التحذير من الردة

التحذير من الردة - الخطبة الأولى

 

إنَّ المحافظةَ على حُرمةِ الإسلام، وصونَ المجتمَع المسلمِ، من أن تُخَلخِله البدع والخرافاتُ، والمعاصي والمخالفاتُ، وحمايتَه من أمواج الشرِّ الهائجةِ، وآثار الفِتن المائجة، وتحذيرَه مزالقَ السقوط، ودركات الهبوط، أصلٌ عظيم من أصولِ الشريعة، وركنٌ مَشيد من أركانها المنيعة، ولقد أكرمنا الله بهذا الدين، ورضيه لنا رب العالمين ، وأمرنا بالخضوع له ، والتسليم لأحكامه، والعمل بأوامره، والانتهاء عن نواهيه ﴿فَلا وَرَبِّكَ لا يُؤْمِنُونَ حَتَّى يُحَكِّمُوكَ فِيمَا شَجَرَ بَيْنَهُمْ ثُمَّ لا يَجِدُوا فِي أَنفُسِهِمْ حَرَجاً مِمَّا قَضَيْتَ وَيُسَلِّمُوا تَسْلِيماً﴾ وأمرنا أن لا نحكم عواطفنا ومشاعرنا وعقولنا في شرع الله بل لابد من الإذعان والتسليم ﴿وَمَا كَانَ لِمُؤْمِنٍ وَلا مُؤْمِنَةٍ إِذَا قَضَى اللَّهُ وَرَسُولُهُ أَمْراً أَنْ يَكُونَ لَهُمْ الْخِيَرَةُ مِنْ أَمْرِهِمْ وَمَنْ يَعْصِ اللَّهَ وَرَسُولَهُ فَقَدْ ضَلَّ ضَلالاً مُبِيناً﴾ ولقد سار على هذا النهج رسول الله صلى الله عليه وسلم  وصحابته والتابعون ،وتابعوهم ومن سار على نهجهم من عباد الله الصالحين.

أيّها المسلمون: لم يفتَأ أعداءُ الدّين من اليهودِ والنّصارى والملحِدين، ومَن سار في ركابهم مِن فُسّاق الملة المستغرِبين، يشنّون على أمّة الإسلام، حملاتٍ متلاحقةً، عبرَ وسائل وقنوات، غرَضها زعزعةُ عقيدةِ الأمّة، وتدميرُ أخلاقياتها، وطمسُ هويَّتها ، وتغييبُها عن رسالتها. فنحن في زمن خلفت فيه خلوف ، ونشأت فيه أجيال ، ترعرعت في بلاد الإسلام ، وتحدثت بلغة القرآن ، لكنها تشربت أفكار الكفار، وسارت على طريقهم ، منبهرة بحضارتهم، وأخذت تحقق أهداف الأعداء –علمت ذلك أو جهلت- وسُخرت لهؤلاء السقطة جلُّ وسائل الإعلام ، وأتيحت لهم الأقلام ، لتنال من دين الإسلام ، وتهز ثوابته في نفوس أتباعه ، فبدؤوا بالطعن في رجال الحسبة ، والتنقصِ من أعمالهم ، وتضخيمِ أخطائهم اليسيرة ، فلم يجدوا ردعا ولا عقابا  ، فانسلت أقلامهم إلى الدعاة والصالحين ، مستهزئين بأشكالهم ، يتهمونهم بالتخلف والرجعية، والإرهاب والظلامية ، فلم يردعوا ، ثم بدؤوا بالتشكيك في شرائع الإسلام ، بلي أعناق النصوص الشرعية، والتشكيك في مناسبة أحكامها  لهذا الزمن ، فشنوا الهجوم على الحجاب ، ودعوا علانية إلى الاختلاط ، وأبرزوا من مدعي العلم ، ومحبي الظهور ، ممن يظهر عليهم الصلاح ، من أخذ يظهر الأقوال الشاذة ،  ويخالف الأدلة الصريحة الواضحة ، بحجة حرية الرأي ، وبعد ذلك تطاولوا على العلماء الكبار، عبر الصحف والقنوات، فحطوا من أقدارهم ، واتهموهم بالجمود ، فلم يجدوا ردعا ولا عقابا ، فوصلوا إلى نَقَلة العلم ومجددي الدعوة فنالوا من مجدد الدعوة السلفية الإمام محمد بن عبد الوهاب ولم يسلم شيخُ الإسلام ابن تيمية، وسائرُ الأئمة الأعلام ،من هجوم الأقزام ، حتى وصل الطعن في التابعين، ومن ثم الصحابة رضي الله عنهم أجمعين ، فلما لم يجدوا لفعلهم ردع ولا تقريع ، استساغوا السب والشتم، فتلفتوا من يشتمون؟ ومن يسبون؟ فكل الصالحين نالتهم الرماح ، وتذكروا أنه بقي هادي الأمة، ونورها وسيدها، بقي رسول الله عليه الصلاة والسلام، فوجهوا إليه السهام ، ورموه بالألسنة والأقلام ، عبر رسوماته وقنواتهم ، ثم اشرأبت أعناقهم بعد ذلك لله رب العالمين ، فسبوا الله وانتقصوه ، وشككوا في وجوده وشتموه ، وفي وجوب عبادته جل وعلا، فهذا كاتب يدعي الثقافة ، أساء الأدب مع النبي صلى الله عليه وآله وسلم، وصرح بكراهية ما جاء به الرسول صلى الله عليه وسلم، فلا إله إلا الله ، ولا نعبد إلا إياه ، أيسب رب العالمين في بلاد التوحيد ، كيف يتجرأ صعلوك ماكر ، على مثل ذلك ﴿كَبُرَتْ كَلِمَةً تَخْرُجُ مِنْ أَفْوَاهِهِمْ إِنْ يَقُولُونَ إِلاَّ كَذِباً﴾ ولا إله إلا الله كيف يقول ذلك، ومولاه يسمعه ويراه ، وكيف يجرؤ على هذا، والمنتقم مطلع عليه ، كيف يقول ذلك والجبار قادر عليه ، قال الله عز وجل ﴿إِنَّ الَّذِينَ يُؤْذُونَ اللَّهَ وَرَسُولَهُ لَعَنَهُمْ اللَّهُ فِي الدُّنْيَا وَالآخِرَةِ وَأَعَدَّ لَهُمْ عَذَابًا مُهِينًا﴾ وقال صلى الله عليه وسلم: «إن الله ليملي للظالم حتى إذا أخذه لم يفلته قال : ثم قرأ ﴿وَكَذَلِكَ أَخْذُ رَبِّكَ إِذَا أَخَذَ الْقُرَى وَهِيَ ظَالِمَةٌ إِنَّ أَخْذَهُ أَلِيمٌ شَدِيدٌ﴾» متفق عليه ، وعذر هذا الصعلوك حرية الرأي ، والانفتاح وعدم الجمود ، فهل يستطيع أن يشتم السامية وهي عرق اليهود، أو يشكك في النصرانية ؟ لا يستطيع ذلك ولا ريب، لأنهم أرباب نعمته، والموجهون لأفكاره. ولا ريب أن الاستهزاء بالله ورسوله وبآياته وبشرعه وأحكامه من أعظم أنواع الكفر وهو ردة عن دين الله ، قال الله عز وجل ﴿وَلَئِنْ سَأَلْتَهُمْ لَيَقُولُنَّ إِنَّمَا كُنَّا نَخُوضُ وَنَلْعَبُ قُلْ أَبِاللَّهِ وَآيَاتِهِ وَرَسُولِهِ كُنتُمْ تَسْتَهْزِئُونَ (65) لا تَعْتَذِرُوا قَدْ كَفَرْتُمْ بَعْدَ إِيمَانِكُمْ﴾ اللهم ...............

التحذير من الردة - الخطبة الثانية

 

الحمد لله:

الردة: حكم شرعي، حكم الله به على من كفر بعد إسلامه طواعيةً، بنطق أو اعتقاد، أو فعل أو شك، ولو كان هازلاً. والمرتد له حكم في الدنيا وله حكم في الآخرة. أما حكمه في الدنيا فقد بينه رسول الله صلى الله عليه وسلم بقوله: «من بدل دينه فاقتلوه» رواه البخاري. وقد أجمع العلماء على ذلك ، قال ابن قدامة رحمه الله: "من ارتد عن الإسلام من الرجال والنساء وكان بالغاً عاقلاً، دعي إليه ثلاثة أيام وضيق عليه، فإن رجع فبها ونعمت، وإلا قتل".

وأما حكمه في الآخرة فقد بينه الله تعالى بقوله: ﴿وَمَنْ يَرْتَدِدْ مِنْكُمْ عَنْ دِينِهِ فَيَمُتْ وَهُوَ كَافِرٌ فَأُوْلَئِكَ حَبِطَتْ أَعْمَالُهُمْ فِي الدُّنْيَا وَالآخِرَةِ وَأُوْلَئِكَ أَصْحَابُ النَّارِ هُمْ فِيهَا خَالِدُونَ

أيها المسلمون: احذروا من فلتات اللسان ، وإياكم وتحكيم العقول في الصحيح المنقول ، واعلموا أن الإنسان يدخل الإسلام بقول لا إله إلا الله ، وقد يخرج منه بكلمة ، قال الإمام عبد العزيز بن باز رحمه الله: من قال إنه يؤمن بعقله فقط دون الشرع فإنه يُبين له أن هذا كفر، فإن أصر على مقالته فهو كافر مرتد عن الإسلام، يستتاب من جهة ولاة الأمر فإن تاب وإلاّ قتل مرتداً

وقال محمد بن عبد الوهاب في نواقض الإسلام: "السادس: من استهزأ بشيء من دين الرسول صلى الله عليه وسلم أو ثوابه أو عقابه كفر، لا فرق بين الجاد والهازل والخائف إلا المكره"، وجاء في فتاوى اللجنة الدائمة: "من استهزأ ببعض المستحبات كالسواك والقميص الذي لا يتجاوز نصف الساق والقبض في الصلاة ونحوها مما ثبت من السنن فحكمه أنه يبين له مشروعية ذلك وأن السنة دلت على ذلك، فإذا أصر على الاستهزاء بالسنن الثابتة كفر بذلك"،

عباد الله : أمر تنفيذ حكم الردة ليس لآحاد الناس ، وإنما للقضاة والمحاكم وولاة الأمر ، وغيرة المجتمع على دينه أمر محمود ، لكن هذه الغيرة يجب أن تضبط بضوابط الشرع ، وإنكار المنكر يجب أن يكون بالشرع ، لا بالاستحسان ، والعواطف الجياشة ، فالعلماء بحمد الله متوافرون ، فاسأل عن ما أشكل عليك ، وإياك أن تغلبك العواطف ويأخذك الحماس ، وترتكب عملا مخالفا للشرع . فاللهم ارزقنا الفقه في الدين ..............