المخدرات أحكام وأضرار

المخدرات أحكام وأضرار

لقد كرّم الله الإنسان بالعقل، وجعله مناطَ التكليف، وأحاطه بالخطاب والتنبيه في القرآن والحديث الشريف. بالعقل تميّز الإنسان وتكرّم، وترقّى في شأنه وتعلّم، جعله الشارع الحكيم ضرورةً كبرى، وشرع لصيانتِه الحقَّ والحدّ ﴿وَلَقَدْ كَرَّمْنَا بَنِي آدَمَ﴾ بالعقل يميّز الإنسان بين الخير والشرّ والنفع والضرّ، وبه يتبيّن أوامرَ الشرع ويعرف الخطابَ ويردّ الجواب ويسعى في مصالحه الدينيّة والدنيويّة، فإذا أزال الإنسان عقله لم يكن بينه وبين البهائم فرق، بل هو أضلّ منها يُخشى شرّه ولا يُرجى خيره ﴿أَمْ تَحْسَبُ أَنَّ أَكْثَرَهُمْ يَسْمَعُونَ أَوْ يَعْقِلُونَ إِنْ هُمْ إِلاَّ كَالأَنْعَامِ بَلْ هُمْ أَضَلُّ﴾ ومع كلِّ ذلك فقد أبى بعض التائهين إلاّ الانحطاط إلى درَك الذلّة والانحدارَ إلى المهانة والقِلّة، فأزالوا عقولَهم معارضين بذلك العقل والشرعَ والجِبِلّة؛ وذلك بتعاطي الخمور والمسكرات والمفتّرات والمخدّرات.

أيها المسلمون: آفةُ المجتمعات اليوم هي المسكرات والمخدّرات، أمّ الخبائث أمّ الكبائر وأصل الشرور والمصائب، شتَّتِ الأسَر، وهتكتِ الأعراض، وسبّبت السرقات، وجرّأت على القتل، وأودت بأصحابها إلى الانتحار، وأنتجت كلّ بليّةٍ ورذيلة، أدت بمدمنيها إلى اقتراف الكبائر، ومواقعة المحارم ، ووصل ببعضهم إلى قتل الوالد وعقوق الوالدة ، أجمع على ذمّها العقلاء منذ عهد الجاهليّة، فلمّا جاء الإسلام ذمّها وحرّمها ولعنها ولعن شاربَها وعاصرها ومعتصرها وحاملها والمحمولةَ إليه ﴿يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا إِنَّمَا الْخَمْرُ وَالْمَيْسِرُ وَالأَنصَابُ وَالأَزْلامُ رِجْسٌ مِنْ عَمَلِ الشَّيْطَانِ فَاجْتَنِبُوهُ لَعَلَّكُمْ تُفْلِحُونَ (90) إِنَّمَا يُرِيدُ الشَّيْطَانُ أَنْ يُوقِعَ بَيْنَكُمْ الْعَدَاوَةَ وَالْبَغْضَاءَ فِي الْخَمْرِ وَالْمَيْسِرِ وَيَصُدَّكُمْ عَنْ ذِكْرِ اللَّهِ وَعَنْ الصَّلاةِ فَهَلْ أَنْتُمْ مُنتَهُونَ﴾ بيّن الله تعالى مفاسدَ الخمر، وأنها رجسٌ ونجَس، وأنها توقع العداوةَ والبغضاء، وتصدّ عن ذكر الله وعن الصلاة، وأنها سببٌ لعدم الفلاح. والخمر المحرّمةُ هي كلّ ما خامر العقل مهما كان نوعُه وأيًّا كان اسمُه، قال رسول الله صلى الله عليه وسلم : «كلُّ مسكرٍ خمرٌ، وكلّ خمرٍ حرامٌ» رواه مسلم، وفي الصحيحين أن النبيَّ صلى الله عليه وسلم قال: «كلُّ شرابٍ أسكر فهو حرامٌ»، وعن جابر رضي الله عنه أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: «كلُّ مسكرٍ حرام، إنّ على الله عزّ وجلّ عهدًا لمن يشرب المسكر أن يسقيَه من طينةِ الخبال»، قالوا: يا رسول الله، وما طينةُ الخبال؟ قال: «عرقُ أهل النار» أو: «عصارة أهل النار» رواه مسلم، وعن ابن عمر رضي الله عنهما أن النبيَّ صلى الله عليه وسلم قال: «كلُّ مسكرٍ خمرٌ، وكلّ مسكرٍ حرامٌ، ومن شرب الخمر في الدنيا فمات وهو يُدمنها لم يتُب لم يشربها في الآخرة» رواه مسلم ، وروى الإمام أحمد بسندٍ صحيح أنّ النبيّ صلى الله عليه وسلم قال: «مُدمن الخمر إن مات لقِيَ الله كعابدِ وثنٍ» إنّها نصوصُ زجرٍ ووعيد وتخويفٍ وتهديد يقفُ عند حدّها من يعلَم أنه محاسَبٌ غدًا أمامَ الله العظيم.

عبادَ الله، والمخدّرات بأنواعها شرٌّ من الخمر، فهي تفسد العقل، وتدمّر الجسد، وتُذهب المالَ، وتقتُل الغيرةَ، فهي تشارك الخمر في الإسكار وتزيد عليها في كثرة الأضرار، وقد أجمع الناس كلّهم من المسلمين والكفّار على ضررِ المسكرات والمخدّرات ووبالها على الأفراد والمجتمعات، وتنادت لحربها جميع الدول وتعاهدت، وأدرك الجميع مخاطرها، حتى قال المنظرون: إنّ خطرَ المخدّرات وتأثيرها المدمّر أشدُّ فتكًا من الحروب.

أيها المسلمون، نتحدّث عن المسكرات والمخدّرات في وقتٍ ضجّت بالشكوى فيه البيوت واصطلى بنارها من تعاطاها ومن عاشر أهلها، وأحالت حياتَهم جحيمًا لا يُطاق، فوالدٌ يشكي وأمٌّ تبكي وزوجةٌ حيرى وأولادٌ تائهون في ضيعةٍ كبرى، المخدّرات تفسد العقل وتقطع النسل وتورث الجنون وتجلب الوساوس والهموم وأمراضًا عقليّة وعضويّة ، وتجعل صاحبَها حيوانًا هائجًا ليس له صاحب، وتُرديه في أَسوَأ المهالك، مع ما تورثه من قلّة الغيرة وزوال الحميّة حتى يصير متعاطيها ديّوثًا وممسوخًا. وما تفكّكتِ الأسَر إلاّ من أثرها، وتفشّتِ الجرائم إلا بسببها، ومع غلائها فإنّ مروِّجَها من أفقر الناس وأتعسهم حالاً. أمّا متعاطيها فإنّها لا تزال تستنزف مالَه حتى يضيقَ بالنفقة الواجبة على أهله وأولاده وعلى نفسه، وحتى تصبح أسرتُه عالةً يتكفّفون الناس، وربّما باعَ أهلَه وعِرضَه مقابلَ جرعَةِ مخدّر أو شَربةِ مسكرٍ، فهل من قلوبٍ تعي أو عقولٍ تفكّر في النهاية الموحشة والآثار المدمّرة لهذه البلايا؟! مع فَقدِ الدين وضياعِ الإيمان، ففي الصحيحين أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: «ولا يشرب الخمرَ حين يشربها وهو مؤمن»، وقد قال عثمان بن عفان رضي الله عنه : (إنه ـ والله ـ لا يجتمع الإيمان والخمر في قلب رجلٍ إلا يوشك أحدهما أن يذهب بالآخر) رواه النسائي وغيره.

 الخطبة الثانية

 

الحمد لله

لا يَنفَكُّ أَعدَاءُ الدِّينِ وَشَانِئُو الفَضِيلَةِ مِن دُعَاةِ الشَّرِّ وَمُرَوِّجُي الرّذِيلَةِ، لا يَنفَكُّونَ يَطرُقُونَ إِلى الفِتنَةِ كُلَّ بَابٍ، وَيَسلُكُونَ إِلى الإِفسَادِ كُلَّ طَرِيقٍ، هَمُّهُم تَجرِيدُ الأُمَّةِ مِن دِينِهَا وَإِضعَافُ العَقِيدَةِ في قُلُوبِهَا، إِنَّهُم يَسعَونَ لإِفسَادِ سُلُوكِ أَبنَائِهَا وَتَحطِيمِ أَخلاقِهِم وَتَخرِيبِ طِبَاعِهِم ﴿وَدُّوا مَا عَنِتُّمْ قَدْ بَدَتْ الْبَغْضَاءُ مِنْ أَفْوَاهِهِمْ وَمَا تُخْفِي صُدُورُهُمْ أَكْبَرُ﴾ ولقد اتَّخذوا المسكراتِ والمخدّرات سلاحًا فاتكًا للسيطرة والعدوان واستلاب العقول والأموال. حتى أضحت حرب المخدّرات أحدَ أنواع الحروب المعاصرة الخطيرة، ومع ما سنّته البلادُ مشكورة من عقوباتٍ رادعةٍ فلا زال طوفان المخدّرات المدمّر تئنُّ منه خفايا البيوت وأروقةُ المحاكم وجدرانُ السجون؛ مما يُنبيك عن غَور الجرح وعمق المأساة. ولانتشار هذا الوباء أسبابٌ وبواعث، منها ضَعف الإيمان ، ووسائلُ الإلهاء التي هوّنت عليهم ارتكاب أيّ محظور، وأنتجت قلّةَ الخوف من الله، فلا يفكّر أحدهم في عذاب الآخرة ولا عقاب الدنيا، ومن لم يكن له دين صحيحٌ يمنعه فلا عقلَ ينفعه ولا زجرَ يردعه. والفراغ القاتل والبطالة سوقٌ رائجة للمخدّرات والمسكرات، سيما عند الشباب.

أيُّها المسلمون، لا بدّ من الوعي بحقائق الأمور وإدراك حجمِ الخطر، ثم التكاتُف والتآزر بين أفراد المجتمع ومؤسّساته للحدّ من هذا الوباء وصدّه قبل استفحال الداء. لا بدّ من تنمية الرقابةِ الذاتيّة بالإيمان والخوف من اللهِ في قلوبِ الناس عامّةً والناشئة والشّباب خاصّة، لا بدّ من تكثيفِ التوعية بأضرار المسكرات والمخدّرات والتركيز على ذلك في المناهج الدراسية وفي وسائل الإعلام. كما تجب العناية بالشباب وملءُ فراغهم بما ينفعهم وينفع مجتمعهم. وواجب الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر وظيفةُ كلِّ مسلمٍ، فلو ائتمرنا بيننا وتناهينا ونصحنا وتناصحنا لما وجَدَ الشيطان سبيلاً إلى ضعيفٍ بيننا. لا بدّ أن يتكاتفَ أفراد المجتمع مع الجهاتِ المسؤولة على نبذِ المروّجين والتبليغ عنهم والحذر من التستّر عليهم أو التهاون معهم.

أَلا فَاتَّقُوا اللهَ أَيُّهَا المُسلِمُونَ، وَقُومُوا بِوَاجِبِكُم تَسلَمُوا وَتَغنَمُوا، وَلا تَتَخَاذَلُوا أَو تَتَجَاهَلُوا فَتَندَمُوا.