الصدقة

بسم الله الرحمن الرحيم

الصدقة وفضلها الجمعة : 15/9/1422ه

الحمد لله القائل ﴿ وَمَا أَنْفَقْتُم مِّن شَيْءٍ فَهُوَ يُخْلِفُهُ وَهُوَ خَيْرُ الرَّازِقِينَ ﴾ القائل ﴿ الَّذِينَ يُنْفِقُونَ أَمْوَالَهُمْ بِاللَّيلِ وَالنَّهَارِ سِرًّا وَعَلاَنِيَةً فَلَهُمْ أَجْرُهُمْ عِنْدَ رَبِّهِمْ وَلاَ خَوْفٌ عَلَيْهِمْ وَلاَ هُمْ يَحْزَنُونَ ﴾ . وأصلي وأسلم على الهادي البشير ، والسراج المنير .

واسمع يا رعاك الله إلى شيء من فضل الإنفاق ، تلك العبادة العظيمة ، التي طالما تقرب بها الصالحون ، وسلك جادتها الموفقون . قال ابن القيم - رحمه الله - وكان العطاء والصدقة أحب شيء إليه صلى الله عليه وسلم وكان سروره وفرحه بما يعطيه أعظم من سرور الآخذ بما يأخذه ، وكان أجود الناس بالخير ، يمينه كالريح المرسلة ، وكان إذا عرض له محتاج آثره على نفسه ، تارة بطعامه وتارة بلباسه وكان صلى الله عليه وسلم يأمر بالصدقة ويحث عليها ويدعو إليها بأفعاله وأقواله . ولذلك كان صلى الله عليه وسلم أشرح الخلق صدراً ، وأطيبهم نفسا ، و أنعمهم قلبا ، فإن للصدقة وفعل المعروف تأثيرا عجيبا في انشراح الصدر .

تعود بسط الكف حتى لو أنه *** ثناها لقبض لم تجبه أنـامـلـه

تراه إذا ما جئته متهلــلا *** كأنك تعطيه الذي أنت سائله

عن أبي هريرة رضي الله عنه أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال « قال الله تعالى : يا ابن آدم أنفق أُنفق عليك » ، وعنه رضي الله عنه أن النبي صلى الله عليه وسلم قال « من تصدق بعدل تمرة من كسب طيب ولا يقبل الله إلا الطيب ، فإن الله يتقبلها بيمينه ثم يربيها لصاحبه كما يربي أحدكم فلوه حتى تكون مثل الجبل » وعن معاذ بن جبل رضي الله عنه أن النبي صلى الله عليه وسلم قال له « ألا أدلك على أبواب الخير ، الصوم جنة ، والصدقة تطفئ الخطيئة كما يطفئ الماء النار »

والصدقة تنمي المال وتزيده ، فعن أبي هريرة رضي الله عنه ان النبي صلى الله عليه وسلم قال : « ما نقصت صدقة من مال » . وعنه رضي الله عنه أن النبي صلى الله عليه وسلم قال « سبعة يظلهم الله في ظله يوم لا ظل إلا ظله وذكر منهم : رجل تصدق بصدقة فأخفاها حتى لا تعلم شماله ما تنفق يمينه »

والصدقة في الصحة أفضل منها في غيرها لما ورد عن أبي هريرة - رضي الله عنه - قال : جاء رجل إلى النبي صلى الله عليه وسلم فقال : يا رسول الله أي الصدقة أعظم أجرا ؟ فقال : « أن تصدق وأنت صحيح شحيح تخشى الفقر وتأمل الغنى ، ولا تهمل حتى إذا بلغت الحلقوم قلت : لفلان كذا وقد كان لفلان » متفق عليه .

روى البخاري من حديث ابن مسعود - رضي الله عنه - قال : قال رسول الله صلى الله عليه وسلم « أيكم مال وارثه أحب إليه من ماله » ؟ قالوا يا رسول الله ، ما منا أحد إلا وماله أحب إليه . قال : « فإن ماله ما قدم ومال وارثه ما أخر » . وعن عدي بن حاتم رضي الله عنه قال : سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول : « اتقوا النار ولو بشق تمرة » . وعن أبي هريرة رضي الله عنه قال : قال رسول الله صلى الله عليه وسلم « ما من يوم يصبح العباد فيه إلا ملكان ينزلان فيقول أحدهما : اللهم أعط منفقاً خلفاً ، ويقول الآخر : اللهم أعط ممسكا تلفاً » .

ومن آداب الصدقة أن يستصغر العطية ، فإنه إذا استعظمها أعجب بها فيحبط أجرها ويضيع عليه ثواب عمله . وقد قال بعض السلف : لا يتم المعروف إلا بثلاث : تصغيره وتعجيله وستره . ومن الآداب أن ينفق المؤمن من خير ماله وأطيبه وأحبه إليه قال تعالى ﴿ لَن تَنَالُوا الْبِرَّ حَتَّى تُنْفِقُوا مِمَّا تُحِبُّونَ وَمَا تُنْفِقُوا مِن شَيْءٍ فَإِنَّ اللهَ بِهِ عَلِيمٌ﴾ .

وأن يتخير من تزكو به الصدقة ويعظم أجرها . ومن ذلك ان يقدم الأقارب على غيرهم كما قال النبي صلى الله عليه وسلم « الصدقة على المسكين صدقة وعلى ذي الرحم ثنتان صدقة وصلة» ومن ذلك أن يقدم الأتقياء وطلبة العلم على غيرهم فيعينهم على الطاعة وطلب العلم النافع فيكون مشاركا لهم في أعمالهم الصالحة وقد قال النبي صلى الله عليه وسلم « من جهز غازيا فقد غزا » . ومن ذلك ان يبحث عن أهل التحمل الذين ذهبت نعمتهم وبقيت عادتهم فهم يعيشون في جلباب التجمل ﴿ يَحْسَبُهُمُ الْجَاهِلُ أَغْنِيَاءَ مِنَ التَّعَفُّفِ تَعْرِفُهُم بِسِيمَاهُمْ لاَ يَسْأَلُونَ النَّاسَ إِلْحَافًا ﴾ . ومن ذلك ان يبحث عن الذين حبسهم مرض أو سبب عن التكسب عملا بقول الله عز وجل ﴿ لِلْفُقَرَاءِ الَّذِينَ أُحصِرُوا فِي سَبِيلِ اللهِ لاَ يَسْتَطِيعُونَ ضَرْبًا فِي الأَرْضِ ﴾ .

الخطبة الثانية:

فإليك طرفاً من أخبار الموفقين ، والرعيل الأولين ، وسلفنا الصالحين ، فإلى الخير كانوا يتسابقون ، وإلى المعالي يتطلعون :

عن عمر بن الخطاب رضي الله عنه قال : أمرنا رسول الله صلى الله عليه وسلم يوما أن نتصدق فوافق ذلك ما لا عندي فقالت : اليوم اسبق أبا بكر إن سبقته يوما ، فجئت بنصف مالي فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم « ما أبقيت لأهلك » فقال : مثله ، قال : وأتى أبو بكر بكل ما عنده فقال له رسول الله « ما أبقيت لأهلك » قال : أبقيت لهم الله ورسوله . قلت : لا أسابقك إلى شيء أبدا .

فقد كان أبو بكر رضي الله عنه أجود الصحابة الكرام وأسبقهم إلى كل خير .

وكان عمر رضي الله عنه يقول : أبو بكرسيدنا وأعتق بلالا سيدنا .

أبو بكر حبا في الله مـــالا *** وأعتـــق في محبته بلال

وقد واسى النبي بكل فضل *** وأسرع في إجابته بلا: ل

وعن ثمامة قال : شهت الدار حين أشرف عليهم عثمان فقال : ائتوني بصاحبيكم اللذين ألباكم علي ، قال : فجيء بهما كأنهما جملان أو كأنهما حماران ، قال : فأشرف عليهم عثمان . فقال : أنشدكم بالله هل تعلمون أن رسول الله قدم المدينة وليس بها ماء يستعذب غير بئر رومة فقال رسول صلى الله عليه وسلم « من يشتري بئر رومة فيجعل دلوه مع دلاء المسلمين بخير له منها في الجنة » فاشتريتها من صلب مالي فأنتم اليوم تمنعوني ان أشرب منها حتى أشرب من ماء البحر . قالوا : اللهم نعم . فقال أنشدكم بالله هل تعلمون أن المسجد ضاق بأهله فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم « من يشتري بقعة آل فلان يزيدها في المسجد بخير له منها في الجنة » فاشتريتها من صلب مالي وأنتم اليوم تمنعوني أن أصلي فيها ركعتين ؟ قالوا : اللهم نعم . قال : أنشدكم بالله هل تعلمون أن رسول الله صلى الله عليه وسلم كان على ثبير مكة ومعه أبو بكر وعمر وأنا فتحرك الجبل حتى تساقطت حجارته بالحضيض . قال : فركضه برجله فقال : « أسكن ثبير فإنما عليك نبي وصديق وشهيدان » قالوا : اللهم نعم . قال : الله أكبر شهدوا لي ورب الكعبة أني شهيد ثلاثا .

وعن أبي مسعود الأنصاري رضي الله عنه قال جاء رجل إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم بناقة مخطومة فقال : هذه في سبيل الله فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم « لك بها يوم القيامة سبعمائة ناقة كلها مخطومة » .

أيها المسلمون : إنكم في دار هي محل العبر والآفات ، وأنتم على سفر والطريق كثيرة المخافات ، فتزودوا من دنياكم قبل الممات ، وتداركوا هفواتكم قبل الفوات ، وحاسبوا أنفسكم وراقبوا الله في الخلوات ، وتفكروا فيما أراكم من الآيات ، وبادوا بالأعمال الصالحات ، واستكثروا في أعماركم القصيرة من الحسنات ، قبل أن ينادي بكم مناد الشتات ، قبل ان يفاجئكم هادم اللذات ، قبل ان يتصاعد منكم الأنين والزفرات ، قبل أن يحال بينكم وبين ما تشتهون من هذه الحياة ، قبل أن تتمنوا رجوعكم إلى الدنيا وهيهات .