احذرو الفتن - أحداث مصر

احذرو الفتن - أحداث مصر - الخطبة الأول

أمر النبي -صلى الله عليه وسلم- أمتَه بالتعوُّذ من الفتن فقال: «تعوَّذوا بالله من الفتن ما ظهر منها وما بَطَن» رواه مسلم.

عباد الله : إن من أعظم فتن هذا الزمان، مسألة الخروج على الولاة الظلمة، وقد أمرنا رسول الله صلى الله عليه وسلم بالصبر على جور الولاة، قال علي بن أبي طالب رضي الله عنه "لا بدَّ للناس من إمارةٍ برَّةٍ كانت أو فاجرة" وعلى هذا النهج العظيم سار سلفُ هذه الأمة، فكان كِبارُ الصحابة وكِبارُ التابعين؛ كابن عمر، وابن سيرين، يُصلُّون خلف الحَجَّاج مع عظيم ظلمه، وكثرة قتله وبطشِه، ولم يخرج أحدٌ على إمامه إلا ندِم، وكانت مفسدةُ خروجه أعظمَ من الصبر عليه؛ قال شيخ الإسلام رحمه الله : "وقلَّ من خرج على إمامٍ ذي سلطانٍ إلا كان ما تولَّد على فعله من الشر أعظمَ مما تولَّد من الخير" وحدثَ من الخليفة المأمون أمورٌ في الدين جِسام، وعذَّب من أنكر ما دعا إليه، فسجَنَ وجلَدَ إمامَ أهل السنة أحمد بن حنبل، ولم يأمر أحمدُ ولا كِبار أهل العلم في عصره بالخروج عليه. لأن في حشد الناس والتنادي بجمعهم والتكالُب ضد إمامهم شتاتٌ لشمل الأمة وتفريقٌ لكلمتها، وإثارةٌ للفتن والفساد، يُوقِعُها في خُنوعٍ وكروبٍ، وجوعٍ وحروب، ونهبٍ وسفك دماء، وتحقيقٍ لمآربِ الأعداء، وقتل الذَّراري وترمُّل النساء وهتك الأعراض وسلب الأموال ونهب الخيرات، قال ابن القيم -رحمه الله: "وما يحصُل بسبب قتالهم والخروج عليهم أضعافُ أضعاف ما هم عليه". وتأملوا ما حصل في زمن يزيد بن معاوية، عندما ثارت الفتنة، فأول شي فعله عبدالله بن عمر رضي الله عنه، كتب إلى يزيد يجدد البيعة، ثم جمع أولاده فقال اسمعوا مني والله من شارك فيها بيد أو لسان فهي الصيلم بيني وبينه أي القطعية المنكرة إلى يوم القيامة. هذا التصرف من عبدالله بن عمر في مصطلح بعض الناس اليوم يسمى تخاذلا وانبطاحية، جابر كان شيخاً كبيرا فلما هاجت الفتنة استعبر وبكى وقال إنا لله وإنا إليه راجعون لن تبقي من خيار الناس أحدا، فما بقي بعدها بدري قط. هاجت الفتنة وماجت وشارك فيها أناس أخيار لكنهم والله اخطئوا الطريق، جاءهم النعمان بن بشير من الشام فقال يامعشر أهل المدينة اتقوا الله في نكث البيعة اتقوا الله في سفك الدماء اتقوا الله في تفريق الجماعة اتقوا الله في نسائكم وصبيانكم فقال بعض زعمائها اتق الله فينا أنت لا تفرقنا وقد اجتمعنا، قال لكأني بك إذا هاجت وأخذت السيوف تضرب في مفارق الناس ضربت جنبي بغلتك ولحقت بمكة وتركت هؤلاء المساكين يذبحون على عتبات دورهم وبين نسائهم وصبيانهم و والله وقع ما قاله النعمان في هذا الرجل. ألا يشبه هذا حال بعض الداعين لإثارة الفتن في بعض بلاد المسلمين يوقدون نارها، وحطبها الأتباع المساكين، وهم في النعيم يتقلبون.

عباد الله : إليكم بعض وصايا النبي صلى الله عليه وسلم في حال الفتن : عن عبد الله بن عمرو بن العاص رضي الله عنهما قال: بينما نحن حول رسول الله إذ ذكر الفتنة، فقال: «إذا رأيتم الناس قد مَرِجَت عهودهم وخفّت أماناتهم وكانوا هكذا» وشبّك بين أصابعه، قال: فقمت إليه فقلت: كيف أفعل عند ذلك جعلني الله فداك؟ قال: «الزم بيتك، واملِك عليك لسانك، وخذ بما تعرف، ودع ما تنكر، وعليك بأمر خاصة نفسك، ودع عنك أمر العامة»، و قَالَ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم: «إِنَّهَا سَتَكُونُ فِتَنٌ أَلا ثُمَّ تَكُونُ فِتْنَةٌ الْقَاعِدُ فِيهَا خَيْرٌ مِنْ الْمَاشِي فِيهَا وَالْمَاشِي فِيهَا خَيْرٌ مِنْ السَّاعِي إِلَيْهَا أَلا فَإِذَا نَزَلَتْ أَوْ وَقَعَتْ فَمَنْ كَانَ لَهُ إِبِلٌ فَلْيَلْحَقْ بِإِبِلِهِ وَمَنْ كَانَتْ لَهُ غَنَمٌ فَلْيَلْحَقْ بِغَنَمِهِ وَمَنْ كَانَتْ لَهُ أَرْضٌ فَلْيَلْحَقْ بِأَرْضِهِ قَالَ فَقَالَ رَجُلٌ يَا رَسُولَ اللَّهِ أَرَأَيْتَ مَنْ لَمْ يَكُنْ لَهُ إِبِلٌ ولا غَنَمٌ ولا أَرْضٌ قَالَ يَعْمِدُ إِلَى سَيْفِهِ فَيَدُقُّ عَلَى حَدِّهِ بِحَجَرٍ ثُمَّ لِيَنْجُ إِنْ اسْتَطَاعَ النَّجَاءَ اللَّهُمَّ هَلْ بَلَّغْتُ اللَّهُمَّ هَلْ بَلَّغْتُ اللَّهُمَّ هَلْ بَلَّغْتُ». وقال عليه الصلاة والسلام «كونوا أحلاس بيوتكم» أي الزموها.

احذرو الفتن - أحداث مصر - الخطبة الثانية

 

الحمد لله:

ما يحدث اليوم في مصر فتنة عظيمة، وقد خاض فيها ناس كثير وأخذت القنوات الفضائية تتاجر بدماء المسلمين فيها وتسعى لتحقيق الأهداف التي أنشأت تلك القنوات من أجلها، فقناة تؤيد هذا وتدعي ظلمه وتسعى لنصرته، وتركز على مساوئ الآخر وتثير الشبه عند أتباعه، وقناة أخرى تخالفها الطريق وتعكس الاتجاه، وأصبح الناس في هذه البلاد وللأسف ألعوبة في أيدي تلك القنوات، فانقسم الصف هنا بين مؤيد لهذا وداعم لذاك، وأخذ البعض يحاول أن ينصر رأيه، ويستشهد بصحة رأيه بما تبثه تلك القناة، والآخر يعارضه ويستشهد بما تبثه القناة الأخرى. فيأخذ من قناته لأنها توافق هواه وتوافق توجه حزبه، ويتعامى عن الحق الذي في الأخرى لأنه يخالف مبتغاه

أيها المسلمون: الفتنة قائمة في مصر حماها الله وحفظها من الفتن وسائر بلاد المسلمين، وحفظ الله أيديهم من الخوض في دماء المسلمين، فلماذا نسعى لخراب بيوتنا في هذه البلاد بسبب فتنة نجانا الله منها، لماذا تحولت مجالسنا إلى الخوض في فتنة عمياء تكاد أن تأكل الأخضر واليابس هناك، لماذا يسعى بعض شبابنا مستميتا لبيان صحة رأيه والحرص على نصر من يسعى لإقناع نفسه أن الحق معه، ويتعامى عن الأدلة التي تدين من ينحاز إليه، ولماذا يوقد هذه النار التي توشك أن تشتعل عندنا ونتفرق بسببها يشعلها وللأسف بعض من يظهر عليه الصلاح، وحجتهم حديث ضعيف وبعض طرقه موضوع «من لم يهتم بأمر المسلمين فليس منهم» فهل من الاهتمام بأمر المسلمين أن أوقد النار في ديارهم، وأن أسعى لبث الفرقة بينهم، أم أن الاهتمام بأمرهم يستلزم السعي لتأليف قلوبهم، وإخماد نار الفتنة التي تشتعل في بلادهم، فإن لم أستطع، فلأنج بنفسي ولأبتعد عن النار لا تحرق ثيابي وأنقلها لمجتمعي.

عباد الله: سارعوا إلى ما لأجله خلقتهم، وتنافسوا فيما إلى ربكم يقربكم، وكفوا ألسنتكم وأقلامكم عن فتنة كفاكم الله شرها، وابتلى غيركم بها، واحمدوا الله ربكم على ما أنعم به عليكم من نعمة التوحيد والسنة والأمن في الأوطان والعافية في الأبدان، وأنتم في موسم عظيم وشهر كريم لا تضيعوا أوقاتكم في ملاحقة الأحداث، والانشغال بالردود والمناقشات، فلن تغيروا في الأمر شيئا.