الشباب بين الواقع والمأمول

بسم الله الرحمن الرحيم

الشباب بين الواقع والمأمول الجمعة : 10/2/1422هـ

الحمد لله رب العالمين ، ولا عدوان إلا على الظالمين ، وأصلي وأسلم على خير خلق الله أجمعين ، نبينا محمد وعلى آله وصحبه والتابعين . أما بعد

فأخرج الطبراني عن معاذ رضي الله عنه أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال :« لن تزول قدما عبد يوم القيامة حتى يسأل عن أربع خصال ، عن عمره فيما أفناه ، وعن شبابه فيما أبلاه ، وعن ماله من أين اكتسبه وفيما أنفقه ، وعن علمه ماذا عمل فيه » ولما كانت مرحلة الشباب هي المرحلة الأكثر أهمية في حياة الإنسان ، لما تتميز به من الحيوية والنشاط ، وحدة الذكاء ، والقدرة على الاستيعاب ، والصبر والتحمل ، ولما ابتلي به المسلمون من التأثر بالمصطلحات الغربية في الحكم على المراهق كما يقولون بأنه طائش ، ولا

يعرف عنه إلا الانحراف ، وكلما قارف ذنباً عذروه بأنه مراهق ، ومما تتميز به مرحلة الشباب الميل إلى التقليد ، واتخاذ قدوات يجعلها الشاب نصب عينه ويحاول الوصول إلى مستواها . ولذلك فقد حرص الأعداء على إبراز أبطال الفن والرياضة ليتأثر بهم شباب المسلمين – وهذا ما حدث وللأسف - ولأن من خير من يتخذ قدوة ، ومن أفضل من يغرس حبه في نفوس الشباب هم صحابة رسول صلى الله عليه وسلم لقول ابن عمر رضي الله عنهما ( من كان مستناً فليستن بمن قد مات ، أولئك أصحاب محمد صلى الله عليه وسلم كانوا خير هذه الأمة ، أبرها قلوباً ، وأعمقها علماً ، وأقلها تكلفاً ، قوم اختارهم الله لصحبة نبيه صلى الله عليه وسلم ونقل دينه ، فتشبهوا بأخلاقهم وطرائقهم ، فهم أصحاب محمد صلى الله عليه وسلم كانوا على الهدى المستقيم والله رب الكعبة ) وإليك أمثلة من هؤلاء في مرحلة الشباب لتعلم أن الفتى إذا ربي تربى ، وإذا علم تعلم ، وإذا وجد يداً حانية ، وقلباً رحيماً ، وموجهاً حاذقاً ، ومجتمعاً صالحاً صدرت منه الأعاجيب ، وتصرف كتصرف أشجع الرجال ، وأعقل العقلاء . وإليك هذا المثال لتتبين حرص شباب الصحابة على طلب العلم وحفظ القرآن ، فقد روى الإمام أحمد أن قوم زيد بن ثابت رضي الله عنه أتوا إلى النبي صلى الله عليه وسلم مفاخرين بما حصل صاحبهم ، فقالوا هذا غلام من بني النجار معه مما أنزل الله عليك بضع عشرة سورة فأعجب ذلك النبي صلى الله عليه وسلم وقال « يا زيد ، تعلم لي كتاب يهود فإني والله ما آمن يهود على كتابي »، قال زيد : فتعلمت كتابهم ما مرت بي خمس عشرة ليلة حتى حذقته ، وكنت أقرأ له كتبهم إذا كتبوا إليه ، وأجيب عنه إذا كتب وقد شهد رسول الله صلى الله عليه وسلم لاثنين من شباب الصحابة بالعلم فقال « وأعلمهم بالحلال والحرام معاذ بن جبل ، وأفرضهم زيد بن ثابت » رواه الترمذي وهذا ابن عباس رضي الله عنهما يقول: لما توفي رسول الله صلى الله عليه وسلم قلت لرجل من الأنصار : هلم نسأل أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم فإنهم اليوم كثير ، فقال : وا عجباً لك يا ابن عباس ! أترى الناس يحتاجون إليك وفيهم من أصحاب النبي صلى الله عليه وسلم من ترى ؟ فترك ذلك وأقبلت على المسألة ، فإن كان ليبلغني الحديث عن الرجل فآتيه وهو قائل ، فأتوسد ردائي على بابه ، فتسفي الريح علي التراب ، فيخرج فيراني ، فيقول : يا ابن عم رسول الله ، ألا أرسلت إلي فآتيك ؟ فأقول : أنا أحق أن آتيك فأسألك ، قال : فبقي الرجل حتى رآني وقد اجتمع الناس علي ، فقال : هذا الفتى أعقل مني . ولهم رضي الله عنهم مواقف تذكر فتشكر في العبادة والزهد والورع والدعوة إلى الله والجهاد في سبيل الله ومن ذلك ما رواه البخاري عن أنس رضي الله عنه قال : أصيب حارثة يوم بدر وهو غلام فجاءت أمه إلى النبي صلى الله عليه وسلم فقالت : يا رسول الله قد عرفت منزلة حارثة مني ، فإن يكن في الجنة أصبر وأحتسب ، وإن تك الأخرى ترى ما أصنع ؟ فقال : « ويحك أو هبلت ؟ أو جنة واحدة هي ؟ إنها جنان كثيرة ، وإنه في جنة الفردوس » وأخرج ابن سعد عن سعد ابن أبي وقاص قال : رأيت أخي عمير قبل أن يعرضنا رسول الله صلى الله عليه وسلم يوم بدر يتوارى ، فقلت : مالك يا أخي ؟ قال : إني أخاف أن يراني رسول الله صلى الله عليه وسلم فيستصغرني فيردني وأنا أحب الخروج لعل الله أن يرزقني الشهادة ، قال : فعرض على رسول الله صلى الله عليه وسلم فاستصغره فرده ، فبكى فأجازه ، فكان سعد يقول : فكنت أعقد حمائل سيفه من صغره فقتل وهو ابن ست عشرة سنة . فانظر إلى علو الهمة ، وبعد النظر ، ونفاسة المطلب . فيا شباب الإسلام ، لمثل هذا فأعدوا ، وبمثل هؤلاء فاقتدوا ، وليسعد بذلك المجتمع ، ولتهنأ بذلك الأمة ، ولتأمن بذلك الديار ، ولا تقل ذاك زمن ولى ، وجيل لا يتكرر ، فما عدمت الأمة مخلصيها ، ولا عقمت الديار عن إنجاب نجبائها ، ولا تزال طائفة على الحق منصورة ، فكم نرى اليوم من حافظ لكتاب الله ما بلغ الثامنة ، ومن حافظ لمتن ما بلغ العاشرة ، أخلص النية ، واصدق في الدعاء ، واسلك الجادة ، توفق للخير ، وترى من الله ما يسرك ،

اللهم أصلح شباب المسلمين ، واجعلهم هداة مهتدين ، لا ضالين ولا مضلين

الخطبة الثانية:

الحمد لله أما بعد

فاتقوا الله تعالى وراقبوه ، وأطيعوا أمره ولا تعصوه أيها الناس

وتتوالى السنون ، وتمر الأعوام ، وتطوى الأيام ، إلى وقت قريب ، عندما كان الفتى ينشأ في قرية صغيرة ، وفي مجتمع مغلق ، يتلقى التربية من والديه ، فالأب هو القدوة والقائد ، والموجه والرائد ، الحسن ما استحسن ، والقبيح ما استقبح ، فنشأ جيل الرجولة والشهامة ، جيل تحمل المسؤولية منذ نعومة الأظفار ، إلى أن جاء عصرنا هذا ، عصر ثورة المعلومات ، عصر الانفتاح على الثقافات الخارجية بقضها وقضيضها ، بغثها وسمينها ، بحسنها وقبيحها ، فأخذ الفتى يتلقى التربية من عدة مصادر ، الإعلام رائدها ، وهو أبوها وأمها ، وغير خاف عليك ما لأعداء الملة من سيطرة على

الإعلام ، وبدأ اليوم يؤتي ثماره ، التي سقيت بماء الحقد والكراهية للإسلام وأهله ، فنشأ عندنا جيل المقاهي الليلية ، والشاشات العنكبوتية ، والقنوات الفضائية ، والمعاكسات الهاتفية ، جيل التفحيط والسرقة ، جيل التخنث والميوعة ، جيل الخضوع في الكلام ، جيل التكسر في المشية ، جيل القصات الغربية ، والرقصات الهستيرية ، جيل الغناء والطرب ، جيل الأفلام والجريمة ، جيل القبعات والبدلات ، جيل الأندية والتشجيع ، جيل التفريط والتضييع ، جيل الخروج على القيم ، جيل تضييع الأخلاق ، جيل تقليد الأعداء ، والسخرية من الأصدقاء ، استبدلوا القرآن بالغناء ، و المساجد بالمقاهي ، والسواك بالسيجارة .جيل ابتلاه الله بأب غافل ، بجمع ماله متشاغل ، وعن متابعة ولده متكاسل ، وفر له الدراهم والسيارة ، وفر له شاشة عاهرة ، ومجلة داعرة ، لا يأمره بصلاة ، ولا ينهاه عن هواه ، لا يأمره بمعروف ، ولا ينهاه عن منكر ، لا يدري

إلى أين ذهب ، ولا مع من ركب ، وإذا نصحه ناصح ، أو أغلظ عليه محب ، نفض يديه في وجهه وقال : وماذا أفعل ؟ وهذا ولد فلان ، وذاك ولد فلان ، كلهم على هذا الطريق ، وهؤلاء شباب هذا الزمان ، حتى يستدعى في مركز هيئة، أو في مخفر شرطة ، عندها يفاجأ بما جنته يداه ، ويحصد ثمرة تفريطه ولا ينفعه بكاه ، ثم بعد ذلك يشكو عقوقه ، ويبحث عن الصالحين لإصلاحه ، آلآن وقد أعرضت فيما سبق ، آلآن وقد فرطت فيما مضى ، حلقات تحفيظ القرآن في المساجد تفتح ذراعيها ، وأنت عنها معرض ، دروس العلم تشرح صدرها ، وأنت عنها تصد ، وتزعم أن في ذلك تضييع لدروسه ، وتأثير على مستواه ، أما الملاعب والملاهي ، والمقاهي والسهرات فهي من الضروريات . ولا بد للمراهق من المجاراة .

يا مسلمون يا مسلمون : الشباب أمانة في الأعناق ، يا معشر الآباء خذوا على أيدي السفهاء ، وأطروهم على الحق أطراً ، يا من انبرى للتربية والتعليم ، اتق الله في من تحت يدك من أبناء المسلمين ، عليك بجادة السلف الصالح ، عظم في نفوسهم الكتاب والسنة ، إزرع في قلوبهم القدوة الصالحة من النبيين والصحابة والتابعين ، والعلماء الربانيين ، والأئمة المهديين ،عليك بغرس جميل القيم ، وقيم الأخلاق ، نسأل الله للجميع صلاح النية والذرية ، وحسن القصد ، وسلامة المنهج ، اللهم ……

 

أخوك : فهد بن حسن الغراب

إمام وخطيب جامع شيخ الإسلام ابن تيمية بالرياض