أمثال نبوية

أمثال نبوية - الخطبة الأولى

اعبدوا الله حق عبادته، واتقوه حق تقاته، واذكروه حق ذكره، واشكروه حق شكره، فإنكم تتقلبون في نعمه، وإن حقه عليكم عظيم، فاحذروا أن تفرطوا في حقه ، ولا تغتروا بحلمه، فإن الله يحذركم نفسه ﴿يَوْمَ تَجِدُ كُلُّ نَفْسٍ مَّا عَمِلَتْ مِنْ خَيْرٍ مُّحْضَراً وَمَا عَمِلَتْ مِن سُوَءٍ تَوَدُّ لَوْ أَنَّ بَيْنَهَا وَبَيْنَهُ أَمَداً بَعِيداً وَيُحَذِّرُكُمُ اللَّهُ نَفْسَهُ وَاللَّهُ رَؤُوفُ بِالْعِبَادِ

عباد الله: إنه لم يخلق الله عز وجل من بني آدم خلقا أطهر قلبا ، ولا أزكى نفسا، ولا أصح عقلا، ولا أقوم لسانا، وأحسن فصاحة وبلاغة، وأجمع لجوامع الكلم من محمد بن عبد الله صلى الله عليه وسلم ، وإن من أحبه واهتدى بهداه واستن بسنته وأكثر النظر في سنته صلى الله عليه وسلم ، طهر قلبه ،وزكت نفسه، وصلح عقله ، واستقام لسانه، إن من أدمن النظر في سنة المصطفى صلى الله عليه وسلم وصحبها ليلا ونهارا مع كتاب الله عز وجل صح لسانه ورزقه الله البلاغة والفصاحة والبعد عن الحشو والتكلف .

فيا عباد الله: لا ترغبوا عن القرآن والسنة إلى غيرهما فمن رغب عنهما إلى غيرهما فأبعده الله، ولقد تنوع بيانه صلى الله عليه وسلم ، من الوعظ تارة، والترغيب تارة، والترهيب أخرى، ولقد كان من هديه صلى الله عليه وسلم تقريب المعاني للمتلقي وسهولة العبارة للسامع ، ولقد سلك في سبيل ذلك ضرب الأمثال ، فيها عبر ومواعظ لمن أقبل وأصغى إلى حجج الله وبيناته ،ومن الأمثال العظيمة: ما جاء في حديث أبي الحارث الأشعري ، في قصة يحي بن زكريا فإنه صلى الله عليه وسلم ضرب مثلا للمشرك بأحدكم لو اشترى عبدا من حُرِّ ماله، ثم أنعم على هذا العبد، ثم قال للعبد: هذا داري وهذا عملي فاعمل العمل وأدي الخراج إليّ فإني قد اشتريتك وأنعمت عليك، ثم بعد ذلك أخذ العبد يعمل العمل ويؤدي الخراج إلى غير سيده أيكم يحب أن يكون عبده كذلك، فكيف ينعم الله عليه، ثم يصرف العبادة لغيره ﴿ضَرَبَ لَكُم مَّثَلاً مِنْ أَنفُسِكُمْ هَل لَّكُم مِّن مَّا مَلَكَتْ أَيْمَانُكُم مِّن شُرَكَاءَ فِي مَا رَزَقْنَاكُمْ فَأَنتُمْ فِيهِ سَوَاءٌ تَخَافُونَهُمْ كَخِيفَتِكُمْ أَنفُسَكُمْ كَذَلِكَ نُفَصِّلُ الآيَاتِ لِقَوْمٍ يَعْقِلُونَ﴾.

وضرب مثلا برجل استقبل رجلا في الحديث ونظر في عينيه وخصه بالحديث، ثم ذاك الرجل التفت عنه وتشاغل عنه وعن حديثه أيكم يحب أن يكون كذلك؟، وإن العبد إذا أقبل على صلاته أقبل الله عليه ونصب وجهه لوجهه فلنستحي من الله أن نلتفت إلى غيره ونحن بين يديه وفي حضرته في الصلاة.

وضرب مثلا لذكر الله عز وجل برجل خرج العدو في أثره ، حتى إذا أوشكوا أن يمسكوا به دخل حصنا حصينا فأغلق على نفسه الباب فنجا من عدوه وهكذا العبد لا ينجيه من الشيطان ووسوسته وشبهاته ، إلا ذكر الله عز وجل قائما وقاعدا وعلى جنبه .

ومن الأمثال التي ضربها لنا النبي صلى الله عليه وسلم قوله: «ضرب الله مثلا صراطا مستقيما وعلى جنبتي الصراط سوران وفيهما أبواب مفتحة وعلى الأبواب ستور مرخاة ، وَعَلَى رَأْس الْصِّرَاط دَاعٍ يَدْعُوَا يَقُوْل يَا أَيُّهَا الْنَّاس أَدْخِلُوَا الْصِّرَاط جَمِيْعاً وَلا تَتَعَوَّجُوا ، وَدَاعٍ يَدْعُوَ مِن فَوْق الْصِّرَاط كُلَّمَا أَرَاد رَجُلٌ أَن يَفْتَح بَاباً مِن هَذِه الأبْوَاب الَّتِي فِي الْسُّوْر قَال لَه وَيْحَك لا تَفْتَحْه فَإِنَّك مَتَى فَتَحْتُه وَلَجْتُه، فالْصِّرَاط: هُو الإسلام ، وَالْسُّوْرَان: حُدُوْد الْلَّه ، وَالأبْوَاب الْمُفَتَّحَة: مَحَارِم الْلَّه ، وَالْدَّاعِي الَّذِي يَدْعُوَ عَلَى رَأْس الْصِّرَاط: كِتَاب الْلَّه ، وَالْدَّاعِي الَّذِي يَدْعُوَ مِن فَوْق الْصِّرَاط: هُو وَاعِظ الْلَّه فِي قَلْب كُل مُؤْمِن».

ومن الأمثلة يا عباد الله: قوله صلى الله عليه وسلم: «ما شجرة تشبه المؤمن لا يسقط ورقها، فوقع الناس في أشجار البوادي فقال صلى الله عليه وسلم: إنها النخلة» ما أعظم الشبه بين المؤمن وبين النخلة ،فالنخلة صبورة على الظمأ والحر والبرد ، وهكذا المؤمن ،والنخلة مباركة ينتفع منها بكل شيء من ليفها و ثمارها ومن كل شيء فيها، وهكذا المؤمن أينما حل نفع ، النخلة لا تأتي إلا بخير، وهكذا المؤمن والمسلم من سلم المسلمون من لسانه ويده.

أمثال نبوية - الخطبة الثانية

الحمد لله:

ومن أمثاله صلى الله عليه وسلم : قوله «مثل الجليس الصالح والجليس السوء كحامل المسك ونافخ الكير فحامل المسك، أما أن يحذيك، وأما أن تبتاع منه، وأما أن تجد ريحا طيبا ونافخ الكير، أما أن يحرق ثيابك، وأما أن تجد منه ريحا خبيثة»، فلا تجالسوا إلا الأخيار ، أهل التوحيد المتمسكين بالسنة ، وإياكم وأهل البدع والأهواء لا يفسدوا عليكم دينكم .

ومنها قوله صلى الله عليه وسلم: «مثلي ومثل أمتي كمثل رجل أوقد نارا فجعل هذا الجراد والجنادب والفراش يقعن فيها وإني آخذ بحجزكم عن النار وأنتم تفلتون علي وتتقحمون في النار»، قال صلى الله عليه وسلم: «من أطاعني دخل الجنة ومن عصاني فقد أبى»، فهذا مثل من أوقد النار وجعل يبعد الفراش والجنادب وهى تقحم عليه وتتفلت إلى النار نعوذ بالله من النار. فهو عليه الصلاة والسلام يدعونا إلى الجنة وطريقها ويأبى أقوام إلا سلوك غير سبيله.

ومنها قوله عليه الصلاة والسلام : «مثل المؤمنين في توادهم و تراحمهم و تعاطفهم مثل الجسد؛ إذا اشتكى منه عضو تداعى له سائر الجسد بالسّهر والحمّى»، رواه مسلم. فتشبيهه المؤمنين بالجسد الواحد ، فيه تقريب للفهم وإظهار للمعاني في الصور المرئية، وإشارة إلى عظم حقوق بعضهم على بعض ، وفيه الحض على تعاونهم وملاطفة بعضهم بعضا..

عباد الله: تدبروا في الأمثال. واعملوا بما فيها ، قال عمر بن عبد العزيز: «يا بني ليس الخير أن يكثر مالك وولدك الخير كل الخير أن تعقل عن الله، ثم تطيعه»، تأملوا فيما قص عليكم الله ورسوله من الأمثال واعتبروا فإن الخير كل الخير أن تعقل عن الله، ثم تطيعه.