فتنة المسيح الدجال

فتنة المسيح الدجال - الخطبة الأولى

فإن الله قد بعث نبيه محمداً صلى الله عليه وسلم بين يدي الساعة بشيراً ونذيراً،فحذر صلى الله عليه وسلم قرب قيام الساعة، في أحاديث كثيرة، وذكر من أشراطها وعلاماتها، حتى لكأنما تقوم غداً، ولقد تكاثرت النصوص من القرآن والسنة الصحيحة، في الدلالة على قرب الساعة ودنوها قال تعالى ﴿وَمَا يُدْرِيكَ لَعَلَّ السَّاعَةَ تَكُونُ قَرِيبًا﴾ وإن مما يدل على قرب وقوع العلامات الكبرى للساعة، وقوع أكثر العلامات الصغرى، كما أخبر النبي صلى الله عليه وسلم ومن ذلك تقارب الزمان والأسواق، وظهور الشرك في هذه الأمة، وظهور الفحش وقطيعة الرحم وسوء الجوار، وكثرة القتل وانتشار الزنا والربا، وظهور المعازف واستحلالها، وكثرة شرب الخمر واستحلاله، وزخرفة المساجد والتباهي بها، وكثرة الزلازل، وظهور الكاسيات العاريات، والتهاون بالسنن، وكثرة الكذب، وكثرة موت الفجأة، إلى غير ذلك من العلامات. وهي ولاشك إيذان بقرب وقوع العلامات الكبرى والتي من أعظمها فتنة، وأشدها خطراً، إنها فتنة المسيح الدجال، وما أدراك ما الدجال، منبع الكفر والضلال، وينبوع الفتن والأوجال ، قد أنذرت به الأنبياء قومها، وحذرت منه أممها، ونعتته بالنعوت الظاهرة، ووصفته بالأوصاف الباهرة،يقول صلى الله عليه وسلم: «ما كانت ولا تكون فتنة حتى تقوم الساعة أعظم من فتنة الدجال، وما من نبي إلا وحذر قومه الدجال». وعند مسلم من حديث النواس بن سمعان رضي الله عنه: أنه صلى الله عليه وسلم ذكر الدجال ذات غداة فخفض فيه ورفع حتى ظنناه في طائفة النخل، فلما جئنا إليه عرف ذلك فينا فقال: «ما شأنكم؟ قلنا يا رسول الله ذكرت الدجال غداة حتى ظنناه في طائفة النخل، فقال: غَيْرُ الدَّجَّالِ أَخْوَفُنِي عَلَيْكُمْ ، إن يخرج وأنا فيكم فأنا حجيجه دونكم، وإن يخرج ولست فيكم فامرؤ حجيج نفسه، والله خليفتي على كل مسلم» والدجال رجل من بني آدم عظيم الخلقة ، فإذا خرج عرفه المؤمنون بصفاته، التي أخبر بها النبي صلى الله عليه وسلم، ومنها أنه شاب أحمر قصير أفحج (متباعد مابين الساقين)، جعد الرأس، أجلى الجبهة، عريض النحر، ممسوخ العين اليمنى، وعينه اليسرى عليها لحمة غليظة، مكتوب بين عينيه كافر يقرؤه كل مسلم يكتب أولا يكتب ، وأما مكان خروجه ، فهو في جهة المشرق من خراسان من بلدة أصبهان ، كما عند أحمد من حديث أنس قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: «يخرج الدجال من يهودية أصبهان معه سبعون ألفاً من اليهود» وأصبهان بلد في المشرق بها حرة يقال لها: اليهودية، فإذا خرج منها الدجال لم يدع بلداً إلا دخله ما عدا مكة والمدينة، فإنهما محروستان منه، محرمتان عليه كما أخبر صلى الله عليه وسلم عن الدجال أنه يقول: «وإني أوشك أن يؤذن لي في الخروج فأخرج فأسير في الأرض فلا أدع قرية إلا هبطتها في أربعين ليلة غير مكة وطيبة فهما محرمتان علي كلتاهما كلما أردت أن أدخل واحدة منهما استقبلني ملك بيده السيف صلتاً يصدني عنها، وإن على كل نقب منها ملائكة يحرسونه» مسلم. وأما أتباع الدجال فأكثرهم من اليهود والعجم والترك وأخلاط من الناس، غالبهم الأعراب والنساء. قال صلى الله عليه وسلم: «يتبع الدجال من يهود أصبهان سبعون ألفاً عليهم الطيالسة» مسلم. ولقد حذر النبي صلى الله عليه وسلم من شدة فتنته فقال «وإن من فتنته أن يقول للأعرابي: أرأيت إن بعثت لك أباك وأمك أتشهد أني ربك فيقول: نعم، فيتمثل له شيطانان في صورة أبيه وأمه فيقولان: يا بني اتبعه فإنه ربك». وأخرج الإمام أحمد بسند صحيح أيضاً عن النبي صلى الله عليه وسلم: «ينزل الدجال في هذه السبخة فيكون أكثر من يخرج إليه النساء، حتى إن الرجل ليرجع إلى حميمه وإلى أمه وابنته وأخته وعمته فيوثقها رباطاً مخافة أن تخرج إليه».

عباد الله: إن فتنة الدجال أعظم الفتن، وذلك بسبب ما يجريه على يديه من الخوارق العظيمة التي تبهر العقول، وتحير الألباب، فعن حذيفة رضي الله عنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: «لأنا أعلم بما مع الدجال منه، معه نهران يجريان، أحدهما رأي العين ماءٌ أبيض، والآخر رأي العين نارٌ تأجج، فَإِنْ أَدْرَكَنَّ وَاحِدًا مِنْكُمْ فَلْيَأْتِ النهر الذي يراه ناراً وليغمض ثم ليطأطئ رأسه فيشرب فإنه ماء بارد» مسلم. ومما جاء في فتنته أيضاً قوله صلى الله عليه وسلم في وصفه: «إنه خارج خلة بين الشام والعراق فعاث يميناً وعاث شمالاً، يا عباد الله فاثبتوا، قلنا: يا رسول الله وما لبثه في الأرض؟ قال: أربعون يوماً. يوم كسنة، ويوم كشهر، ويوم كجمعة، وسائر أيامه كأيامكم. قلنا: يا رسول الله فذلك اليوم الذي كسنة أتكفينا فيه صلاة يوم قال: لا اقدروا له قدره، قلنا: يا رسول الله وما إسراعه في الأرض؟ قال: كالغيث استدبرته الريح فيأتي على القوم فيدعوهم فيؤمنون به ويستجيبون له فيأمر السماء فتمطر، والأرض فتنبت، إلى أن قال : ثم يأتي القوم فيدعوهم فيردون عليه قوله فينصرف عنهم فيصبحون ممحلين ليس بأيديهم شيء من أموالهم، ويمر بالخربة فيقول لها: أخرجي كنوزك فتتبعه كنوزها كيعاسيب النحل» رواه مسلم. وجاء عند البخاري من حديث أبي سعيد رضي الله عنه: «أن الدجال يأتي، وهو محرم عليه أن يدخل نقاب المدينة فينزل بعض السباخ التي على المدينة، فيخرج إليه يومئذ رجل وهو خير الناس أو من خير الناس، فيقول: أشهد أنك الدجال الذي حدثنا رسول الله صلى الله عليه وسلم حديثه، فيقول الدجال: أرأيتم إن قتلت هذا ثم أحييته هل تشكون في الأمر؟ فيقولون: لا، فيقتله ثم يحييه فيقول الرجل: والله ما كنت فيك أشد بصيرة مني اليوم، فيريد الدجال أن يقتله فلا يسلط عليه». ثم لا يزال الدجال يعيث في الأرض فساداً ، ويثبت الله المؤمنين وتعم فتنته، فلا ينجو منها إلا القلة ، حتى ينزل عيسى بن مريم عليه السلام على المنارة الشرقية بدمشق فيلتف حوله عباد الله المؤمنين فيسير بهم قاصداً المسيح الدجال، ويكون الدجال عند نزول عيسى متوجهاً إلى بيت المقدس فيلحق به عيسى عند باب لد، وهي بلدة قرب بيت المقدس، فإذا رآه الدجال ذاب كما يذوب الملح فيقول له عيسى عليه السلام: إن لي فيك ضربة لن تفوتني فيتداركه فيقتله بحربته وينهزم أتباعه فيتبعهم المؤمنون فيقتلونهم حتى يقول الشجر والحجر يا مسلم يا عبد الله هذا يهودي خلفي تعال فاقتله إلا الغرقد فإنه من شجر اليهود.

فتنة المسيح الدجال - الخطبة الثانية

 

الحمد لله:

فاتقوا الله وسلوه الثبات على دينه، والسلامة من الفتن، فإن فتنة الدجال عظيمة، وخطرها كبير، ولقد أرشد النبي صلى الله عليه وسلم أمته إلى ما يعصمها من فتنة الدجال، ومما أرشد إليه النبي صلى الله عليه وسلم أمته التمسك بهذا الدين والإنابة إلى الله رب العالمين ، وأن يعلم بأن الدجال بشر جعله الله فتنة لعباده وأن صفاته لا تشبه صفات الرب سبحانه، وإن ادعى أنه هو الإله بما جعله الله على يديه من الفتنة للعباد من إجراء الرزق وإحياء الموتى وغيرها من الفتن.

ومما يقي من فتنة الدجال التعوذ بالله من فتنته ، كما في الصحيحين من حديث عائشة رضي الله عنها قالت إن النبي صلى الله عليه وسلم كان يدعو في صلاته فيقول: «اللهم إني أعوذ بك من عذاب القبر ومن فتنة المسيح الدجال». ومما يعصم من الدجال ، حفظ آيات عشر من سورة الكهف فعن أبي الدرداء رضي الله عنه أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: «من حفظ عشر آيات من أول سورة الكهف عصم من الدجال -وفي رواية - من آخر سورة الكهف» أخرجه مسلم.

وفي الجملة فإن لزوم التقوى والبعد عما يغضب الله، وإخلاص العمل له كفيل بإذن الله للوقاية من فتنة المسيح الدجال، كما ينبغي تذكر هذه الفتنة والتحذير منها وعدم نسيانها والغفلة عنها فإنه قد جاء في الأثر أن علامة خروج الدجال نسيان ذكره على المنابر ، كما عند البيهقي قال صلى الله عليه وسلم: «لا يخرج الدجال حتى يذهل الناس عن ذكره، وحتى تترك الأئمة ذكره على المنابر» .