خطبة عيد الفطر 1434 (المطففين)

خطبة عيد الفطر 1434 (المطففين) - الخطبة الأولى

 

فأنتم في يوم عيد، فافرحوا كما أمرتم، بروا آباءكم، وصلوا أرحامكم، تحابوا وتزاوروا، أزيلوا ما في النفوس من الضغائن، وطهروا القلوب من الأحقاد، وإياكم والمحرمات، واجتنبوا الموبقات، ابتعدوا عن الاختلاط، وخصوصا بين الأقارب.

عباد الله: يقول الله عز وجل ﴿وَيْلٌ لِّلْمُطَفِّفِينَ (1) الَّذِينَ إِذَا اكْتَالُواْ عَلَى النَّاسِ يَسْتَوْفُونَ (2) وَإِذَا كَالُوهُمْ أَو وَّزَنُوهُمْ يُخْسِرُونَ﴾ ويل لمن يأخذ ماله ولا يؤدي ما عليه، ويل للمطففين في حق الله عز وجل، فإنّ الناس يكتالون من الله ويستوفون، يطعمهم ويسقيهم، يشفيهم ويعافيهم، يأكلون و يشربون من رزقه، ينعمون بالأمن على أرضه، ويتنفسون هواءه، ويتقلبون في نعمه ﴿وَإِنْ تَعُدُّوا نِعْمَةَ اللَّهِ لا تُحْصُوهَا﴾ فإذا جاء الحق الذي له طفّفوا، إلا من رحم الله. وأعظم التطفيف الشرك بالله. ومن التطفيف في حقه سبحانه عدمُ القيامِ بأمره، فإذا جاءت الصلاة تكاسل، وإذا حلت الزكاة تباخل، وإن وجب الحج تثاقل.

ويل للمطففين في حق رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، فقد بلغ الرسالة وأدى الأمانة ونصح الأمة، فهل قدمنا أمره وقوله على أهوائنا واستحساناتنا وعاداتنا،وهل قمنا بحقه ومحبتِه واقتفاءِ أثره ونشرِ سنته؟

ويل للمطففين في حق أصحاب رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، فقد أدوا كل الذي عليهم، شهدوا التنزيل، وعلموا ونصحوا، وجاهدوا وبذلوا، رَضِيَ اللهُ عَنْهُم وأرضاهم، وقد اكتلت منهم واستوفيت ؛ فماذا فعلنا في حقهم؟ هل نغضب لهم؟ هل نتحاكم إلى فهمهم وإلى نقلهم، وإلى طريقتهم وسمتهم، كما أوصنا النبي عَلَيْهِ الصَّلاَةُ وَالسَّلاَمُ؟ هل نغضب إذا سُبّ أحدُهم؟ هل تتمعّر وجوهُنا إذا انتهكت أعراضهم؟ هل نتبرّأ ممن تبرأ منهم ونعادي من عاداهم؟

ويل للمطففين في حق التوحيد في هـذه البلاد، فبنوره أضاءت، وببركته أمنت، فتح الله لنا به باب الأرزاق، فماذا عملنا في حقه، هل قمنا به حق القيام، هل أديناه بالتمام، هل تعلمناه وعظمناه، وعلَّمناه ولزمناه. أم أننا نوالي أهل البدع، وننصرُ أهل الأهواء. وندعو لليبرالية والعلمانية، والحرية والديمقراطية والحزبية. وننحي التوحيد عن الحياة، ونقاتلُ لتكونَ كلمةُ الشعبِ هي العليا؟

عباد الله : ويل للمطففين في حق علماء الإسلام، يوم كان الناس مشغلون بلهوهم، كانوا يتعبدون بتعلّم العلم وتعليمه، لا يريدون دنيا ولا جاها، لا يعرفون ببدع ولا شذوذات، يقومون في الناس مقام الأنبياء، ألم تكتل منهم وتستوفي؟ فماذا فعلت بحقهم؟ إن من حقهم علينا أن نحبَهم ونجلَّهم، ونذبَّ عن أعراضهم، ونجمعَ الناس عليهم. ويل لمن طفف في حقوق والديه، فكم تعبوا وسهروا، كم تألموا وتحملوا، فإذا جاء حقهم وأرادوه، قصّرت في حقهم وتجاهلته، أف لمن يبرّ صديقه ويجفو أباه، أف لمن يبر زوجته ويجفو أمه، آهات الآباء تتعالى، وآلام الأمهات تتوالى، والسبب عقوق الأبناء ﴿إِمَّا يَبْلُغَنَّ عِندَكَ الْكِبَرَ أَحَدُهُمَا أَوْ كِلاَهُمَا فَلاَ تَقُل لَّهُمَآ أُفٍّ وَلاَ تَنْهَرْهُمَا وَقُل لَّهُمَا قَوْلاً كَرِيمًا (23) وَاخْفِضْ لَهُمَا جَنَاحَ الذُّلِّ مِنَ الرَّحْمَةِ وَقُل رَّبِّ ارْحَمْهُمَا كَمَا رَبَّيَانِي صَغِيرًا﴾ ويل لمن طفف في حقوق أولاده، فلم يأمرهم بالصلاة ولا بالقرآن، ولم يربهم على البر والإحسان، بل تركهم للقنوات والشاشات، والمواقع الماجنة والشاتات.

ويل لمن طفف في حقوق أقاربه وأرحامه، وجيرانه وعماله، ويل لمن طفف في وظيفته يستوفي حقه في أخذ مرتبه، ولا يؤدي ما اؤتمن عليه من العمل، تراه متثاقلا في أنجاز معاملات الناس، لا تحركه إلا الواسطة، ولا يدفعه للعمل إلا الرشوة.

عباد الله: وتأملوا تطفيف بعضِ أبناءِ هذه البلاد، يتمتعون بالتوحيد فيها، يقيمون صلاتهم، المساجد عامرة، والدور آمنة، يأمرون بالمعروف وينهون عن المنكر، يتقلبون في أمنها، ويرتعون من خيراتها، والتقصير موجود، والكمال عزيز، وقد أخبرنا النبي صلى الله عليه وسلم بذلك، وأمرنا بالصبر عليه حتى نلقاه على الحوض، ومع ذلك تجد بعضَ أبناءِ هذا البلد يوالون أعداءها، ويتآمرون للإطاحة بها، يقارنون أسوأ ما عندنا بأفضل ما عند غيرنا، إن رأوا حسنة عندنا أخفوها، وإن رأوها عند غيرنا أظهروها، قوم حاقدون متشائمون، لا تراه إلا مقطب الجبين، محمر العينين، ما جلس في مجلس إلا شن الهجوم على كل شيء في هذه البلاد، لا شيء يعجبه، ولا أمرا يرضيه، لا يرى إلا السواد، يرى الدماء والأشلاء في بلاد القحط والدمار العربي، ويزعم أنه ربيع، شعوب بحثت عن المفقود، ففقدوا الموجود، وضاعت الأحلام والوعود، يرى بعد ثوراتها ضياعَ الدين، وانتهاكَ الأعراض، وسلبَ الأموال، واختلالَ الأمن، ودمارَ الاقتصاد، ويتمنى أن ينتقل كلُّ ذلك عندنا، بل ويسعى لأجل تحقيق ذلك بكل وسيلة، فتراه يعقد لذلك المؤتمرات، ويدير الندوات، ويدرب الشبابَ والشابات، على القيام بالفوضى والمظاهرات، يستغل الشاشات والقنوات، التي كانت بالأمس عندهم من الكبائر والموبقات، أما اليوم، فهي الأم الرؤوم، وهي الصدر الحنون، تراه عاكفا على حسابه في تويتر، يطير بالشائعات، ويؤلف القصص والروايات، التي تنتقص من هذه البلاد، وتوغر صدور الناس، المهم عنده ألا تذكر بلادُ التوحيدِ بخير، ولا ينتشر لها فضل، وإن دافع عنها بحقٍ مدافع، فهو عنده الجامي الوهابي، والعميل والانبطاحي، وهو من غلاة الطاعة، وجرمه أنه يدعو إلى التوحيد والسنة وإلى لزوم الجماعة. فاللهم أصلح الراعي والرعية، وألف القلوب، واجمع على الحق الكلمة.

خطبة عيد الفطر 1434 (المطففين) - الخطبة الثانية

 

الحمد لله

أختي المسلمة: يا من تتقلبين في النعم، وترفلين في ثياب العافية، اختصك الله بالترعرع في هذه البلاد الطاهرة، رضعتِ العقيدة الصافية، من ثدي أم ما تلبست ببدعة، ولا تلطخت بالولاء لحزب، نشأتِ تعرفين الصلاةَ وأحكامَ الطهارةِ، تعظمين الدليل،وتخضعين للشرع المطهر، نشأتِ في بيتٍ علمك الحشمةَ والحياء، علمك أن تغطي وجهك وأنت طفلة، علمك أن تخفضي صوتك، علمك أن لا تبدين للناس زينتك، علمك أن تلبسي الثياب الساترة، والعباءة الواسعة، اكتلتِ من هذه النعمِ واستوفيتِ، فمالي أراك اليوم تخسرين، مالي أرى بعضَ بناتِ المسلمين، قد استبدلوا الذي هو أدنى بالذي هو خير، اشتاق الحجابُ إلى ملامسةِ وجهها، وبدأت تتآكلُ ملابسُها، رَفَعَتِ اللباسَ إلى أنصاف الساقين، وأَبْدتِ الظهرَ وشقت الجانبين، وكأن ثيابَها ثقيلةٌ لا تستطيع حملها، وتعامت عن قول رسولها عليه الصلاة والسلام ( كاسيات عاريات، لا يدخلن الجنة ولا يجدن ريحها) تبحث عن حطام الدنيا بأي وظيفة، ولو كان ثمنُ ذلك خلوتَها بالرجال، أصبحت ألعوبة في يد كل ليبرالي وعلماني، فشككت في بعض أحكام الشريعة، وتمردت على الحجاب، في كل موقع الكتروني لها حساب، وقد تناست يوم الحساب ﴿أَلا يَظُنُّ أُولَئِكَ أَنَّهُم مَّبْعُوثُونَ (4) لِيَوْمٍ عَظِيمٍ (5) يَوْمَ يَقُومُ النَّاسُ لِرَبِّ الْعَالَمِينَ﴾.

عبدالله: تذكر ذلك اليوم إذا سولت لك نفسك أن تستوفي حقك وتطفف في حق غيرك.