من سمات المسلم

من سمات المسلم - الخطبة الأولى

فلقد أنزل الله شريعة سمحة كاملة، تضمن للمجتمع المتمسك بها، أن يسود بين أفراده الأمن، و تكثر فيه الفضيلة، و تقل فيه الرذيلة، تحفظ فيه الأموال و تصان فيه الأعراض، وتحفظ فيه العقول، من كل ما يضلها من الشبهات، و تحفظ فيه القلوب من كل ما يضلها من الأهواء، وتصان فيه الأبدان عن ما يضرها من الشهوات. رسم هذا الدين لأتباعه طريقا، وأمرهم باتباعه، أوجب عليهم واجبات، وضمن لهم حقوق، وسن لهم سنن، وأدبهم بآداب

المجتمع المسلم الحق محفوظ بالشريعة من الغيبة و النميمة، لا كذب فيه ولا فجور،ولا رشوة أو شهادة زور، تنتشر فيه الأمانة، و تعظم من فاعلها الخيانة. يتكافل المجتمع فيواسي فقراءَه أغنياؤه، و يرحم صغارَه كبارُه، و قل ما شئت من الكيل بالقسطاس المستقيم، والحرص على حفظ مال اليتيم، وبر الوالدين، وحق المسلم على أخيه، والجار على جارة، منطلقين من قوله صلى الله عليه وسلم «المسلم من سلم المسلمون من لسانه و يده» لو عملت بهذا الحديث كفاك، ولو وقفت عند معناه وقاك، فمن كان هذا الحديث له منهجا، ونورا أبلجا، فاز بالجنة و من النار نجا، إذ لا يمكن أن يخون،أو يسرق أو يقتل، أو يحقد أو يغتاب، بل هو مع المسلمين يعاملهم كنفسه، يحب لهم ما يحب لها، نصب عينيه «لا يؤمن أحدكم حتى يحب لأخيه ما يحب لنفسه» و في الحديث الأخر «الدين النصيحة».

المسلم الحق مجتنب للشبهات، طيب مطعمه، يترك ما يريبه إلى ما لا يريبه مؤمن إيمانا بتركه مالا يعنيه، واضع أمام عينيه أن المسلم على المسلم حرام، دمه و ماله و عرضه، إذا تكلم قال خيرا أو صمت، يكرم ضيفه، و يؤدم جاره، يتقي الله حيثما كان، و يتبع السيئة الحسنة، و يخالق الناس بخلق حسن، مدرك تمام الإدراك أن الحياء شعبة من الإيمان، وأن مما أدرك الناس من كلام النبوة الأولى «إذا لم تستح فاصنع ما شئت» وأولى من يستحيي منه مولاه، فهو يراقب حركاته، و يعلم سره و نجواه، فيستحي منه أن يعلم أن في قلبه غشا لمسلم،أو غلا لمؤمن، أو حسدا أو خيانة، يستحيي من مولاه، أن يراه حيت نهاه، أو يفقده حيث أمره، يتذكر دائما قول مولاه﴿إِنَّ اللَّهَ يَأْمُرُكُمْ أَنْ تُؤَدُّوا الأَمَانَاتِ إِلَى أَهْلِهَا﴾ وقوله ﴿خُذْ الْعَفْوَ وَأْمُرْ بِالْعُرْفِ وَأَعْرِضْ عَنْ الْجَاهِلِينَ﴾ وقوله ﴿وَقُولُوا لِلنَّاسِ حُسْناً﴾ وقوله ﴿وَاخْفِضْ جَنَاحَكَ لِلْمُؤْمِنِينَ﴾ ويعمل بالحديث النبوي «كل سلامى من الناس عليه صدقة كل يوم تطلع فيه الشمس تعدل بين اثنين، و تعين الرجل في دابته فتحمله عليها، أو ترفع له عليها متاعه صدقة، والكلمة الطيبة صدقة، وبكل خطوة تخطوها إلى الصلاة صدقة، و تميط الأذى عن الطريق صدقة» وإن من الصدقة التسبيح والتهليل والتحميد .

عباد الله : الإسلام دين السلام، و يقود أتباعه إلى دار السلام، لا يسمعون فيها لغوا إلا سلاما، تحيتهم فيها سلام، فأفش السلام على من عرفت و من لم تعرف ولما كان ديننا كذلك جعل تمامه و حليته سلامة المسلمين من لسانك و يدك، فالمفلس من أمة محمد صلى الله عليه وسلم من جاء يوم القيامة ولم يسلم المسلمون من لسانه ويده فيأتي وقد شتم هذا و ضرب هذا و سفك دم هذا وأكل مال هذا فيقتص منه يوم الدين بحسناته، فكن ممن ثقلت موازينهم و حذار من الذين خفت موازينهم فأولئك هم الخاسرون .

المسلم الحق: صادق في أخوته، مخلص في مودته، عضو صحيح في جسم أمته، مستمسك بهدي نبيه صلى الله عليه وسلم يتبع قوله «لا تحاسدوا ولا تباغضوا ولا تناجشوا ولا يبع بعضكم على بيع بعض وكونوا عباد الله أخوانا وإياكم والظن فان الظن اكذب الحديث» هذه بعض محاسن الشريعة التي جاء بها الوحي المنزل وكلام من لا ينطق عن الهوى، وعلمنا الأدب فما أحسن تعليمه، وما أكمل دينه، وصدق الله تعالى حين امتن علينا به ووصفه فقال ﴿لَقَدْ جَاءَكُمْ رَسُولٌ مِنْ أَنفُسِكُمْ عَزِيزٌ عَلَيْهِ مَا عَنِتُّمْ حَرِيصٌ عَلَيْكُمْ بِالْمُؤْمِنِينَ رَءُوفٌ رَحِيمٌ

من سمات المسلم - الخطبة الثانية

 

الحمد لله

المسلم لا تهزه العواصف، ولا تغريه اللطائف، فقد وطن نفسه، وقام بترويضها علي قوة الاحتمال، مهما لاقي من أهوال، المسلم ليس بإمعة، ولا يعيش في صومعة، فهو قليل بنفسه، كثير بإخوانه، لأنه فرع من شجرة طيبة، أصلها ثابت وفرعها في السماء، تراه بين إخوانه يسره ما يسرهم، ويحزنه ما يحزنهم منشغل بإصلاح نفسه، باحث عن عيوبها، ساع لتزكيتها.

عباد الله: إن من أعظم ما ابتلي به كثير من الناس في هذا الزمن، كثرة الكلام، وقلة العمل، البحث عن عيوب الناس، وتجاهل عيوب النفس، والتنظير في كل مسألة، تجد أحدهم متصدرا في قناة، أو مغردا في حساب، فلا يترك شاردة ولا واردة إلا تكلم فيها، إن كان الكلام في الطب تكلم، أو في التربية فهو أبوها، أو في السياسة فهو أسها وأساسها، أو في العلم الشرعي والفتوى، فهو فارس الميدان، ووحيد الزمان،وإن كان الكلام في الأمانة والقيام بالواجب، فكأنك ترى عمر بن عبدالعزيز، وإن كان الكلام في الزهد والورع، فلا ترى عيناك إلا الحسن البصري، ولكن انظر إلى حاله في بيته، أو في مكان عمله، تجده مهملا لحقوق أولاده، مضيعا لما تحمل من الأمانة، لا يذهب إلى الدوام إلا متأخرا، ولا ينجز المعاملات إلا متثاقلا، ولا يتورع أن أكل الرشوة، إن كان الحق له أطلق لسانه في محاضرات عن الإهمال والتفريط والفساد، وإن كان لغيره تحايل بحيل شيطانية ﴿وَإِذَا دُعُوا إِلَى اللَّهِ وَرَسُولِهِ لِيَحْكُمَ بَيْنَهُمْ إِذَا فَرِيقٌ مِنْهُمْ مُعْرِضُونَ (48) وَإِنْ يَكُنْ لَهُمْ الْحَقُّ يَأْتُوا إِلَيْهِ مُذْعِنِينَ﴾ يتهم غيره ويبرئ نفسه، الناس سواه مضيعون، والبشر غيره مفرطون.

عباد الله: ما نسمعه اليوم ونشاهده، من فساد إداري، وتقصير في إنجاز المشاريع، وتحايل على الأنظمة، من الذي يقوم به؟ أليسوا موظفين منا وفينا، إن كان كل واحد منا يبرئ نفسه فمن المقصر؟ وإن كان كل منا يتنصل فمن الملوم؟ وإن كنا جميعا مخلصين، فمن المفرطين؟. إذا كنا جميعا مصلحين فمن المفسدين؟

أيها المسلم : حاسب نفسك فهي أحق من تحاسبه، وأطرها على الحق فهي أولى من تأطره، وأمسك عليك لسانك، وليسعك بيتك، وابك على خطيئتك، وأحي في قلبك رقابة الله والخوف منه تسلم أنت، ويصلح المجتمع.