السفر للخارج

السفر إلى الخارج الجمعة : 9/3/1422هـ ( 15 )

إن الحمد لله .

فإن من الأمور الخطيرة ، والأمراض الفتاكة ، داء بدأ ينتشر في مجتمعنا وللأسف ، ودب في أوساطنا ويا للفاجعة.

الغني والفقير ، القادر والضعيف ، كل بحسبه ، يرضخ أحدنا تحت ضغوط النساء والأبناء ، . كل الناس يسافرون ، ونحن من بينهم محرمون . جارنا أقل منا مالاً ، وأضعف منا جاهاً ، ومع ذلك يسافرون . وتبدأ الخطوة الأولى ، برحلة إلى العمرة ، ويا حبذا هذه الرحلة ، والثانية إلى المدينة النبوية - ويالها من فرصة ، وأكرم به من سفر ، والثالثة إلى أحد مصايفنا ، حيث الجو البارد ، والهواء اللطيف ، وحيث متعة الأبناء ، بما هو متوفر من أجواء اللهو والتسلية ، ثم تنجر القدم إلى الأمر الخطير ويبدأ الإنسان في تبريرهذا التصرف ، الأسعار هنا مرتفعة ، والأماكن أصبحت مألوفة ، والمناظر أصبحت متكررة ، ولا بد من التجديد . إلى أين الوجهة يا ترى ، ويأتي الشيطان يلبس الحق بالباطل : إلى بلد عربي قريب ، أرخص أسعاراً وأجمل عقاراً ، وأنقى هواءً ، كل ما تريد متوفر ، وشركات السياحة تتكفل بالحجز ، وما عليك إلا إخراج جواز السفر وربط الأحزمة ، ﴿وَيُرِيدُ الَّذِينَ يَتَّبِعُونَ الشَّهَوَاتِ أَن تَمِيلُوا مَيْلاً عَظِيمًا﴾ ويا ليت الأمر يتوقف على سفره وحده ، مع ما فيه من الخطر العظيم ، ويعظم الخطب ، وتكبر الفاجعة ، إذا وطأت قدم بنت الجزيرة مكان التصوير ، تعظم المصيبة ، عندما تأتي بنت فلان العفيفة الشريفة ، طالما رباها أبوها على العفاف ، كانت درة مصونة ، وجوهرة مكنونة ، يتقدمها زوجها بكل رضى إلى مكان التصوير ، فتنزع خمارها ، وتلقي حجابها ، ذلك الحجاب الذي طالما سترها عن الرجال ، وذلك الجلباب الذي طالما تمسكت به ، كانت مستعدة قبل ذلك لأن تقدم حياتها رخيصة ولا يراها الرجال ، الحياء يمنعها ، والدين يوجهها ، والإسلام يقودها ، والمجتمع يساندها ، تلقيه اليوم بكل طواعيه ، وتكشف وجهها للمرة الأولى ، ومع هذا التصرف ، تبدأ الخطوة الأولى لنزع الحياء ، لا تقل الأمر يسير ، وأنت في هذا متشدد والأمر غير خطير، فكل الناس يسافرون ، وما علمنا أنهم في الرذيلة يقعون ، والسفر مباح ، فلماذا كل هذا الصياح ؟ يا مدافعاً عن خطئة ، يا أسيراً لهواه ، يا عبداً لشهوته ، والله لو تجردت للحق ، وسألت نفسك سؤال صدق . لقلت : سياحة أمتي الجهاد في سبيل لله . تذهب للسياحة فا تحاً – لا مقهوراً . تذهب للسياحة مجاهداً – لا ذليلاً ، تذهب للسياحة مؤثراً لا متأثراً ، تذهب للسياحة داعياً لا مدعواً ، تذهب للسياحة قائداً لا مقوداً ، تذهب للسياحة رافع الرأس لا حقيراً ، تذهب للسياحة مظهراً لدينك لا متخفياً ، أين غيرتك يوم ألقت حجابها ، أين رجولتك يوم نزعت جلبابها ، أين شهامتك يوم رآها المصور ، أين شميتك يوم نظر إليها موظف الجوازات ، أماتت الغيرة أم أصاب العين العمى ، أقتل الحياء أم علاه الغبار ، أكل هذا من أجل السفر ، أكل هذا من أجل النزهة ، أكل هذا من أجل السياحة ، قاتل الله السياحة ، قال صلى الله عليه وسلم « أتعجبون من غيرة سعد ، والله لأنا أغير ، منه والله أغير مني » وتصل إلى البلد المراد بأسرتك وأبنائك لا تدري ما يفعله ذلك في نفوسهم - ولا تعلم ما سينعكس على تصرفاتهم ، لا تتصور خطر ما أقدمت عليه على دينهم ، تتنقل بهم في أسواق ما ألفوها ، تتحرك بهم إلى مهرجانات ما عرفوها ، يشاركون في مسابقات ما رأوها ، يرون طبائع وأخلاق ما جربوها ، يطلعون على ديانات ، ويمارسون بعض العادات ، ويشاهدون شيئاً من الحضارات ، وإن شئت فقل الحضيرات ، تبرج وسفور ، ونساء وخمور ، واختلاط وهمجية ، مسرحيات وغناء ، سحر ودجل ، أندية وبارات ، عروض وشعارات .

ثم يعود الابن والبنت بتذمر من وضع هذا المجتمع - لماذا لا تكون مثل المجتمع الفلاني ، وما هذا الدين الذي يقيدنا ، وما هذه النظم التي تأسرنا ، كبت للحريات ، وتدخل في الخصوصيات . لماذا كل هذا الحياء ، لماذا الحجاب والحشمة ، لماذا تغطية الوجه ، لماذا لانقود السيارات ، لماذا لا نقيم علاقات، لماذا - لماذا - لماذا ، أسئلة تدور في ذهن ابنك وبنتك ، أنت الذي سببتها ، وبمالك وفرتها ، ربما لا يجرؤ على طرحها عليك ، لكنها في ذهنه تدور ، ويتحين فرصتها للظهور .

ثم يتكرر هذا السفر إلى بلد عربي قريب ، وبعد فترة يصبح هذا البلد مألوفاً ، ويذكر بلد غربي كافر ، أو شرقي ملحد ، أرخص أسعاراً ، وأقل كلفة ، يتوجه إليه هذا المسكين بأسرته وأولاده ، وقد ألف السفر ، وأدمن السياحة، ونسي أو تناسى

ما رواه الترمذي عن جرير عن رسول الله صلى الله عليه وسلم أنه قال « أنا بريء من كل مسلم يقيم بين أظهر المشركين». فكيف بمن يؤاكلهم ، ويدخل في نواديهم ، ويدعم اقتصادهم ، ويدعوا غيره للسياحة عندهم .

اللهم ردنا إليك رداً جميلاً ، أقول ما تسمعون …

الخطبة الثانية:

فقد يتساءل البعض وحق له ذلك ، فكيف تقضى الإجازة إذاً ؟ ولا بد من مسايرة الواقع ، والترفيه عن الأبناء بعد عناء الاختبارات ، والوقت طويل ، والفراغ قاتل ، وقديماً قيل :

إن الشباب والفراغ والجدة مفسدة للمرء أي مفسدة

ولا بد من إشغال الأبناء . فأقول : يا أمة الإسلام ، نحن أمة لها خصوصيتها فلا تقبل التقليد ، لها مبادئها فلا ترضى التنازل ، لها ثوابتها فلا تركض وراء المتغيرات ، لنا عقيدة سامية ، ديننا كامل في مبناه ، سام في معناه ، لا يقبل الله ديناً سواه . نحن أمة تتبع ولا تتبع ، أمة تقود ولا تقاد ، أمة تسود ولا تساد ، لاتهدر أوقاتها في اللهو واللعب ، ولا تضيع أنفاسها في الملاهي والغناء ، ولا تضيع أموالها في الميسر والقمار . فإذا تقرر هذا فإليك بعض البرامج المقترحة لقضاء الإجازة الصيفية .

في حفظ كتاب الله أو أجزاء منه ، فكم من عبد صالح أعد العدة لهذا الأمر العظيم .

وكم من موفق سيقضيها في حفظ كتب أهل العلم الموثوقين ، يرفع الجهل عن نفسه ، ويحتسب الأجر في تعليمه للناس ، لعلمه بفضل العلم ، والسعي في تحصيله

كم من عبد صالح رتب أموره في هذه الإجازة لحضور الدورات العلمية المكثفة ، التي تقام في عدد من المساجد ولله الحمد ومنها هذا الجامع المبارك .

ومن المقترحات ، أن تقيم مسابقات مختلفة لأبنائك في المنزل كحفظ سور من القرآن ، أو شيء من الأذكار ، وتوفر لها المراجع ، وترصد عليها الجوائز ، يتسابق عليها أبناؤك ، فتنفعهم وتحميهم ، ويستغلون أوقاتهم في خير وبر ، وكمشاركتهم في حل المسابقات التي تعقد في بعض المساجد ، ودور تحفيظ القرآن النسائية ، مع شيء من الترفيه المباح ، كنزهة برية ، أو رحلة خلوية .

وكم من عبد صالح سيقضي هذه الإجازة ، في صلة رحم ، وزيارة قريب ، وإحسان إلى فقير ، في إغاثة ملهوف ، وإعانة مكروب .

وكم من عبد صالح جهز أسرته ، وحزم حقائبه لأداء عمرة ، أو زيارة لمسجد رسول الله صلى الله عليه وسلم ، يبتغي الأجر والمثوبة ، ويغرس في نفوس أبنائه حب هذه البقاع ، والتقرب إلى الله بهذه الطاعات ، مع حرصه على أبنائه ، والتنبه لما قد يقع من المخالفات .

ومن الأمور التي يمكن الاستفادة منها في هذه الإجازة ، حلقات تحفيظ القرآن للرجال والنساء ، فكم فيها من الخير العظيم ، والنفع العميم . فبادر بتسجيل أبنائك وبناتك ، بل ونسائك في هذه الحلقات .

أيها الناس : إننا نرى في واقعنا بعض الناس ، الذين وفقهم الله لطاعته ، فهم يتقلبون في محاب الله ، صلاة وصيام ، وذكر ودعاء ، استغلال للأوقات ، ومسارعة للخيرات ، ومسابقة إلى الطاعات ، مؤتمرين بأوامر الله ، منتهين عن نواهيه ، علموا قيمة الأوقات ، فشغلوها بالعبادات ، ليس في حياتهم إجازات ﴿قُلْ إِنَّ صَلاَتِي وَنُسُكِي وَمَحْيَايَ وَمَمَاتِي للهِ رَبِّ الْعَالَمِينَ ﴾ ﴿ وَاعْبُدْ رَبَّكَ حَتَّى يَأْتِيَكَ الْيَقِينُ