ويحرم عليهم الخبائث – التدخين - الخطبة الأولى

فإن الله جل وتعالى أباح لعباده كلَّ نافع، وحرَّم عَليهم كلَّ ضارّ، فكُلُّ أمرٍ تحقَّقَ ضرَره وغلَب شرُّه وبَلاؤه فدينُ الإسلام حمَى المجتمعَ منه، فحرَّمه عليهم حمايةً لهم، وأَوجَب على المسلم المحافظةَ على نفسه، وحرَّم عليه التعدِّي عليها، قال الله تعالى: ﴿وَلا تَقْتُلُوا أَنفُسَكُمْ إِنَّ اللَّهَ كَانَ بِكُمْ رَحِيمًا﴾ فحرَّم عليه الاعتداءَ على أيِّ عضوٍ مِن أعضائه؛ لأنها ليسَت ملكًا له، بل هو مُؤتمَن عليها.

أيها المسلمون، إن التغذّي بالطيبات له أثر حميد في صحة الإنسان وسلوكه، قال الله تعالى: ﴿وَلَقَدْ كَرَّمْنَا بَنِي آدَمَ وَحَمَلْنَاهُمْ فِي الْبَرِّ وَالْبَحْرِ وَرَزَقْنَاهُمْ مِنْ الطَّيِّبَاتِ﴾ والتغذي بالخبائث يكون له أثر خبيث في الأبدان والسلوك . ألا وإن من الخبائث التي ابتليت بها مجتمعات المسلمين اليوم ظاهرة التدخين والشيشة بين الكبار والصغار ، والأغنياء والفقراء، حتى بدأ يسري في أوساط النساء. الدخان والشيشة من الخبائث ولا شك قال عز وجل: ﴿وَيُحِلُّ لَهُمْ الطَّيِّبَاتِ وَيُحَرِّمُ عَلَيْهِمْ الْخَبَائِثَ﴾ وقال عليه الصلاة والسلام: «لا تزولُ قدما عبدٍ يومَ القيامةِ حتى يُسألَ عن أربع: عن عُمُرِه فيم أفناهُ، وعن علمه ما فعلَ به، وعن مالِه من أين اكتسبَه وفيمَ أنفقَهُ، وعن جسمِه فيم أبلاهُ» التدخين يخشى أن يكون متعاطيه ممن قتل نفسَه ودخل في قول النبي صلى الله عليه وسلم: «ومن تحسى سمًا فقتل نفسه فسُمُّه في يده يتحسَّاه في نار جهنم خالدًا مخلدًا فيها أبدًا» رواه البخاري ومسلم. وقد أفتى كثيرٌ من العلماء المحققين بتحريم التدخين؛ لما يترتب عليه من الأضرار والمفاسد العظيمة، يقول سماحةُ الشيخ عبدالعزيز بن بازٍ -رحمه الله: والدخانُ بأنواعه كلِّها ليس من الطيباتِ، بل هو من الخبائث، لا يجوزُ شربُه ولا بيعُه ولا التجارةُ فيه كالخمر، والواجبُ على هؤلاء البِدَارُ بالتوبة إلى اللهِ، والندمُ على ما مضى، والعزمُ على ألا يعودَ، ومن تابَ صادقاً تابَ اللهُ عليه. واستمع إلى رأي الطب في التدخين : قال الأطباء: إنه القاتلُ البطيءُ، وقالوا: إنه بوابةُ الأمراضِ، وقال أحدُ الأطباءِ: لقد مضى على معالجتي للسرطانِ خمسٌ وعشرونَ عاماً، فلم يأتني مصابٌ بسرطانِ الحنجرةِ إلا مدخِّنٌ!.

عباد الله : إن من المؤسفِ أن تكون بلادُ المسلمين سوقاً لاستيراد أنواع الدخان، تُزادُ فيها نِسبُ المتعاطين، وترتفعُ معدلاتُ المدخنين، مع أن المسلمَ لديه من الموانعِ عن التدخين، ونصوصِ الترغيبِ والترهيبِ، ومفاهيمِ الثوابِ والعقابِ ،ما لا يوجدُ مثلُه عند الأممِ الكافرةِ، ولكن الفرقَ في مستوى الوعي، والقدرةِ على ضبطِ النفسِ، وعلوِّ الهِمَّةِ، وتحكيمِ العقلِ.

عبادَ الله: تضافرت الأدلةُ الشرعيةُ على تحريمِ التدخين، واتفقَ الأطباءُ على أضرارِه، وتنادت الهيئاتُ والمنظماتُ للتحذيرِ منه، وأجمعَ العقلاءُ على هدره للصحةِ والمالِ والوقت، فأيُّ شيءٍ يدعو العاقلَ لتعاطيه.

أخي المدخن: أليسَ المالُ صعباً جمعُه؟ أليست الصحةُ مطلباً يُبحثُ عنها وتُصرفُ الأموالُ لتحصيلها؟ فما بالُك تحرقُ مالكَ بنفسِك، بل وتحرقُ معه أحشاءك؟ الناس يبحثونَ عن الصحةِ وأنت بطوعِك واختيارِكَ تبحث عن المرض، ويحرصونَ على المالِ وأنت من المهلكينَ له، والمبذرينَ في إنفاقه. وقل لي بربك: ماذا جنيتَ من التدخين فيما مضى من عمركَ؟ فدينُك لم يسلم، ودنياك في خطر، وأنتَ في وحشةٍ مع جيرانِكَ وأصدقائك، والأمرُ أخطرُ حين يقعُد بك التدخينُ عن شهودِ الصلاةِ مع جماعةِ المسلمين، أو تنقطعُ عن زيارةِ وصلةِ أقربائك. ألم يمنعْك التدخينُ يوماً من الجلوسِ مع الأخيار، ألم يقعد بك التدخينُ عن كثيرٍ من معالي الأمورِ .

أيها المدخن: إنك تخدع نفسَك ،حين تظنّ أن شُربَ الدخانِ يُفرج همّك، أو ينسيكَ آلامَك، أو يسعدك في حياتك، أو يسليك في غربتِك، أو يشعرك بالفرحةِ في مجاملةِ أصدقائك المدخنين، أو تقولُ في نفسِك: إنني عشتُ عليه صغيراً وشبتُ عليه كبيراً ويصعبُ عليّ فراقُه. فلقد تركه غيرك ممكن منَّ  الله عليهم بذلك فالحق بالركب ولا تتخلف عن القافلة...................... اللهم

ويحرم عليهم الخبائث – التدخين - الخطبة الثانية

الحمد لله :

إن التدخين يبدأ عبثاً أو تقليداً، ثم لا يلبثُ أن يتحولَ إلى عادةٍ متأصِّلةٍ يُخيَّلُ للمُبتلى به أنه لا يستطيع الفكاكَ عنها، إنه وباءٌ يسري في الأمةِ ليخرِمَ مروءتَها وشهامةَ أَبنائِها، ويَشيع فيها نوعاً من التبعيةِ والتقليدِ للآخرينَ، وتُشكلُ مدفوعاتُه ضربةً في اقتصادِها.

عباد الله : إن المدخنَ لا يجهلُ أثرَ التدخين، ولا ينكرُ أضرارَه، بل لعله أقدرُ من غيره عن التعبيرِ عن هذه الأضرار، لكنه محتاجٌ إلى قرارٍ حازمٍ، وإرادةٍ قويةٍ تضعُ حداً للتسويف، وتنهي الصراعَ بين العاطفةِ ممثلةً في الشهوةِ الآسرة، وبين نداءِ الفطرةِ والعقلِ والدِّين التي تنظم الشهوةَ وتضعُ جسوراً فاصلةً بين الحلالِ والحرام، وتميزُ الضّارَّ من النافع.

عبدالله : أقدِمْ على تركه بإرادةٍ قوية، طاعةً لله ورسولِه، وليس لمجردِ الخوفِ من أضراره ، وفي هذا يقولُ ابنُ القيم -رحمه الله: إنما يجدُ المشقةَ في تركِ المألوفاتِ والعوائدِ مَنْ تركَها لغير اللهِ، أما مَن تركها مخلصاً من قلبه للهِ، فإنه لا يجدُ في تركِها مشقةً إلا في أول وهلةٍ؛ ليُمتحنَ أصادقٌ هو في تركِها أم كاذب، فإن صبرَ على تركِ المشقةِ قليلاً استحالت لذة. وابتعد عن مجتمع المدخنين، وعوِّض ذلك بأصحاب خيِّرين.ثم راجع عياداتِ مكافحةِ التدخينِ إن احتجتَ إلى ذلك، فلهم في ذلك جهدٌ مشكور. ولا غنى لك عن الصبر، لا سيّما في الأيامِ الأولى، ولكن تذكرْ أن لذةَ الانتصارِ على النفس والهوى أعظمُ من لذةٍ كاذبةٍ عابرة. ولا تنس الدعاءِ ،ولا يَطُل بك أمدُ التسويفِ، فالليالي حُبلى بكلِّ جديدٍ، وما تدري نفسٌ ماذا تكسبُ غداً! وما تدري نفسٌ بأيِّ أرضٍ تموتُ!.

أيّها المدخن: أنت المستفيدُ إن أقلعتَ، وأنت الخاسرُ إن أصررتَ، وحسبكَ أن تقدرَ للناصحينَ نُصحَهم، ومن تمام عقلِكَ ومروءتك أن تَفتحَ قلبكَ لمن يُهدي إليك عيوبكَ، ويفتحُ لك نافذةَ الخلاصِ من داءٍ يُقلقك ديناً ودنيا.