من أسرار الصلاة

من أسرار الصلاة - الخطبة الأولى

أما بعد: فيا عباد الله اتقوا الله، واعلموا أن الإسلام قد عني بأمر الصلاة, وشدّد كل التشديد في طلبها، وقضى بالوجوب في أدائها في بيوت الله مع الجماعة حيث ينادى بهن، وحذر أعظم التحذير من تركها أو التهاون بها، وجعلها عمود الدين ومفتاح الجنة وخير الأعمال وأول ما يحاسب عليه العبد يوم القيامة، وأمر بها جميع الأنبياء والمرسلين وأتباعهم. فهذا إبراهيم الخليل يقول: ﴿رَبِّ اجْعَلْنِي مُقِيمَ الصَّلاةِ وَمِن ذُرِّيَّتِي رَبَّنَا وَتَقَبَّلْ دُعَاءِ﴾ ومدح الله بها إسماعيل بقوله: ﴿وَكَانَ يَأْمُرُ أَهْلَهُ بِالصَّلاةِ وَالزَّكَاةِ﴾ وأمر بها كليمه موسى في ساعات الوحي الأولى بقوله: ﴿وَأَنَا اخْتَرْتُكَ فَاسْتَمِعْ لِمَا يُوحَى (13) إِنَّنِي أَنَا اللَّهُ لاَ إِلَهَ إِلاَّ أَنَا فَاعْبُدْنِي وَأَقِمِ الصَّلاةَ لِذِكْرِي﴾ وأنطق بها المسيح عيسى ابن مريم في مهده: ﴿وَأَوْصَانِي بِالصَّلاةِ وَالزَّكَاةِ مَا دُمْتُ حَياًّ﴾ وأمر بها خاتم أنبيائه محمد صلى الله عليه وسلم بقوله: ﴿اتْلُ مَا أُوحِيَ إِلَيْكَ مِنَ الكِتَابِ وَأَقِمِ الصَّلاةَ﴾ وبها وصف الله عباده المؤمنين في كثير من الآيات: ﴿وَالَّذِينَ هُمْ عَلَى صَلَوَاتِهِمْ يُحَافِظُونَ﴾ ومن عظم شأنها أكد لنا سبحانه وتعالى المحافظة عليها في الحضر والسفر والأمن والخوف السلم والحرب وفي الصحة والمرض، مشاة أو راكبين، حتى بغير ركوع ولا سجود ﴿فَإِنْ خِفْتُمْ فَرِجَالاً أَوْ رُكْبَاناً﴾ .

عباد الله: من أجل هذه المكانة العظيمة السامية الرفيعة العالية للصلاة ثاني أركان الإسلام أنذر الله بالويل والهلاك والضياع كلَّ من يسهو عنها فيضيع وقتها: ﴿فَوَيْلٌ لِّلْمُصَلِّينَ (4) الَّذِينَ هُمْ عَن صَلاتِهِمْ سَاهُونَ﴾ ودمغ بالذم واستحقاق الغي كل من أضاعها فقال الله تعالى: ﴿فَخَلَفَ مِنْ بَعْدِهِمْ خَلْفٌ أَضَاعُوا الصَّلاةَ وَاتَّبَعُوا الشَّهَوَاتِ فَسَوْفَ يَلْقَوْنَ غَياًّ﴾.

أما النبي عليه أفضل الصلاة والسلام فقد بين لنا أن الصلاة هي الدليل الأول الساطع على التزام عقد الإيمان، وأنها الشعار الفاصل بين الكفر والإسلام، فقال: «العهد الذي بيننا وبينهم الصلاة، فمن تركها فقد كفر» وذكر الصلاة يومًا فقال: كما عند الإمام أحمد (من حافظ عليها كانت له نورًا وبرهانًا ونجاة يوم القيامة، ومن لم يحافظ عليها لم يكن له نور ولا برهان ولا نجاة، وكان يوم القيامة مع قارون وفرعون وهامان وأبي بن خلف).

عباد الله: اعلموا أن أسمى أهداف العبادات هو امتثال أمر الله تبارك وتعالى وأداء حقه وشكر نعمائه التي لا تعد ولا تحصى، وأن الله غني عن عباده كل الغنى، وأن ما يتعبدنا به فإنما هو لصلاح أنفسنا، ويعود علينا بالخير في حياتنا الروحية والمادية، الفردية والجماعية، والدنيوية والأخروية، وللصلاة حكم وأسرار ، فمنها : تذكير العبد بخالقه الذي أوجده من العدم وأبرزه إلى حيز الوجود ، فقال تعالى: ﴿وَأَقِمِ الصَّلاةَ لِذِكْرِي﴾.

ومن أسرارها أن الله جل وعلا كرر الصلاة خمس مرات في اليوم في صلوات الفرائض ، وقل أضعاف ذلك في النوافل كالسنن الرواتب وقيام الليل ، فالمسلم لا يخرج من صلاة إلا ويدخل في أخرى، لتكون للمسلم زادًا روحيًا يتطهر بها من غفلات قلبه وأدران خطاياه، وقد مثل النبي صلى الله عليه وسلم هذا المعنى بقوله: «أرأيتم لو أن نهرًا على باب أحدكم يغتسل فيه كل يوم خمس مرات، فهل يبقى على بدنه من درنه شيء؟» قالوا: لا، قال: «كذلك مثل الصلوات الخمس، يمحو الله بهن الخطايا»

ومن أسرار الصلاة أيضًا أنها تمدّ المؤمن بقوة روحية نفسية تعينه على مواجهة الفتن والمنكرات، ومتاعب الحياة، ومصائب الدنيا ﴿وَأَقِمِ الصَّلاةَ إِنَّ الصَّلاةَ تَنْهَى عَنِ الفَحْشَاءِ وَالْمُنكَرِ﴾ ، وقال ﴿يَاأَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اسْتَعِينُوا بْالصَّبْرِ وَالصَّلاةِ إِنَّ اللَّهَ مَعَ الصَّابِرِينَ﴾.

ومن أسرار الصلاة عنايته صلى الله عليه وسلم بتسوية الصفوف لأنها سبيل لتقوية أواصر المحبة ودليل على تآلف القلوب واجتماع الكلمة ووحدة الصف فقال عليه الصلاة والسلام «لتسوون صفوفكم أو ليخالفن الله بين وجوهكم أو قلوبكم» قال النعمان بن بشير كان رسول الله صلى الله عليه وسلم يسوي صفوفنا إذا قمنا للصلاة فإذا استوينا كبر ... فاتقوا الله عباد الله، وحافظوا على هذا الركن العظيم، جعلني الله وإياكم من المحافظين عليها المؤدين لها في أوقاتها في بيوت الله مع الجماعة. اللهم ........

من أسرار الصلاة - الخطبة الثانية

 

الحمد لله:

عباد الله هناك مسألة مهمة تتكرر في هذا الجامع وفي غيره ، وهي تعدد إقامة الجماعة ، فما إن ينتهي الإمام من الجماعة الأولى حتى تقام الجماعة الثانية فما حكم ذلك وهل به بأس ، وقد سئل عن ذلك الشيخ محمد بن عثيمين رحمه الله فقال : تعدد الجماعة على قسمين : القسم الأول : أن يكون ذلك راتباً بحيث تتعمد الجماعة الثانية التأخر ، حتى تقيم جماعة أخرى ، فهذه بدعة ؛ لأن المسجد لا يقام فيه إلا جماعة واحدة.

والقسم الثاني : ألا يكون ذلك راتباً معتاداً ؛ لكن بعد أن تنتهي الجماعة الأولى يأتي أناس يدخلون المسجد فيصلون جماعة فهذا مشروع وسنة ؛ لأن النبي صلى الله عليه وسلم كان مع أصحابه ذات يوم ، فدخل رجل قد فاتته الصلاة ، فقال : «من يتصدق على هذا فيصلي معه» فقام أحد الصحابة فصلى معه، ولأن النبي صلى الله عليه وعلى آله وسلم قال : «صلاة الرجل مع الرجل أزكى من صلاته وحده، وصلاته مع الرجلين أزكى من صلاته مع الرجل، وما كان أكثر فهو أحب إلى الله»، وأما تَوَهُّمُ مَن تَوَهَّم من الناس أن إقامة الجماعة الثانية بدعة ، فهذا صحيح فيما إذا كان على وجه الراتب المعتاد ، أما ما كان طارئاً فإن إقامة الجماعة الثانية سنة ؛ لأمر النبي صلى الله عليه وعلى آله وسلم ، وسئل : رحمه الله ولو أقاموا الجماعة في البيت بعد انقضاء الجماعة الأولى ؟ الشيخ : لا ، في المسجد أحسن ؛ لأن إقامتها في المسجد ربما تكثر الجماعة ، يدخل معه أناس يأتون فيما بعد، فيكون أفضل ، ثم إن الغالب أن الإنسان يخرج من بيته إلى المسجد من أجل أن يصلي مع الجماعة ، فتفوته ، فيأتي وهم قد صلوا ، فإذا أقامها في المسجد كان هذا أنفع له ولغيره . أ.هـ

جعلنا من عباده المؤمنين الذين هم في صلاتهم خاشعون، فإنهم هم الناجحون الناجون المفلحون، وعلى العبد المسلم أن يعلم يقينًا أنه في صلاته يقف بين يدي ربه جل وعلا، ويناجيه، وأنه أقرب ما يكون إلى ربه وهو ساجد، فليذكر الله خاشعًا لله، وليسأل الله وهو موقن بالإجابة، وليلح على ربه في الدعاء.