عظمة الله

عظمة الله - الخطبة الأولى

 

لا إله إلا الله يفعل ما يشاء، و يحكم ما يريد، هو أحق من ذكر، وأحق من شكر، وأحق من حمد، وأحق من عبد، وأرأف من ملك، وأجود من سئل، وأوسع من أعطى، وأكرم من قصد، فهو سبحانه وتعالى الملك فلا شريك له، والأحد فلا ند له، لن يطاع إلا بإذنه، ولن يعصى إلا بعلمه، يطاع فيشكر، ويُعصى فيغفر،القلوب له مفضية، والسر عنده علانية، وأفعاله سبحانه جارية في خلقه كل يوم هو في شأن، يغني فقيراً، ويجبر كسيراً، ويعطي قوماً، ويمنع آخرين، قال عليه الصلاة والسلام في الحديث القدسي «يا عبادي إنكم لن تبلغوا ضري فتضروني، ولن تبلغوا نفعي فتنفعوني، يا عبادي لو أن أولكم وآخركم، وإنسكم وجنكم كانوا على أتقى قلب رجل واحد منكم ما زاد ذلك في ملكي شيئاً، يا عبادي لو أن أولكم وآخركم، وإنسكم وجنكم كانوا على أفجر قلب رجل واحد ما نقص ذلك من ملكي شيئاً، يا عبادي لو أن أولكم وآخركم، وإنسكم وجنكم قاموا في صعيد واحد فسألوني، فأعطيت كل إنسان مسألته ما نقص ذلك مما عندي إلا كما ينقص المخيط إذا أدخل البحر، يا عبادي إنما هي أعمالكم أحصيها لكم، ثم أوفيكم إياها، فمن وجد خيراً فليحمد الله، ومن وجد غير ذلك فلا يلومن إلا نفسه» رواه مسلم

فلا معقب لحكمه، ولا يعترض عليه أحد، لا يحاسب على أفعاله والخلق  يحاسبون، لا يؤاخذ على أفعاله وهم يؤاخذون ﴿لا يُسْأَلُ عَمَّا يَفْعَلُ وَهُمْ يُسْأَلُونَ﴾ لا يُسأل عما يحكم في عباده ؛ لأنه مالكهم وسيدهم وربهم، ﴿إِنَّ اللَّهَ يَفْعَلُ مَا يُرِيدُ﴾ أفعاله سبحانه دائرة بين الفضل والعدل، فما من تقدير في هذه الحياة إلا داخل ضمن فضله وعدله، فرحمته بالمؤمنين فضل، وتعذيبه للعاصين عدل، أفعاله تعالى صادرة عن حكمته.

عباد الله : الله يعلم ما كان وما سيكون ، وما لم يكن لو كان كيف يكون ، قبل أن يخلق الخلق، قضى بحكمته أنه لا يحاسب العباد على ما سيفعلونه قبل أن يفعلوه، لأن الله يريد أن لا تكون للناس حجة، ولذلك أرسل الرسل، وأنزل الكتب، وبيّن وشرع، أمر العلماء والدعاة بالبلاغ.

وكثير من الناس أفعالهم فيها ظلم واعتداء وجبروت، كما تراه في طغيان هذه الأمم الظالمة اليوم، يغزون ويحتلون ويقتلون ، لا لينشروا عدلاً، ولا رحمة ولا فضلاً، وكثيراً ما يخطئون في الحسابات، فيريدون شيئا ويحصل خلاف ما يريدون، وهذا يدل على سعة علمه سبحانه، وهم لا يعلمون، وعلى حكمته عز وجل وهم يعبثون، وعلى فضله وعدله وهم يظلمون. فكثيراً ما يؤدي علم الماديات إلى الطغيان ، فكلما زاد أطغى، والعلم بالكتاب والسنة يقود إلى الإيمان، كلما زاد كان أخشع لصاحبه وأتقى، خوف العبد من الله على قدر علمه بالله، فكلما كان العبد لله أعرف كان منه أخوف ، هؤلاء أصحاب التقدم التقني، وأصحاب المدنية الحديثة هل استطاعوا أن يخلقوا ذبابة؟ هل استطاعوا أن يخلقوا شيئاً فيه روح ؟ تحداهم الله فقال: ﴿إِنَّ الَّذِينَ تَدْعُونَ مِنْ دُونِ اللَّهِ لَنْ يَخْلُقُوا ذُبَاباً وَلَوْ اجْتَمَعُوا لَهُ وَإِنْ يَسْلُبْهُمْ الذُّبَابُ شَيْئاً لا يَسْتَنقِذُوهُ مِنْهُ ضَعُفَ الطَّالِبُ وَالْمَطْلُوبُ﴾  وتأملوا قول الله: ﴿قَالَ إِبْرَاهِيمُ فَإِنَّ اللَّهَ يَأْتِي بِالشَّمْسِ مِنْ الْمَشْرِقِ فَأْتِ بِهَا مِنْ الْمَغْرِبِ فَبُهِتَ الَّذِي كَفَرَ وَاللَّهُ لا يَهْدِي الْقَوْمَ الظَّالِمِينَ﴾ ﴿هَذَا خَلْقُ اللَّهِ فَأَرُونِي مَاذَا خَلَقَ الَّذِينَ مِنْ دُونِهِ بَلْ الظَّالِمُونَ فِي ضَلالٍ مُبِينٍ﴾  اللهم ...................

عظمة الله - الخطبة الثانية

 

الحمد لله:

تجلى الله لعباده بأفعاله، وأسمائه وصفاته ، فخضعت له الأعناق، وخشعت له الأصوات، نفذ حبه في قلوب من شاء من عباده ، فيصبح فارغاً إلا من محبته.

عباد الله ربنا جل في علاه ، السماء بناها، والجبال أرساها، والأرض دحاها؛ فأخرج منها ماءها ومرعاها، المريض وقد يُئس منه من عافاه؟ والصحيح من بالمنايا رماه؟ البصير من بالحفرة أهواه؟ والأعمى في الزحام من يقود خطاه؟ الجنين في ظلمات ثلاث من يرعاه؟ والوليد من أبكاه؟ والثعبان من أحياه والسم يملأ فاه؟ الشهد من حلاه؟ واللبن من بين فرث ودم من صفاه؟ الهواء تحسه الأيدي ولا نراه من أخفاه؟ النبت في الصحراء من أرباه؟ البدر من أتمه وأسراه؟ النخل من شق نواه؟ والصخر من فجّر منه المياه؟ النهر من أجراه؟ والبحر من أطغاه؟ والليل من حاك دجاه؟ الطير في جو السماء من أمسكه ورعاه؟ وفي أوكاره من غذاه ونماه؟ المضطر من يجيبه؟ الملهوف من يغيثه؟ الضال من يهديه؟ الحيران من يرشده؟ العاري من يكسوه؟ الجائع من يشبعه؟ الكسير من يجبره؟ الفقير من يغنيه؟ إنه الله جل في علاه.

عباد الله : إننا في زمن كثرت فيه العاديات ، وتنوعت فيه الفتن المهلكات ، فمن فتنة الإلحاد ، إلى فتنة التكفير والغلو والخطف والمساومة، فئة تدعي الجهاد ، لكنها تخالف سبيل الرشاد ، وتسلك سبيل الغي والعناد، استحلت دماء المسلمين وأموالهم، وأنفسهم وأعراضهم ، تسلك في سبيل الوصول لأهدافها كل ممنوع ، بالقتل والتشريد ، بالخطف والتهديد، لكنها فئة بإذن الله مدحورة ، رد الله كيد الكائدين في نحورهم وكفانا الله شرورهم.

اللهم إنا نبرأ إليك من الشرك والكفر يا رب العالمين، أحيينا مسلمين، وتوفنا مؤمنين، وألحقنا بالصالحين غير خزايا ولا مفتونين، علمنا ما ينفعنا، وانفعنا بما علمتنا، وزدنا علماً يا عليم، اللهم اجعلنا نخشاك كأنا نراك، وأسعدنا بطاعتك وتقواك، اللهم استر عوراتنا، وآمن روعاتنا، وسع لنا في أرزاقنا، وبارك لنا في دورنا وأوطاننا، واحفظ بلدنا وبلاد المسلمين يا رب العالمين.