فضل الدعوة السلفية - الخطبة الأولى

أنتم اليوم في أعظم أيام الله، إنه يوم الحج الأكبر قال عليه الصلاة والسلام كما عند أبي داود «إن أعظم الأيام عند الله يوم النحر».

عباد الله : لقد كانت العرب قبل البعثة المحمدية في كفر وشقاء، وذل وفقر وانحطاط، وتفرق وشتات . ثم بعث محمداً صلى الله عليه وسلم، فدعاهم إلى توحيد الخالق العليم، وأرشدهم إلى صراطه المستقيم، فدخلوا في دين الله أفواجا، فتوحدت كلمتهم،وقويت شوكتهم، وعز سلطانهم، وفتحوا الأقطار،وأناروا الطريق في الأمصار.

وبعد انقضاء القرون المفضلة، وتقادم الزمان، قل العلم وكثر الجهل، فظهرت الفرق والأحزاب، وتفرقت الكلمة، وكثرت البدع والخرافات، وانشغل الناس بالدنيا عن الدين.

ولكن وبفضل من الله لم يخلُ قرن من القرون، من علماء ربانيين، ودعاة مصلحين، يدعون إلى الله على بصيرة، فينفون عن دين الله تحريف الغالين، وانتحال المبطلين، وتأويل الجاهلين، كما عند أبي داود قال عليه الصلاة والسلام: «إن الله يبعث على رأس كل مائة سنة من يجدد لهذه الأمة أمر دينها».

ولقد كان أكثر الناس في جزيرة العرب، قد انغمسوا في أوحال الوثنية، وانهمكوا في الشرك، فعدلوا عن عبادة الله وحده، إلى عبادة الأولياء والصالحين، يستغيثون بهم في النوازل والكوارث، ويُقْبِلُون عليهم في الحاجات والرغبات، ويعتقدون النفعَ والضُرَّ في الجمادات، ويعبدون أهلَ القبورِ، ويَصْرِفُون لها الدعاء والنذور، فلا دين عندهم يتبع، ولا شريعة تحكَّم، ولا سنة تعظم، ولا صلاة ولا زكاة، فقيض الله الشيخ الكبير، والمصلح الشهير، الداعي إلى توحيد الله العلي الكبير، الشيخ محمد بن عبد الوهاب رحمه الله، فقام يدعو إلى المنهل العذب الصافي، إلى كتاب الله وسنة مصطفاه، وفق فهم السلف الصالح، بعد أن شمر عن ساعد الجد، فطلب العلم على أيدي علماء عصره، فلما رجع إلى بلده، كان همه إخراج الناس من عبادة العباد، إلى عبادة رب العباد، ماجاء بدين جديد، بل جاء يدعوا إلى عقيدة نسيت، وسنة اندثرت، قال بقول سائر الأنبياء ﴿أَنْ اُعْبُدُوا اللَّهَ وَاجْتَنِبُوا الطَّاغُوتَ﴾ وقيض الله له الإمام محمد بن سعود رحمه الله، فاجتمع العلم والسيف، فأزيلت القبور، والمشاهد والأوثان. وقامت دولة التوحيد في هذه البلاد، واجتمعت كلمة المسلمين فيها على إمام واحد، فأصبحت دولة قوية يُحكَم فيها بكتاب الله، وتُعظَّم فيها سنةُ رسول الله صلى الله عليه وسلم، وحُمِيَ فيها الدينُ وجُدِّد، وأقيمت شعائر الإسلام، وطبقت الحدود، وانتشر الأمر بالمعروف، والنهي عن المنكر، وحل العدل والأمان، وحوربت البدع وأهلها، وكثر الاهتمام بالعلم والتعليم، وانشرت المدارس والمعاهد والجامعات، فأثمر ذلك قيام دولة عظيمة راسخة، جمعت بين العلم والعمل، والدعوة والجهاد، والتعليم والبيان، عبدوا الله وما أشركوا به، فأخرجت الأرض كنوزها، وأنزلت السماء من بركاتها، ففاض المال وعم الخير، وانتشر الأمن بعد الخوف، والعز بعد الذل، والغنى بعد الفقر. قال عز وجل ﴿وَعَدَ اللَّهُ الَّذِينَ آمَنُوا مِنْكُمْ وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ لَيَسْتَخْلِفَنَّهُم فِي الأَرْضِ كَمَا اسْتَخْلَفَ الَّذِينَ مِنْ قَبْلِهِمْ وَلَيُمَكِّنَنَّ لَهُمْ دِينَهُمْ الَّذِي ارْتَضَى لَهُمْ وَلَيُبَدِّلَنَّهُمْ مِنْ بَعْدِ خَوْفِهِمْ أَمْناً يَعْبُدُونَنِي لا يُشْرِكُونَ بِي شَيْئاً﴾.

عباد الله : هل عرفتم سبب عزكم، ومصدر فخركم، وتاج وقاركم، إنه التوحيد الخالص، واتباع السنة المطهرة بفهم سلف الأمة، فالزموا هذه الجادة، والوا من والاها، وعادوا من عاداها، واستمسكوا بها، حتى تلقوا ربكم عليها. فمن كان آخر كلامه لا إله إلا الله دخل الجنة. اللهم ...................

فضل الدعوة السلفية - الخطبة الثانية

الحمد لله:

عباد الله: وكما حوربت دعوات الأنبياء والصالحين، وتولى كبر ذلك المعاندون، فلقد تنوعت معاول الهدم لأسس دعوة الإمام المجدد، ومحاربة الدعوة السلفية،  ما بين ديني محدث مبتدع محرف؛  تمثله بعض الجماعات والأحزاب المنتسبة للإسلام، وفكري ثقافي؛ تمثله الليبرالية والعلمانية، وعداء ظاهر وباطن لكل ما هو سني؛ تمثله الرافضة، وأطماع دنيوية وعقدية تمثله القوى الغربية . والكل قد اشترك في  التلحف  بلحاف الديمقراطية الغربية.

أيها المسلمون : إن جاء الهجوم على هذه الدعوة ورموزها من أعدائها،فهو أمر متوقع، لكن الغرابة كل الغرابة، والعجب كل العجب، أن يأتي الهجوم على هذه الدعوة من أبنائها، وممن تفيؤوا ضلالها، وتذوقوا بركتها، وترعرعوا في أحضانها، فبعد أن كانت سببا في معرفة الناس لهم، والتفاف الشباب حولهم، فلما اشتدت سواعدهم، وعظم عند الناس أمرهم، وكثر أتباعهم، بدؤوا يتنكرون للدعوة السلفية، ويرمونها بتهم أعدائها السابقين، فهي عندهم الدعوة التكفيرية الوهابية، التي تريد أن تعيدنا لعصور الظلام، دعوة تدعوا للسمع والطاعة ولزوم الجماعة، ونحن نريد الحرية والديمقراطية، فلا بد من هز أركانها والتشكيك في صلاحيتها لهذا الزمان، فمكروا ولازالوا يمكرون، وعملوا واستمروا يعملون، لهدم هذه العقيدة وتشكيك أتباعها فيها، رد الله كيد الكائدين في نحورهم وجعل تدبيرهم تدميرهم.

عباد الله : الزموا التوحيد والسنة، أقيموا الصلاة، وآتوا الزكاة، وصوموا شهركم، وحجوا إن استطعتم فرضكم، مروا بالمعروف، وانهوا عن المنكر، وقوموا بما أوجب الله عليكم تجاه آبائكم وأمهاتكم، وذرياتكم وحافظوا على نسائكم . وتقربوا إلى الله بطاعته، ضحوا تقبل الله ضحاياكم، وتخيروا من الأضاحي ما سلمت من العيوب، وأعلموا أن أيام الذبح أربعة هذا اليوم وثلاثة أيام بعده.