لا للمظاهرات

لا للمظاهرات - الخطبة الأولى

 

لقد أمرنا الله جل وعلا بالاجتماع، ونهانا عن الفرقة والنزاع، قال تعالى ﴿وَأَطِيعُوا اللَّهَ وَرَسُولَهُ وَلا تَنَازَعُوا فَتَفْشَلُوا وَتَذْهَبَ رِيحُكُمْ وَاصْبِرُوا إِنَّ اللَّهَ مَعَ الصَّابِرِينَ﴾ عباد الله:إن إقامة السلطان وولي الأمر من الواجبات الدينية، ومما لا تتم مصالح الناس الدينية والدنيوية إلا به، فعن عمر رضي الله عنه: إنه لا إسلام إلا بجماعة، ولا جماعة إلا بإمارة، ولا إمارة إلا بطاعة.

وقال علي بن أبي طالب رضي الله عنه: "لا بد للناس من أمير؛ بَرٍّ أو فاجر، يعمل فيه المؤمن، ويستمتع فيه الكافر، ويبلغ الله فيها الأجل" رواه البيهقي، ويقال: ستون سنة من إمام جائر أصلح من ليلة واحدة بلا سلطان . وفي الحديث: «إذا خرج ثلاثة في سفر فليؤمروا أحدهم».

قال الحسن البصري: "والله لا يستقيم الدين إلا بهم وإن جاروا وظلموا، والله لما يصلح الله بهم أكثر مما يفسدون".

 أيها المسلمون: من المعلوم أن الطاعة للولاة في طاعة الله، فإن جاروا وظلموا فإن الله قد أكمل لنا الدين، وأتم علينا النعمة، وعلمنا كيف نتعامل مع جورهم وظلمهم، فعن سلمة بن يزيد الجعفي رضي الله عنه أنه سأل رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: يا نبي الله أرأيت إن قامت علينا أمراء يسألون حقهم، ويمنعونا حقنا، فما تأمرنا؟ فأعرض عنه، ثم سأله فأعرض عنه، ثم سأله الثالثة، فجذبه الأشعث بن قيسٍ، فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: «اسمعوا وأطيعوا، فإنما عليهم ما حُمِّلوا وعليكم ما حُمِّلتم» رواه مسلم، قال أبو الدرداء رضي الله عنه: إياكم ولعن الولاة، فإنَّ لعنهم الحالقة، وبغضهم العاقرة" قيل: يا أبا الدرداء، فكيف نصنع إذا رأينا منهم ما لا نحب؟ قال: "اصبروا، فإن الله إذا رأى ذلك منهم حبسهم عنكم بالموت"

عباد الله: في أثناء الفتن العظيمة، تحار العقول، وتطيش الأحلام، وتعظم المصيبة، وينطق الرويبضة، ويتسلق المتطفلون على هامات العلماء، وفي هذه الأيام التي تتوالى فيها النكبات على أمة الإسلام، يخرج الناس في مظاهرات صاخبة، غاضبة منددة، بما يجري هنا وهناك، مطالبة بما نهب منها من الحقوق، شاكية ظلم الولاة، وجور السلطان، فهل لهذا الأمر أصل في الشرع ؟

فيقال: أول من قام بهذه المظاهرات هم الخوارج يوم أن خرجوا على عثمان رضي الله عنه، وهي سنة الكفار اليوم وأدعياء الديمقراطية، وقد أغنانا الله عنهم بالإسلام الذي هو خير كله، فلسنا في حاجة إلى ديمقراطية الغرب ولا إلى اشتراكية الشرق، ولسنا بحاجة في إنكار المنكر إلى سلوك سبيلهم في تلك المظاهرات، والمطالع لتاريخ العلماء يجد أنهم كانوا ينصحون الحكام ويتكلمون بالحق لا يخافون في الله لومة لائم دون أن يحدثوا فتنة أو مظاهرة، ولا يثبت أن أحدهم قاد مظاهرة مطالباً بحق من الحقوق، وقد قال تعالى: ﴿وَمَنْ يُشَاقِقْ الرَّسُولَ مِنْ بَعْدِ مَا تَبَيَّنَ لَهُ الْهُدَى وَيَتَّبِعْ غَيْرَ سَبِيلِ الْمُؤْمِنِينَ نُوَلِّهِ مَا تَوَلَّى وَنُصْلِهِ جَهَنَّمَ وَسَاءَتْ مَصِيراً﴾.

ولقد سئل الشيخ عبد العزيز بن باز رحمه الله: هل المظاهرات والاعتصامات من الجهاد ؟ فأجاب: لا، هذا غلط، هذا غلط، هذه فتنة، وهذا شر ما يصلح، وسئل هل المظاهرات الرجالية والنسائية ضد الحكام والولاة تعتبر وسيلة من وسائل الدعوة ؟ فأجاب: لا أرى المظاهرات الرجالية والنسائية من العلاج، ولكن أرى أنها من أسباب الفتن، ومن أسباب الشرور، ومن أسباب ظلم بعض الناس والتعدي على بعض الناس بغير حق، وقال الشيخ محمد بن عثيمين رحمه الله: الواجب علينا أن ننصح بقدر المستطاع، أما أن نظهر المبارزة والاحتجاجات علناً، فهذا خلاف منهج هدي السلف.

عباد الله: عندما نحذر من المظاهرات ونبين حكم الله فيها، ليس معنى ذلك أنْ يكونَ البديلُ هو الظلمُ والاستبدادُ، أو الرضا بالفساد، بل المقصود هو بيان المنهج الشرعي في التعاطي مع مثل هذه الأحداث، والخروج من تلك المآزق والفتن، فلنسع لرفع الجور ودفع الظلم واسترداد الحقوق ولكن بشرع الله، وبهدي مصطفاه، لا باستحسانات العقول، وشعارات الأحزاب. وقول البعض هذه مظاهرات سلمية، فيقال وهل السلمية شرعية، ولقد علمتنا الشواهد الحالية بأن نهاية المظاهرات السلمية المزعومة، دمار وخراب ديار، وهدم اقتصاد وإخلال بالأمن، وخدمة للأعداء.

عباد الله: حاسبوا أنفسكم، واتهموها بالتقصير، فإن تسليط الولاة بسبب معاصي العباد، وقد قيل كما تكونوا يول عليكم وخير من ذلك قول الله تعالى ﴿وَكَذَلِكَ نُوَلِّي بَعْضَ الظَّالِمِينَ بَعْضاً بِمَا كَانُوا يَكْسِبُونَ﴾ وقد قال عليه الصلاة والسلام: «وما بخس قوم المكيال والميزان إلا أخذوا بالسنين وشدة المئونة وجور السلطان عليهم» فاللهم .....................................

لا للمظاهرات - الخطبة الثانية

 

الحمد لله

أيُّها المسلِمون، بلادُنا محسُودَة، وبالأذى مَقصُودَة، وأعداءُ الأمّة، لا يألون إقدامًا، ولا ينكِصون إحجامًا، في التَّخطيطِ لإشاعَة الفوضى، وإثارةِ البلبلة، وإذاعة السوءِ، وزَرع بذورِ الفُرقة والفتنة، ليُحكِموا السيطرة ويفرِضوا الهيمَنة، ولتكونَ أرضُ الإسلام بلادًا متناثرة، وطوائفَ مُتناحرة، وأحزابًا مُتصارِعة، يرددون كلماتهم المعروفة، نحن مظلومون، وأولادنا بغير حق مسجونون، ليس عندنا وظائف، ولا بيت نأوي إليه، قد أرهقنا الفقر، وتكالبت علينا صروف الدهر، والولاة في قصورهم منعمون، وبالأموال مستأثرون، ويتأثر بهذه الشعارات قوم مغبونون، ومن الفقر مقهورون، فهل هم مصيبون أم مخطئون ؟ تأملوا ما رواه البخاري ومسلم من حديث ابن مسعود رضي الله عنه، عن النبي صلى الله عليه وسلم قال: «ستكون أثرة وأمور تنكرونها، قالوا: يا رسول الله فما تأمرنا؟ قال: «تؤدون الحق الذي عليكم وتسألون الله الذي لكم»، أي: ولو مُنِعْنَا حُقُوقُنَا فالواجبُ الصَّبرُ، والواجب اعتزال الفتنة ففي صحيح مسلم عَنْ أَبِي بَكْرَةَ: قَالَ رَسُولُ اَللَّهِ -صلى الله عليه وسلم-: «إِنَّهَا سَتَكُونُ فِتَنٌ اَلْقَاعِدُ فِيهَا خَيْرٌ مِنْ اَلْمَاشِي فيها، وَالْمَاشِي فِيهَا خَيْرٌ مِنْ اَلسَّاعِي إِلَيْهَا. أَلا إِذَا نَزَلَتْ، أَوْ وَقَعَتْ، فَمَنْ كَانَ لَهُ إِبِلٌ، فَلْيَلْحَقْ بِإِبِلِهِ، وَمَنْ كَانَتْ لَهُ غَنَمٌ فَلْيَلْحَقْ بِغَنَمِهِ، وَمَنْ كَانَتْ لَهُ أَرْضٌ، فَلْيَلْحَقْ بِأَرْضِه. فَقَالَ رَجُل:ٌ يَا رَسُولَ اَللَّهِ، أَرَأَيْتَ مَنْ لَمْ يَكُنْ لَهُ إِبِلٌ، وَلا غَنَمٌ، وَلا أَرْضٌ؟ قَالَ: يَعْمِدُ إِلَى سَيْفِهِ فَيَدُقُّ عَلَى حده بِحَجَرٍ، ثُمَّ لِيَنْجُ إِنْ اِسْتَطَاعَ اَلنَّجَاةَ. اَللَّهُمَّ هل بَلَّغْتُ، اَللَّهُمَّ هَلْ بَلَّغْتُ، اَللَّهُمَّ هَلْ بَلَّغْت !! فَقَالَ رَجُلٌ: يَا رَسُولَ اَللَّه، أَرَأَيْتَ إِنْ أُكْرِهْتُ حَتَّى يُنْطَلَق بِي إِلَى أَحَدِ اَلصَّفَّيْنِ، أَوْ إِحْدَى اَلْفِئَتَيْنِ، فَضَربَنِي رَجُلٌ بِسَيْفِهِ، أَوْ يَجِيءُ سَهْمٌ فَيَقْتُلُنِي؟ قَالَ: يَبُوءُ بِإِثْمِهِ وَإِثْمِكَ، وَيَكُونَ مِنْ أَصْحَابِ اَلنَّارِ».

وعلى المسلم في حال الفتن لزوم البيوت، فقد قال عليه الصلاة والسلام: «إن بين أيديكم فتنا كقطع الليل المظلم»، إلى أن قال: «قالوا: فما تأمرنا ؟ قال: كونوا أحلاس بيوتكم» فيا أيها المتظاهرون هل أنتم أعلم من الله بما يصلح عباده، أم أنكم أغير من الله على حدوده.

أيها المسلمون: إن المتأمل بعين البصيرة يجد أن المستفيد الأكبر من هذه المظاهرات، هم الرافضة ولاشك، تأملوا انتشار فكرهم وحسينياتهم بعد الربيع العربي في العراق وتونس وفي مصر واليمن، وكيف أسقطوا حكامها، لكنهم لا يريدون ذلك في سوريا، طهرها الله من رجسهم.

فعلى كل مسلم غيور على دينه أن يتقي الله في هذه البلاد وأهلها، ودينها وعقيدتها، وليسع للحفاظ على أمنها واستقرارها، وعلى الدعاة المؤثرين أن يكون لهم وقفة حازمة، وكلمة جازمة، ظاهرة واضحة لبيان هذا الأمر والتحذير من خطورته.

عباد الله: احفظوا أمنَكم ووحدَتَكم، وصُونوا أوطانَكم واستقراركم، وابتعِدوا عن مواطن الغوائِل، وآثِروا السّلامة عند الفتن والنّوازل، واسلكوا المسالك الرشيدةَ، وقِفوا المواقفَ السّديدة، وراعُوا المصالح، وانظُروا في المناجِح، واحقِنوا الدّماء في أُهبها، وأوأدوا الفتنة في مهدها.