التحذير من مخالفات آخر العام

التحذير من مخالفات آخر العام - الخطبة الأولى

 

قد بُعث نبينا محمد صلَّى الله عليه وسلَّم بالحنفية السمحة، وجاء بالرِّسالة الكاملة، وما مات إلاَّ وقد كمل الدِّين؛ فمن ابتدع في الإسلام، فقد جاء بشرع لم يشرعه محمد صلَّى الله عليه وسلَّم ولقد حذَّر النبي صلَّى الله عليه وسلَّم من البدع، فها هو الصحابي الجليل العِرْبَاض بن سارية يُحدثنا بما رواه الإمام أحمد في مُسنده بسند صحيح؛ حيث قال: صلى بنا رسول الله صلَّى الله عليه وسلَّم ذات يوم، ثم أقبل علينا فوعظنا موعظة بليغة، ذرفت منها العيون، ووجلت منها القلوب، فقال قائل: يا رسول الله، كأنَّ هذه موعظة مُودع، فماذا تعهد إلينا؟ فقال: «أوصيكم بتقوى الله، والسمع والطاعة، وإن عبدًا حبشيًّا، فإنه من يعشْ منكم، فسيرى اختلافًا كثيرًا، فعليكم بسنتي وسنة الخلفاء الراشدين المهديِّين، تَمسكوا بها، وعضُّوا عليها بالنواجذ، وإياكم ومحدثاتِ الأمور؛ فإن كل محدثة بدعة، وكل بدعة ضلالة»، وقال الصحابي الجليل عبدالله بن مسعود فيما رواه الطبراني بسند صحيح: "اتبعوا ولا تبتدعوا فقد كُفيتم"، وقال أيضًا: "الاقتصاد في السنة خير من الاجتهاد في البدعة"، ولقد اشتد نكيرُ أئمة الهدى على من أحدث في دين الله، وابتدعوا ما لم يأذن به الله، حتى جعل الإمام أحمد أن التحذير من البدع أفضل من صيام وصلاة النفل، بل وأفضل من الاعتكاف، وكان يقول: "إذا قام وصلى واعتكف، فإنَّما هو لنفسه، وإذا تكلم في أهل البدع، فإنَّما هو للمسلمين، هذا أفضل"، وكان شيخُ الإسلام يقول: "إنَّ تحذيرَ الأمة من البدع والقائلين بها واجب باتِّفاق المسلمين". بل ها هو الإمام مالك - رحمه الله - يقول: "من ابتدع في الإسلام بدعة يراها حسنة، فقد زعم أنَّ محمدًا صلَّى الله عليه وسلَّم خان الرسالة"؛ لأن الله يقول: ﴿الْيَوْمَ أَكْمَلْتُ لَكُمْ دِينَكُمْ وَأَتْمَمْتُ عَلَيْكُمْ نِعْمَتِي وَرَضِيتُ لَكُمْ الإِسْلامَ دِيناً﴾ فما لم يكن يومئذ دينًا، فلا يكون اليوم دينًا، حتى ولو كانت نية مَن قال بها حسنة؛ قال الله: ﴿أَمْ لَهُمْ شُرَكَاءُ شَرَعُوا لَهُمْ مِنْ الدِّينِ مَا لَمْ يَأْذَنْ بِهِ اللَّهُ﴾.

عباد الله : إنَّ مِن أعظمِ الأمور التي تنشأ بأسبابِها البدع الجهل، وكلما تقادم الزَّمان نقص العلم، وكثر الجهل؛ قال صلَّى الله عليه وسلَّم: «إنَّ اللهَ لا يقبض العلم انتزاعًا ينتزعه من الناس، ولكن يقبض العلم بقبضِ العلماء، حتى إذا لم يبقَ عالم، اتَّخَذ الناس رؤساءَ جهالاً، فسُئلوا، فأفتوا بغير علم، فضلوا وأضلوا»؛ رواه البخاري. وقال صلَّى الله عليه وسلَّم: «سيكون في أُمَّتي دجالون كذَّابون، يأتونكم ببدع من الحديث لم تسمعوا أنتم ولا آباؤكم، فإياكم وإياهم، لا يفتنونكم»؛ رواه مسلم.

أيها المسلمون : إن على الأمة أن تقف صفًّا واحدًا في وجه البدع والمحدثات، وأن تسير على النهج الذي سنَّه محمد صلَّى الله عليه وسلَّم، قال ابن عباس رضي الله عنهما: "ما أتى على الناس عام إلاَّ أحدثوا فيه بدعة، وأماتوا فيه سنة، حتى تحيا البدع وتموت السنن"؛ رواه الطبراني بسند صحيح.

قال ابن مسعود: كيف أنتم إذا لبستكم فتنة يهرم فيها الكبير ويربو فيها الصغير ويتخذها الناس سنة إذا ترك منها شيء قيل : تركت السنة ؟ قالوا : ومتى ذاك ؟ قال : "إذا ذهبت علماؤكم وكثرت قراؤكم وقلت فقهاؤكم وكثرت أمراؤكم وقلت أمناؤكم والتمست الدنيا بعمل الآخرة وتفقه لغير الدين" رواه الدارمي.

عباد الله : مع قرب نهاية عام مضى وبداية عام جديد، تنتشر بين الناس على سبيل الاستحسان وطلب الخير أمور يجب التوقف عندها والبحث في مشروعيتها فتجد مثلاً من يرسل لك في نهاية العام على جوالك رسائل تدعو للتوبة، وثانية تذكر بالاستغفار، وثالثة تدعو لجعل الصيام ختام، ورابعة تزعم بأن الصحائف تطوى في نهاية العام، وخامسة تهنئ بالعام الجديد

يقول الشيخ بكر أبو زيد رحمه الله: لا يثبت في الشرع شيء من ذكر أو دعاء لأول العام وهو أول يوم أو ليلة شهر محرّم، وقد أحدث الناس فيه من الدعاء والذكر والذكريات وتبادل التهاني وصوم أول يوم من السنة وإحياء ليلة أول يوم من محرم بالصلاة والذكر والدعاء وصوم آخر يوم من السنة إلى غير ذلك مما لا دليل عليه.

عباد الله : ليس لآخر يوم في العام المنصرم، ولا لأول يوم في العام المستقبل مزية خاصة فلا يجوز تخصيصها بصوم أو صدقة أو صلاة أو ذكر لعدم وجود الدليل وإنما هي أيام مثل سائر الأيام تفعل فيها من العبادات ما تفعله في غيرها. اللهم ....

التحذير من مخالفات آخر العام - الخطبة الثانية

 

الحمد لله :

ومن المخالفات تخصيص نهاية العام بدعوة الناس لمحاسبة أنفسهم وحثهم على العمل الصالح، ومثل هذا التخصيص لم يحدث في القرون المفضلة، وهم أحرص الناس على الخير وعلى إرشاد الناس وتعليمهم، وتسابقهم لأعمال البر.ولو كان خيرا لسبقونا إليه، بل ان مما يخشى منه ان يأتي زمنٌ: لو ترك أحدهم الاحتفال او التذكير لقالوا تركت سنة

ومما يحدث أيضا الاحتفال ببداية السنة الهجرية، وكان أول من أحدث هذه البدعة الرافضة الفاطمية، ظناً منهم أن الأول من محرم هو موعد هجرة الرسول صلى الله عليه وسلم وإنما كانت هجرته صلى الله عليه وسلم في أوائل شهر ربيع الأول من السنة الثالثة عشرة لبعثته صلى الله عليه وسلم، ثم اتخذ التأريخ بهجرة المصطفى صلى الله عليه وسلم في عهد عمر بن الخطاب رضي الله عنه، وأخر التاريخ من ربيع الأول إلى المحرم لأن ابتداء العزم على الهجرة كان في المحرم.

عباد الله: و هذه الأمور وإن بدتْ صغيرةً في نَظَرِ بعضِنا، لكنْ معظمُ النار من مُسْتصغَر الشرر. وهذا حال بعضِ البدعِ تبدأ صغيرةً وهيِّنةً، فتكبر وتصبحُ شعيرةً وشريعة، فسدُّ هذا البابِ أولى. قال البربهاري "واحذرْ صغارَ المحدثاتِ من الأمور، فإن صغارَ البدع تعودُ حتى تصيرَ كباراً، وكذلك كلُّ بدعةٍ أُحْدِثت في هذه الأمة كان أولُها صغيراً يشبه الحقَّ فاغترَّ بذلك من دخل فيها ثم لم يستطعِ المخرجَ منها فعَظُمت وصارت ديناً يُدان بها فخالفَ الصراطَ المستقيم".

عباد الله: لا تستهينوا بمثل هذه الأمور، ولا تُقلِّلوا من خطرها؛ ﴿وَتَحْسَبُونَهُ هَيِّناً وَهُوَ عِنْدَ اللَّهِ عَظِيمٌ﴾ فما أصعبَ نزعَ البدعة إذا أُشربتها القلوب، واستحسنتها الأمزجة والعقول! فوأدها قبل استفحالها أيسرُ منه بعد انتشارها واستشرائها. وأنتم في بلد قد تميز بالتوحيد والسنة، فاحذروا من التغيير وألزموا السنة وحاربوا البدعة واتبعوا ولا تبتدعوا فقد كفيتم.