التحذير من الفتن (خطبة عيد الفطر 1432هـ) - الخطبة الأولى

فاتقوا الله عباد الله واعلموا أنكم في يومٍ عيد، بعد أن صمتم لله وقمتم،  جئتم تسألون الله الرضا والقبول، وتحمدونه على الإنعام بالتمام، والتوفيق للصيام والقيام، فهذا يوم يفطر فيه المسلمون، هذا يوم يفرح به المؤمنون، فافرحوا كما أمرتم ، وانتهوا عما عنه نهيتم.

عباد الله: نحن أمة رضيت بالله ربا ، وبالإسلام دينا ، وبمحمد صلى الله عليه وسلم نبيا، ارتضت حكم الله وأذعنت له، وذلت لجبروته وخضعت له، لا تتقدم بين يدي الله ورسوله ، لا تقدم ما أخر الله ، ولا تؤخر ما قدم، لا تحل ما حرم ولا تحرم ما أحل، ولا تحركها العواطف، ولا تسوقها الأهواء،تتلمس  منهج الإسلام في العبادة، كما ترتضيه في الحكم والتحاكم، وتسير على خطاه في التغيير والتبديل . ونحن في أيّامٍ عصيبَة، وتداعيات أحداثٍ عاصِفة، ومستجدّات قاصِفة. حروبٌ أطبقَت غيومُها، وانتشرَت في الآفاق سمومُها. صراعَات محتدِمة، وانقلابات ومظاهرات ، ظلم ولاة ، وجور سلاطين ، أخذوا حقوقهم، ومنعوا الناس أموالهم، استأثروا بالثروات ، والمناصب والولايات ، وتركوا الناس في فقرهم يتقلبون، فلا تعليم ولا دواء، ولا صحة ولا مأوى ، فثارت ثائرة الشعوب، وانطلقت ألسن مكبوتة ، وأيد مكبلة ، وتفجرت مظاهرات عارمة ، ومطالبات صاخبة ، فتهاوت أمام هذا السيل عروش ، وهزمت جيوش ، فر أقوام ، وتنحى آخرون ، وتماسك البعض ، ولجأ إلى البطش والقتل فئام، رؤساء يأمرون  وينهون ، وفي النعيم يتقلبون ، فأتاهم أمر الله وهم لا يشعرون ، وجرى عليهم حكمه وهم غافلون، فلله الأمر من قبل ومن بعد ﴿قُلْ اللَّهُمَّ مَالِكَ الْمُلْكِ تُؤْتِي الْمُلْكَ مَنْ تَشَاءُ وَتَنْزِعُ الْمُلْكَ مِمَّنْ تَشَاءُ وَتُعِزُّ مَنْ تَشَاءُ وَتُذِلُّ مَنْ تَشَاءُ بِيَدِكَ الْخَيْرُ إِنَّكَ عَلَى كُلِّ شَيْءٍ قَدِيرٌ﴾ عباد الله : تلك الجموع رفعوا رايات المطالبة بالديمقراطية ، والمساواة والحرية ، وقد أخطوؤا في ذلك فمتى كان البحث عن الحرية مطلب للمسلم ، بل كان الأولى بهم أن يطالبوا بالعبودية لله ﴿وَمَا خَلَقْتُ الْجِنَّ وَالإِنسَ إِلاَّ لِيَعْبُدُونِ﴾ وأما المطالبة بالديمقراطية ، فإنها حُكمَ الشعبِ بما يريد ، فإن أراد الشعب تنحية حكم الله ورسوله،  أبعدوا شرع الله ونسفوه وقد قال الله ﴿وَمَنْ لَمْ يَحْكُمْ بِمَا أَنزَلَ اللَّهُ فَأُوْلَئِكَ هُمْ الْكَافِرُونَ﴾ فليت هذه الشعوب عندما انتفضت تلمست منهاج النبوة في الخروج على الولاة ، ففي البخاري  ومسلم من حديث ابن مسعود رضي الله عنه، عن النبي صلى الله عليه وسلم قال: «ستكون أثرة وأمور تنكرونها ، قالوا: يا رسول الله فما تأمرنا؟ قال: تؤدون الحق الذي عليكم وتسألون الله الذي لكم»، قال الشيخ عبدالعزيز بن باز رحمه الله : قد جاءت السنة الصحيحة عن رسول الله صلى الله عليه وسلم تبين أن طاعة ولاة الأمر لازمة، وهي فريضة في المعروف. فإذا أمروا بالمعصية فلا يطاعون في المعصية، لكن لا يجوز الخروج عليهم بأسبابها؛ لقوله صلى الله عليه وسلم: ألا من ولي عليه والٍ فرآه يأتي شيئا من معصية الله فليكره ما يأتي من معصية الله ولا ينزعن يدا من طاعة ، قال عبادة بن الصامت رضي الله عنه: بايعنا رسول الله صلى الله عليه وسلم على السمع والطاعة في منشطنا ومكرهنا وعسرنا ويسرنا وأثره علينا وأن لا ننازع الأمر أهله وقال: إلا أن تروا كفرا بواحا عندكم من الله فيه برهان فهذا يدل على أنه لا يجوز لهم منازعة ولاة الأمور، ولا الخروج عليهم إلا أن يروا كفرا بواحا عندهم من الله فيه برهان؛  فلا بأس أن يخرجوا على هذا السلطان لإزالته، إذا كان عندهم قدرة، أما إذا لم يكن عندهم قدرة فلا يخرجوا، أو كان الخروج يسبب شرا أكثر فليس لهم الخروج، رعاية للمصالح العامة. أهـ

وهذا ما حدث بفضل الله في هذه البلاد ، سار المجتمع على هدي كتاب الله ، وسنة مصطفاه، وتلمس جادة السلف الصالحين، والأئمة الربانيين، والعلماء الراسخين ، أمة علمت أن حفظ أمنها في إقامة توحيدها، واستقامة عبادتها، مصدقة بوعد الله ﴿الَّذِينَ آمَنُوا وَلَمْ يَلْبِسُوا إِيمَانَهُمْ بِظُلْمٍ أُوْلَئِكَ لَهُمْ الأَمْنُ وَهُمْ مُهْتَدُونَ﴾ فلا تجد في بلادنا بحمد الله وثنا يعبد، أو قبرا يطاف حوله ويمجد، والمساجد بالمصلين مكتظة ، ونور العلم يشع في أرجائها ، فوقانا الله بمنه وكرمه من الفتن ودفع عنا النقم ، فتذكَّروا ـ يا عباد الله ـ عذابَ الله ووقائعَه في الأمَم، وتذكَّروا شدّة نقمتِه إذا انتقَم، وحاذِروا زوالَ ما أنتم فيه من النّعم. واحذروا الفتن ما ظهر منها وما بطن، فلقد أخبر النبي صلى الله عليه وسلم أمته بما سيكون إلى قيام الساعة، فأخبر بفتن في آخر الزمان ، كما عند البخاري من حديث أبي هريرة رضي الله عنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: «لا تقوم الساعة حتى يُقبَض العلم، ويتقارب الزمان، وتكثر الزلازل، وتظهر الفتن، ويكثر الهَرْج، قيل: وما الهَرْج؟ قال: القتل القتل».

التحذير من الفتن (خطبة عيد الفطر 1432هـ) - الخطبة الثانية

الحمد لله

فليسَ لنا إذا أحاطت الحتوفُ، ونزلَ الأمر المَخوف ،واشتدَّ الكرب، وعظُم الخطب، إلا الله جلّ في علاه، وإنّ الإيمان بالله ربًّا وبالإسلام دينًا وبمحمّد صلى الله عليه وسلم نبيًّا ورسولاً هو الأساس لتحصيل ولاية الله التي هي سُلَّم السلامَة والأمن في الدنيا والآخرة كما قال ربّنا جلّ وعلا ﴿أَلا إِنَّ أَوْلِيَاء ٱللَّهِ لاَ خَوْفٌ عَلَيْهِمْ وَلاَ هُمْ يَحْزَنُونَ (62) ٱلَّذِينَ ءامَنُواْ وَكَانُواْ يَتَّقُونَ﴾ .

  أيها المسلمون : إن أعداء الأمة من المنافقين ومثيري الفتن ، لا يهنأ لهم عيش ولا يقر لهم قرار ، حتى يدركوا ما إليه يسعون ، وله يخططون ، فلا يفتؤون في ترديد عباراتهم المسمومة وبث أفكارهم المنكوسة ، يريدون إخراج المرأة من بيتها وعفافها، يريدونها أن تكون غربية الهوية ، سعودية الجنسية، يريدونها سافرة متبرجة، تقود سيارتها وإن خالفت الشرع والنظام، وتخالط الرجال بلا احتشام، يرددون المرأة في الإسلام مظلومة ، وحقوقها مهضومة ، وما علموا أن الشرع طهرها وحفظها وصانها وأمر الرجل بالقوامة عليها وحفظها وحمايتها ، ولازالوا يطعنون في الدين ومسلماته ، فالإسلام رجعية ، والمتمسكون بالسنة وهابية ، النصارى قبلتهم ، وسب الدين شريعتهم، استغلوا مواقعهم في الإعلام ، فراحوا يبثون السموم ، ويشككون في العقائد ، ويشوهون الإسلام وأهله، يريدون زعزعة الأمن ، باستفزاز المسلمين ومحاولة إثارتهم، فهؤلاء أحق بالمبارزة ، وبيان العوار، وإظهار الأسرار ، وكشف الأستار، فليسوا أقل خطرا من المكفرين والمفجرين