليها، وأضحوا فيها بغير قصد، أدوات تحركها استخبارات دولية . ابتلينا بأقوام، جرّؤوا الشباب على العلماء، وحطوا من مكانتهم، وأوهمهم أنهم علماء حيض ونفاس، ولا علم لهم بالسياسة والواقع، ولا همّ لهم إلا الدعوة إلى جمع الكلمة، ولزوم الجماعة وطاعة السلاطين، وحين يقف العالِم في موقف الناصح المحذر من الفتن قبل وقوعها، كما فعل الفوزان، شنوا عليه الغارات، ووصفوه بأقبح الصفات، فقالوا عنه كما قال الله في المنافقين ﴿أَلا فِي الْفِتْنَةِ سَقَطُوا﴾.

عباد الله : إذا أرتم إدراك خطر التنظيمات، التي يلتحق بها شبابنا، وهم لا يعلمون قادتها، ولا يعرفون من وراءها، فتأملوا من المستفيد من تلك الحروب التي شنوها في أفغانستان والعراق وسوريا، أليسوا الرافضة واليهود، حاولوا أن تتذكروا تفجيرا أقاموه في تل أبيب أو طهران، بل هاتوا نقدا لقادتهم لأحد عمائم إيران. وقارنوا بتكفيرهم لعلماء السنة وحكام هذه البلاد.

عباد الله: منذ أكثر من خمسة وعشرين عاما، وشبابنا يساقون لمعارك خاسرة، فلا هم بالذين أقاموا دولة، ولا كسروا صليبا، ولا أقاموا توحيدا، ولا نصروا سنة، ما رأينا طوال هذه الأعوام إلا إراقة للدماء، وتشويها للإسلام، وإغلاقا للمراكز الإسلامية ودور الأيتام، فهل هذا مقصود الجهاد؟

التحذير من الوقوع في الفتن - الخطبة الثانية

 

الحمد لله

أنه لا مخرج من الفتن ولا عاصم منها ، إلا أن تحكّم الأمة شرع الله، وأن تلتزم بعقيدة الإسلام ،ومنهج السلف الصالح،علما وعملا وتعليما، وأن تعود إلى ربها، وتقبل على طاعته والإنابة إليه، وأن تكثر من الاستغفار والتوبة ،كما قال عز وجل ﴿وَمَا كَانَ اللَّهُ مُعَذِّبَهُمْ وَهُمْ يَسْتَغْفِرُونَ﴾ كما يجب على المسلمين تجنب مواطن الفتن، فقد روى أبو داود عن المقداد بن الأسود رضي الله عنه قال: وأيم الله، لقد سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول: «إن السعيد لمن جُنّب الفتن، إن السعيد لمن جنِّب الفتن، إن السعيد لمن جُنّب الفتن، ولمن ابتلي فصبر فواهًا»، وروى أيضًا عن عبدالله بن عمرو بن العاص رضي الله عنهما قال: بينما نحن حول رسول الله إذ ذكر الفتنة، فقال: «إذا رأيتم الناس قد مَرِجَت عهودهم، وخفّت أماناتهم، وكانوا هكذا» وشبّك بين أصابعه، قال: فقمت إليه فقلت: كيف أفعل عند ذلك جعلني الله فداك؟ قال: «الزم بيتك، واملِك عليك لسانك، وخذ بما تعرف، ودع ما تنكر، وعليك بأمر خاصة نفسك، ودع عنك أمر العامة»، وعن أبي موسى الأشعري رضي الله عنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: «إن بين أيديكم فتنًا كقطع الليل المظلم، يصبح الرجل فيها مؤمنًا، ويمسي كافرًا، القاعد فيها خير من القائم، والقائم فيها خير من الماشي، والماشي فيها خير من الساعي»، قالوا: فما تأمرنا؟ قال: «كونوا أَحْلاَس بيوتكم» أي: الزموا بيتكم. رواه أبو داود.

ومن أعظم الأسباب : وجوب الالتفاف حول العلماء الربانيين، والأئمة المهديين، السائرين على منهاج النبوة، في العلم والعمل والدعوة والجهاد، وإياكم والمتقلبين، الذين في كل واد يهيمون، وفي كل مسألة يتخبطون، وقد أثبتت الأيام فشل تحليلاتهم، وقصر نظرهم، ولم يتعلموا من دروس ما مضى، فشلوا في أفغانستان، وأعادوا نفس المأساة في العراق، وهاهم اليوم يتخبطون في الشام، لا تغتروا بكثرة أتباعهم، ولا بحلاة عباراتهم، إنما هو الحجة والدليل، بفهم السلف الصالح، تنجوا وتفلحوا ...........