خطبة عيد الأضحى 1432هـ

خطبة عيد الأضحى 1432هـ - الخطبة الأولى

 

أمّا بعد: فهنيئًا لكم عيدُ الأضحى المبارك ، هنيئًا لكم يومُ الحج الأكبر، هنيئًا لكم يومُ الجمع الأعظم، يومٌ يُهراق فيه الدم، ويُلقَى فيه التَّفَث، الحجيج في البِطاحِ المُقدَّسة تبتهل وتتضرع، وتُنادي ربها وتخشَع، قد طمِعَت في رحمته وغفرانه، وكرمه ورضوانه.

أيّها المسلمون: إلزموا التوحيد ، واعرفوا حق الله على العبيد، لا تُشركوا مع الله غيره، جلَّ وعزَّ أن يكونَ له شريكٌ أو نظير، أو والدٌ أو ولد ﴿قُلْ هُوَ اللَّهُ أَحَدٌ﴾ يعلم خائنة الأعين وما تخفي الصدور، علم ما في الضمير، ولا يغيب عنه الفتيل والقطمير ﴿لَيْسَ كَمِثْلِهِ شَيْءٌ وَهُوَ السَّمِيعُ البَصِيرُ﴾ يبدئ ويعيد، وينشئ ويبيد، وهو فعّال لما يريد، لم يخلق الخلق سُدى، ولم يتخذ من المضلين عضدًا.

فسبحان من لا تقع قطرة، ولا تسقط ورقة، ولا تُقال كلمة، ولا تطلق نظرة، ولا تُمشى خطوة، ولا تُسكب دمعة ، ولا يخطّ حرف إلا بعلمه ﴿وَعِندَهُ مَفَاتِحُ الغَيْبِ لاَ يَعْلَمُهَا إِلاَّ هُوَ وَيَعْلَمُ مَا فِي البَرِّ وَالْبَحْرِ وَمَا تَسْقُطُ مِن وَرَقَةٍ إِلاَّ يَعْلَمُهَا وَلاَ حَبَّةٍ فِي ظُلُمَاتِ الأَرْضِ وَلاَ رَطْبٍ وَلاَ يَابِسٍ إِلاَّ فِي كِتَابٍ مُّبِينٍ﴾ لا غالب لحكمه، ولا راد لقضائه، قاصم الجبابرة ، ومذل القياصرة، هزم جيوش ، وهدم عروش،أعز قوما، وأذل آخرين ﴿قُلِ اللَّهُمَّ مَالِكَ المُلْكِ تُؤْتِي المُلْكَ مَن تَشَاءُ وَتَنزِعُ المُلْكَ مِمَّن تَشَاءُ وَتُعِزُّ مَن تَشَاءُ وَتُذِلُّ مَن تَشَاءُ بِيَدِكَ الخَيْرُ إِنَّكَ عَلَى كُلِّ شَيْءٍ قَدِيرٌ﴾ فلا إله إلا الله ، ولا نعبد إلا إياه ، ولا نرجو سواه ، عظيم السلطان والجاه ، أفلح من دعاه ، وسعد من رجاه، يسقي ويطعم ، يقضي ويحكم ، ينسخ ويبرم ، يهين ويكرم ، يصل ويقطع ، يعطي ويمنع ، يخفض ويرفع ، يرى ويسمع ، ينصر ويقمع.

من انتصر به ما ذل ، ومن اهتدى بهداه ما ضل ، ومن اتقاه ما ذل ، ومن طلب غناه ما قل ، إذا أجدبت الأرض، ومات الزرع، وجف الضرع، وغار الماء، وقل الغذاء، واشتد البلاء. خرج المستغيثون فنادوا: اللهم أغثنا، إذا اشتد ألم المريض، وعجز الطبيب، وحار المداوي، فاتجه العليل، إلى العليّ الجليل. ونادى: يا اللهُ يا الله، زال الداء، ودب الشفاء. من تعلَّق بالله كفاه، ومن اعتمد عليه وقاه، ومن لجأ إليه حفِظَه وتولاَّه، فكيف يلجأ العبد عند مرضِه وبليَّته، إلى كذابين سحرةٍ ، وكهنةٍ مكَرة، ومُشعوذِين فَجرة ﴿وَإِن يَمْسَسْكَ اللَّهُ بِضُرٍّ فَلاَ كَاشِفَ لَهُ﴾ من أقبل إليه، تلقاه من بعيد، ومن أعرض عنه، ناداه من قريب، ومن ترك من أجله أعطاه فوق ما يريد، أهل ذكره هم أهل مجالسته، وأهل شكره هم أهل زيادته، وأهل طاعته هم أهل كرامته، وأهل معصيته لا يقنطهم من رحمته ﴿قُلْ يَاعِبَادِيَ الَّذِينَ أَسْرَفُوا عَلَى أَنفُسِهِمْ لاَ تَقْنَطُوا مِن رَّحْمَةِ اللَّهِ إِنَّ اللَّهَ يَغْفِرُ الذُّنُوبَ جَمِيعاً إِنَّهُ هُوَ الغَفُورُ الرَّحِيمُ﴾ فسبحانه ما أعظمه وأرحمه، سبقت رحمته غضبه، سبق عفوه عقوبته، لا أحد أصبر على أذى خلقه منه، تجرأ عليه اليهود فقالوا ﴿يَدُ اللَّهِ مَغْلُولَةٌ﴾ وقالت النصارى ﴿إِنَّ اللَّهَ ثَالِثُ ثَلاثَةٍ﴾ ومع ذلك دعاهم إلى التوبة فقال ﴿أَفَلاَ يَتُوبُونَ إِلَى اللَّهِ وَيَسْتَغْفِرُونَهُ وَاللَّهُ غَفُورٌ رَّحِيمٌ

فاتقوا الله عباد الله واعرفوا ربكم جل وعلا، وتعلموا معاني أسمائه وصفاته، فإن ذلك من أسباب الثبات على الحق حتى الممات. وتمسكوا بالوحيين، واعتصموا بالهديين، قال صلى الله عليه وسلم: «تركت فيكم أمرين لن تضلوا ما إن تمسكتم بهما : كتاب الله وسنتي» فلوذوا بالكتاب والسنّة، واعتصموا بهما، واحتَموا بهديهما، وافهموهما كما فهِمَهما سلف الأمة.

أيها المسلمون: حافظوا على الصلاة، فهي عمود الدين ، والفاصلة بين الكفار والمسلمين «العهد الذي بيننا وبينهم الصلاة فمن تركها فقد كفر» ، وأدُّوا زكاة أموالكم طيبةً بها نفوسكم، مُروا بالمعروف، وانهَوا عن المنكر،احذروا مولاة الكفار،والتشبه بهم ،فمن أحب قوما حشر معهم ﴿وَمَن يَتَوَلَّهُم مِّنكُمْ فَإِنَّهُ مِنْهُمْ﴾ إلزموا جماعة المسلمين وإمامهم ، وعليكم بالجماعة فإن يد الله مع الجماعة ومن شذ شذ في النار،واحذروا من دعاة الحرية والمظاهرات، ومدعي التغيير والإصلاحات، فسنن الله ثابتة فاعقلوها ، وكتب التاريخ بين أيديكم فاقرؤوها ، وتجارب الواقع بين أعينكم فتأملوها ﴿وَإِذَا قِيلَ لَهُمْ لاَ تُفْسِدُوا فِي الأَرْضِ قَالُوا إِنَّمَا نَحْنُ مُصْلِحُونَ﴾ ولا يزال المؤمن في فُسحةٍ من دينه ما لم يُصِب دمًا حرامًا، ولا يحلُّ لمسلمٍ أن يهجر أخاه فوق ثلاث؛ ولا يرمي رجلٌ رجلاً بالفسق أو الكفر إلا ارتدَّت عليه إن لم يكن صاحبه كذلك. وحُسن الخُلُق والجوار، يُعمِّران الديار، ويزيدان في الأعمار. ولا تقاطعوا، ولا تدابروا، ولا تباغضوا، ولا تحاسدوا، وكونوا عباد الله إخوانًا.

أحسنوا إلى الوالدين ، واحذروا عقوقها ﴿فَلاَ تَقُل لَّهُمَا أُفٍّ وَلاَ تَنْهَرْهُمَا وَقُل لَّهُمَا قَوْلاً كَرِيماً﴾ وصِلوا الرَّحِم، وعودوا المريض، وأطعِموا الجائعَ، وأعطوا الفقير، واحفظوا أولادكم، وأحسِنوا أدبهم وتربيتهم، غُضُّوا أبصاركم، واحفَظوا فُروجكم، واتقوا الدنيا، واتقوا النساء، والراشي والمُرتشي والساعي بينهما ملعونون على لسان رسول الله صلى الله عليه وسلم. ومن غشَّ المسلمين فليس منهم. اجتنبوا أكل الربا، وتجنبوا المسكرات والمخدرات. فإنها من شر البليات ، اللهم........

خطبة عيد الأضحى 1432هـ - الخطبة الثانية

 

الحمد لله

أمّا بعد: فاتقوا الله عز وجل الذي لا يخفى عليه شيءٌ من المقاصد والنوايا، ولا يستتر دونه شيءٌ من الضمائر والخفايا ﴿وَهُوَ مَعَكُمْ أَيْنَ مَا كُنتُمْ وَاللَّهُ بِمَا تَعْمَلُونَ بَصِيرٌ

عباد الله: المرأة في الإسلام شقيقةُ الرجال في إقامة الحياة على خيرِ حال، علاقتها به علاقةُ مودّةٍ ورحمة، وسَكَنٍ وطمأنينة، يقول صلى الله عليه وسلم في خطبة الوداع: «اتّقوا الله في النّساء، فإنّكم أخذتموهنّ بأمانة الله، واستحللتم فروجهنّ بكلمة الله» المرأة في غير الإسلام، لا تعدو أن تكونَ سلعة رخيصة يُتنافَس فيها بالبغي والعدوان، أو عاملاً لاهثًا ومنتِجًا راكضًا بلا رحمة ولا إحسان، أمّا المرأة في الإسلام فلها الشأنُ العظيم، حقوقها محفوظةٌ مُصَانة، تعيش كريمةً ، عُضوًا مشَرّفا، وعنصرًا فعّالا، في إقامة حياةٍ سعيدة، ومجتمع طاهر نزيه، تمارس مسؤولياتها وفقَ الحِشمة والآداب، لها ميادينها ومجالاتُها في الخير والعطاءِ، والبذل والفداء، مجتنبةً الويلاتِ التي يعاني منها المستسلِمات لصرخاتِ التحرير الكاذبة الماكرة، والدعوات الخادعة السافرة، وإنّه لحريٌّ بالمسلمين التمسّكُ بخصائصهم الدينيّة،أمامَ طغيان الثقافات الأخرى ومفاهيمها في قضية المرأة وغيرها، وذلك باختيار الهدي الإلهي، ومبادئ التشريع الرباني، وإظهار الاعتزاز بتلك الخصوصية، وتطبيقها والالتزام بها.

أيها المسلمون: الأضحية قُربةٌ جليلة، ونسيكةٌ عظيمة، ومَعلمٌ ظاهرٌ وشعيرة، لا ينبغي للمُوسِر تركها، فعن أبي هريرة رضي الله عنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: «من كان له سَعة ولم يُضحِّ فلا يقربنَّ مُصلاَّنا» أخرجه أحمد وابن ماجه.

ووقتُ الأضحية المعتبرَ من بعد صلاةِ العيد، والأفضلُ بعد انتهاء الخطبة، فقد ثبت عن النبيّ صلى الله عليه وسلم أنّه صلّى ثم خطب ثم نحر. ويستمرّ الذبحُ إلى آخر أيّام التشريق، يوم العيد وثلاثة أيام بعده.