الابتزاز وخطره

الابتزاز وخطره

 

إيذاءُ المسلِمِ ، ظلمٌ وجرمٌ وعدوانٌ، لا يفعلُه إلا دَنيء مَهين لئيمٌ وضيعٌ ذّميم، قد شُحِن جوفه بالبغضاء والضَّغناء، وأُفعم صدره بالكراهية والعداء؛ ينصِب الشَّرَك، ويبرِي سِهام الحتف، فعن نافعٍ عن ابنِ عمر رضي الله عنهما قال: صَعد رسول الله صلى الله عليه وسلم المنبر فنادى بصوتٍ رفيع فقال: «يا معشرَ من أسلم بِلِسانه ولم يُفضِ الإيمانُ إلى قلبه، لا تُؤذوا المسلمين، ولا تعيِّروهم، ولا تتَّبعوا عَوراتهم؛ فإنّه من تتبَّع عَورةَ أخيه المسلِم تتبَّع الله عَورتَه، ومن تتبَّع الله عَورَته يَفضَحه ولو في جوفِ رحلِه».

عباد الله : لا يكاد يمرّ يوم إلا وتتناثر على صفحات الجرائد والمواقع الإخبارية، قصص عن ابتزاز النساء والفتيات، تتفاوت حدتها وقسوتها وإسفافها من حالة إلى أخرى ، وإن كانت تجتمع تحت باب الابتزاز. ويتفنّن المبتزّون في طرائق ابتزازهم وأساليب احتيالهم وأدوات مكرهم، لا يتورعون عن استخدام كلّ أداة أو وسيلة وكل تقنية حديثة، خصوصا الهاتف النقال والإنترنت وأجهزة الحاسوب، وصولا إلى أغراضهم الدنيئة ورغباتهم الشيطانية، سواء كانت مالا أو شهوة جنسية محرّمة، فالغايات عندهم مبررة والأهداف محدّدة والنتائج قاصمة.

هذه السلوكيات والتصرّفات الشاذة ، تستهدف هدم الفضائل ونشر الرذائل والعبث الفاجر بأعراض النساء والاستغلال الوضيع لظروف وسذاجة وأخطاء البعض منهن، دون اعتبار للقيم والمثل العليا التي تدعوا إليها شريعة الإسلام.

عباد الله : تبدأ العلاقة الشيطانية بين الرجل والمرأة ، بنظرة خادعة أو كلمة رقيقة، ثم ابتسامة كاذبة تتساهل بها الفتاة الغافلة، ثم تتطور إلى كلام وتبادل مشاعر وأحاسيس كاذبة، يعدها بالزواج ويظهر لها علامات الإعجاب بشكلها وذوقها الرفيع ، وأناقة لبسها ، يتكرر الكلام ، وتستبطئ المسكينة ، مكالمة الزوج المنتظر، وهو يقوم  بتسجيل المكالمات ، لاستعمال ذلك وقت الضرورة، ثم يسري الشيطان في العروق ويزين للنفوس ويسهّل الخطأ، ويطلب منها بداية الخروج معه في السيارة للتعرف عن قرب ، ثم يزداد ضعف الجانب الإيماني والأخلاقي ويتبلّد الحسّ الفطري عند الفتاة، وصدق الله سبحانه وتعالى: ﴿يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لا تَتَّبِعُوا خُطُوَاتِ الشَّيْطَانِ وَمَنْ يَتَّبِعْ خُطُوَاتِ الشَّيْطَانِ فَإِنَّهُ يَأْمُرُ بِالْفَحْشَاءِ وَالْمُنْكَرِ﴾ فتكون الموافقة بعد ذلك على النزول إلى الأسواق والمطاعم والملاهي والحدائق بقصد التجول والتسلية والترويح لا غير، ثم الذهاب إلى سهرة بريئة، وقد يتخللها تصوير بعلم أو بدون علم، وقد يقع بعد ذلك المنكر الكبير والجرم الخطير، ثم تسكب الدموع والعبرات، ويطير المجرم فرحًا بتحقّق الحلم والظفر بالفريسة، ثم تظهر حقيقة ذلك الحبّ الكاذب والوهم الخادع، وينقلب الحمل الوديع إلى ذئب مفترس، يهدّد ويتوعّد بالفضيحة والعار إن لم تنفّذ الفتاة أوامرَه الشيطانيّة وتلبي رغباته الحيوانية، أما هي فتعود بعد ذلك منكسِرة قد فقدت شرفَها وعفّتها، فتسكت ولا تخبر أحدا خشية العار، وربما يتطور شره ، ويوقعها تحت تهديد الفضيحة أو تلبية الراغبات المتكررة ، فتخرج معه مكرهة ، وتخضع لنزوته مرغمة ، وقد يتطور حاله بأن يتاجر من كسب فرجها بعرضها على غيره والكسب من ورائها، وقد يوقعها في المخدرات، ليسهل بعد ذلك وصوله إليها متى ما أراد ، فتنبهي يافتاة الإسلام، لاتكوني سببا في إغضاب ربك ،وفضيحة أهلك وبيع عرضك وشرفك، وأداة للهو فاجر ماجن نسي رقابة الله عليه.

عباد الله : إن لهذه الظاهرة أسباب منها : ضعف الوازع الديني: فرقيق الدين لا يبالي بما يقول ويفعل، إنهم لا يبالون بانتهاك أعراض المسلمين؛ لأن قلوبهم قد ماتت بسبب ولعهم بارتكاب الفواحش والمنكرات، يقول ابن القيم في وصف أمثال هؤلاء من أصحاب القلوب الميتة: "وهو القلب الميت الذي لا حياة به، فهو لا يعرف ربه، ولا يعبده بأمره وما يحبه ويرضاه، بل هو واقف مع شهواته ولذاته لو كان فيها سخط ربه وغضبه، فهو لا يبالي إذا فاز بشهوته وحظه، رضي ربه أم سخط. إنه إن أحب أحب لهواه، وإن أبغض أبغض لهواه، وإن أعطى أعطى لهواه، وإن منع منع لهواه، فهو آثر عنده وأحبّ إليه من رضا مولاه، فالهوى إمامه، والشهوات قائده، والجهل سائقه، والغفلة مركبه، فهو بالفكر في تحصيل أغراضه الدنيوية مغمور، وبسكرة الهوى وحب العاجلة مخمور، ينادى إلى الدار الآخرة من مكان بعيد، ولا يستجيب للناصح، ويتبع كل شيطان مريد, الدنيا تسخطه وترضيه، والهوى يصمه عما سوى الباطل ويعميه".

الخطبة الثانية

 

الحمد لله :

ومن أسباب وقوع الفاحشة  تقصير الوالدين عن معرفة الواقع : فلقد كان حذيفة بن اليمان رضي الله عنه يقول: (كان الناس يسألون النبي صلى الله عليه وسلم ، عن الخير وكنت أسأله عن الشر مخافة أن أقع فيه). وبعض الأسر لا تقوم بتوعية بناتها توعية كافية بشأن الشر الموجود في هذا العصر.

ومن أسباب ذلك الفضائيات والإعلام: فالأفلام والمسلسلات ،علمت الكثير أنه لا يمكن أن يتزوج شاب بفتاة إلا عن طريق إقامة علاقة حبّ ابتداء، وأن كل زواج لا يستند إلى علاقة حب هو زواج فاشل؛ مما جرأ كثيرا من الشباب من الجنسين على إقامة هذه العلاقات، إضافة إلى المشاهد الجنسية في الأفلام والمسلسلات وأغاني الفيديو كليب التي أججت العواطف وأشعلت المشاعر وجعلت الكثير يتّجهون إلى الحرام من أجل إشباع رغباتهم الجنسية.

ومن الأسباب الاختلاط: فلقد اتضح أن قضايا الابتزاز تقع كثيرا في أماكن العمل المختلط، مع ارتباط مصالح النساء العاملات برجال ليسوا أحيانا من أهل الأمانة والمروءة؛ مما يؤدي إلى وقوع بعض التحرشات الجنسية أو الابتزاز بدافع العوز الماديّ أو من خلال ما ينشر في الصحف عما يسمّى بمؤسسات التوظيف أو الإعلان عن وظيفة، حيث اتضح أن هناك صورا من ابتزاز المرأة من خلال بعض المؤسسات والإعلانات، والتي كثيرا ما تكون وهمية، وصدق رسول الله صلى الله عليه وسلم: «ما خلا رجل بامرأة إلا وكان الشيطان ثالثهما».

ومن الأسباب فقدان العاطفة والحب في كثير من البيوت: فمن الوالدين من يحرم أولاده من الشفقة والحنان وإشباع العواطف؛ مما يحدوهم إلى البحث عن ذلك خارج المنزل، ويشتد الأمر إذا كان ذلك في حق البنات، فهن أرق شعورا وأندى عاطفة، فإذا شعرت بفقر من هذا الجانب أظلمت الدنيا في وجهها، وربما قادها ذلك إلى البحث عمن يشبع عواطفها، ولقد كانت فاطمة رضي الله عنها تدخل عليه صلى الله عليه وسلم فيقوم إليها ويقبلها.

ومن الأسباب ضعف الرقابة على الأبناء: فالابن الذي يقضي ساعات طويلة خارج منزله ويتغيب عن مدرسته كثيرا أو يتجه إلى الانحراف أو الإدمان كل ذلك بسبب غياب الرقابة الأسرية، كذلك الفتاة التي تكثر من الخروج إلى الأسواق بسبب أو بدون سبب، أو تخرج للترفيه بدون رقيب أو مرافق، أو تقضي الساعات الطويلة أمام شاشات الإنترنت في المحادثات ، لثقتها التامة بانعدام الرقابة الأسرية، كل ذلك من أسباب الفساد. والوقوع في الشرك.

عباد الله ينبغي الحذر من التصوير بالجوال سيما البنات  ، لأنه قد يُفقد الجهاز أو يُسرق أو يتعطل فيقع في أيدي من لا يخافون الله. فيقومون بسحب الصور ومن ثم تهديد البنت وابتزازها. ومن وقعت من الفتيات في الابتزاز فعليها  مصارحةُ الأم أو الأب أو أحد الأهل والأقارب بحقيقة الأمر والاعتراف بالذنب والخطأ وإعلان التوبة والندم. وفي هذه الحالة ندعو أولياء الأمور إلى التعقّل وضبط النفس؛ لأن التوبة والاعتراف خير من التمادي في الباطل.

عباد الله : هيئة الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر، أثبتت فعاليتها، وسجلت نجاحا كبيرا في حلّ كثير من قضايا الابتزاز وتخليص الفتيات بكل سرية ومحافظة على سمعتهن. فالجؤوا بعد الله إليهم