تنبيهات في شعبان

تنبيهات في شعبان - الخطبة الأولى

 

اتقوا الله تعالى وتمسكوا بكتابه وسنة نبيه ففيهما الكفاية والهدى والنور، وإياكم ومحدثات الأمور، فإنها ضلال وغرور، قال تعالى : ﴿اتَّبِعُوا مَا أُنزِلَ إِلَيْكُم مِّن رَّبِّكُمْ وَلاَ تَتَّبِعُوا مِن دُونِهِ أَوْلِيَاءَ﴾ وقال تعالى: ﴿فَمَنِ اتَّبَعَ هُدَايَ فَلاَ يَضِلُّ وَلاَ يَشْقَى﴾ وقد امر الله بطاعته وطاعة رسوله في كثير من الآيات، وطاعة الله تكون باتباع كتابه، وطاعة الرسول تكون باتباع سنته قال تعالى: ﴿وَمَن يُطِعِ اللَّهَ وَرَسُولَهُ يُدْخِلْهُ جَنَّاتٍ تَجْرِي مِن تَحْتِهَا الأَنْهَارُ خَالِدِينَ فِيهَا وَذَلِكَ الفَوْزُ العَظِيمُ (13) وَمَن يَعْصِ اللَّهَ وَرَسُولَهُ وَيَتَعَدَّ حُدُودَهُ يُدْخِلْهُ نَاراً خَالِداً فِيهَا وَلَهُ عَذَابٌ مُّهِينٌ﴾ وقد أخبر الله سبحانه أن من يطع الرسول فذلك دليل على محبته لله ومحبة الله له، ومن لم يطع الرسول فإن ذلك دليل على كفره قال تعالى: ﴿قُلْ إِن كُنتُمْ تُحِبُّونَ اللَّهَ فَاتَّبِعُونِي يُحْبِبْكُمُ اللَّهُ وَيَغْفِرْ لَكُمْ ذُنُوبَكُمْ وَاللَّهُ غَفُورٌ رَّحِيمٌ (31) قُلْ أَطِيعُوا اللَّهَ وَالرَّسُولَ فَإِن تَوَلَّوْا فَإِنَّ اللَّهَ لاَ يُحِبُّ الكَافِرِينَ﴾ وتوعد من خالف أمر الرسول بالعقوبة العاجلة والآجلة فقال تعالى: ﴿فَلْيَحْذَرِ الَّذِينَ يُخَالِفُونَ عَنْ أَمْرِهِ أَن تُصِيبَهُمْ فِتْنَةٌ أَوْ يُصِيبَهُمْ عَذَابٌ أَلِيمٌ﴾.

وكان النبي صلى الله عليه وسلم  يحذر من مخالفة الكتاب والسنة ويبين أن ما خالف الكتاب والسنة فهو بدعة وضلالة فكان يقول في خطبه: «إن خير الحديث كتاب الله وخير الهدي هدى محمد صلى الله عليه وسلم  وشر الأمور محدثاتها، وكل بدعة ضلالة»، ويقول: «من يعشْ منكم فسيرى اختلافا كثيرا، فعليكم بسنتي وسنة الخلفاء الراشدين من بعدي، تمسكوا بها وعضوا عليها بالنواجذ وإياكم ومحدثات الأمور فإن كل محدثة بدعة»، وقال  صلى الله عليه وسلم : «من أحدث في أمرنا هذا ما ليس منه فهو رد»، رواه البخاري ومسلم .

ففي هذه النصوص وأمثالها التحذير من البدع والمخالفات ؛ والبدعة قد تكون بإحداث عبادة ليس لها أصل في الشرع مثل بدعة الاحتفال بمناسبة مولد النبي صلى الله عليه وسلم  والاحتفال بمناسبة الإسراء والمعراج، أو بمناسبة الهجرة النبوية. أو تخصيص وقت من الأوقات للعبادة ليس له خصوصية في الشرع، كتخصيص شهر رجب أو ليلة النصف من شعبان بصلاة أو ذكر أو دعاء، وتخصيص يوم النصف من شهر شعبان بصيام وقد تكون البدعة بإحداث صفة للعبادة غير مشروعة، كالدعاء الجماعي بعد الصلوات المفروضة، والأذكار الجماعية وما أشبه ذلك. والبدع تصد عن دين الله.

والمبتدع متبع لهواه ﴿وَمَنْ أَضَلُّ مِمَّنِ اتَّبَعَ هَوَاهُ بِغَيْرِ هُدًى مِّنَ اللَّهِ﴾ والمبتدع يقول على الله بلا علم، والقول على الله بلا علم قرين الشرك. قال تعالى محذرا من ذلك : ﴿قُلْ إِنَّمَا حَرَّمَ رَبِّيَ الفَوَاحِشَ مَا ظَهَرَ مِنْهَا وَمَا بَطَنَ وَالإِثْمَ وَالْبَغْيَ بِغَيْرِ الحَقِّ وَأَن تُشْرِكُوا بِاللَّهِ مَا لَمْ يُنَزِّلْ بِهِ سُلْطَاناً وَأَن تَقُولُوا عَلَى اللَّهِ مَا لاَ تَعْلَمُونَ﴾ قال الإمام ابن القيم: والقول على الله بلا علم والشرك متلازمان. والمبتدع يتهم ربه بأنه لم يكمل الدين قبل وفاة النبي صلى الله عليه وسلم  فهو مكذب لقوله تعالى : ﴿اليَوْمَ أَكْمَلْتُ لَكُمْ دِينَكُمْ﴾، أو يتهم الرسول بعدم البلاغ. والمبتدع يريد ان يفرق جماعة المسلمين،لأن اجتماع المسلمين إنما يتحقق باتباع ما شرع الله، كما قال تعالى ﴿وَأَنَّ هَذَا صِرَاطِي مُسْتَقِيماً فَاتَّبِعُوهُ وَلاَ تَتَّبِعُوا السُّبُلَ فَتَفَرَّقَ بِكُمْ عَن سَبِيلِهِ﴾.

عباد الله: إننا في زمان كثرت فيه البدع ونشط فيه المبتدعة، فصاروا يروجون البدع بين الناس ويدعون إليها في كل مناسبة، وهذا بسبب غربة الدين، وقلة العلماء المصلحين. ومن هذه البدع ما يروج كل عام، ويغتر به الجهال والعوام، من الاحتفال بليلة النصف من شعبان وتخصيصها بأنواع من الذكر والصلاة، لأنهم يزعمون أنها تقدر فيها الآجال والأرزاق وما يجري في العام، ويظنون أنها هي المعنية بقوله تعالى: ﴿فِيهَا يُفْرَقُ كُلُّ أَمْرٍ حَكِيمٍ﴾. ويخصون اليوم الخامس عشر من شهر شعبان بالصيام، وهذا كله من البدع المحدثة، لأنه لم يثبت تخصيص ليلة النصف من شعبان بذكر ولا قيام. ولا تخصيص يومها بالصيام، ولم يثبت في ذلك حديث عن النبي صلى الله عليه وسلم  وما لم يثبت فيه دليل فهو بدعة في الدين ومخالف لعمل المسلمين .

فاتقوا الله – عباد الله - وتمسكوا بكتاب ربكم، وسنة بينكم، وما كان عليه السلف الصالح، واحذروا من البدع ومروجيها، كما حذركم النبي صلى الله عليه وسلم 

الخطبة الثانية

 

الحمد لله

فاتقوا الله، واعلموا أن خير الحديث كتاب الله، فتمسكوا به.وخير الهدي هدي محمد صلى الله عليه وسلم  فاقتدوا به. وشر الأمور محدثاتها فاجتنبوها.فإن كل محدثة بدعة، وكل بدعة ضلالة، وكل ضلالة في النار ، وسيروا على الطريق الصحيح الذي يوصلكم إلى دار السلام. واحذروا الطرق المنحرفة التي توردكم المهالك والآثام، واعلموا انه ليس لليلة النصف من شعبان ولا ليومها خصوصية على غيرها من الليالي والأيام، فمن كان معتادا لقيام الليل في سائر السنة فليقم في تلك الليلة كغيرها من الليالي. ومن كان معتادا الصيام أيام البيض من كل شهر فليصم تلك الأيام من شعبان كعادته في شهور العام. وكذلك من كان يصوم الاثنين والخميس من كل أسبوع، وصادف ذلك يوم النصف من شعبان فليصمه على عادته تابعا لغيره، ولا بأس لأنه في هذه الحال صار تابعا. وإنما الممنوع تخصيصه دون غيره.

عباد الله: كان صلى الله عليه وسلم  يكثر من الصيام في شعبان، فعن عائشة رضي الله عنها وعن أبيها قالت: كان رسول الله صلى الله عليه وسلم  يصوم حتى نقول: لا يفطر، ويفطر حتى نقول: لا يصوم، وما رأيت رسول الله صلى الله عليه وسلم  استكمل صيام شهر قط إلا شهر رمضان، وما رأيته في شهر أكثر صياما منه في شعبان. رواه البخاري ومسلم. وفي رواية البخاري ، كان يصوم شعبان كله. ولمسلم في رواية: كان يصوم شعبان إلا قليلاً. وفي رواية لأبي داود قالت: كان أحب الشهور إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم  أن يصومه شعبان، ثم يصله برمضان. وكلها أحاديث صحيحة، وهذا يدل على شدة محافظته صلى الله عليه وسلم  على الصوم في شعبان، والمقصود صيام أكثر الشهر لا كله. قال ابن حجر رحمه الله: "كان صيامه في شعبان تطوعا أكثر من صيامه فيما سواه، وكان يصوم معظم شعبان".

فيـا من ضيـع الأوقـات جهلا *** بِحرمتهـا أفق واحذر بـوارك

فسوف تفـارق اللـذات قهـرا *** ويُخلى الموت قهرا منـك دارك

تدارك مـا استطعت من الخطايـا *** توبة مُخلص واجعـل مـدارك

علـى طلب السلامة من جحيـم *** فخير ذوي الْجرائم من تدارك