منح من المحن

بسم الله الرحمن الرحيم

منح من المحن

الحمد لله الذي خلق وعزَّ ومَلَك، وخضعَ  له كلُّ إنسان وجانٍّ ومَلَك، دَحَا الأرض وسَمَك السماء، فما أجمل ما دحَا وأحسَن ما سَمَك، أحمده سبحانه وأشكره، وأُثني عليه وأستغفره، ما مَخَر في الماء الفُلكُ وما دارَ الفَلَك، وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له مليكُ كلِّ مَن مَلَك، ما خابَ عبدٌ أمَّلَك، أنت له حيثُ سَلَك، لولاك يا ربِّ هلَك. وأشهد أن محمدًا عبد الله ورسوله، خيرُ من صلَّى وزكَّى وصامَ ونسَك، صلَّى الله وسلَّم وبارَك عليه، وعلى آله وصحبه أجمعين.

عباد الله : إنَّ هذه البلادَ المباركةَ هي مهبِط الوحي وموئِل العقيدة ومَأرِز الإيمان وحَرَم الإسلام ووَطَن الخير والسلام، بلادُ الحرمين الشريفَين وراعِيَةُ المسجِدين العظيمَين وخادِمَة المدينَتَين المقدَّسَتَين، بلادٌ في ظِلال الشرع وادِعة، وفي رياض الأمن راتِعة، ولأطرافِ المجد جامعة، سَكَنُها مَع الإيمان شرفٌ بالِغ، واستيطانُها معَ التَّقوى عزٌّ شَامِخ، حِفظُ أمنها واجبٌ معظَم، وصيانةُ حَوزَتِها فرض محتَّم، قامت على دعوة سلفية نقية ، رسخت في نفوس أتباعها أساسات ثابتة ، وقيم عالية، ومبادئ سامية ، دعت أتباعها لإفراد العبادة لله ﴿إِيَّاكَ نَعْبُدُ وَإِيَّاكَ نَسْتَعِينُ﴾ حذرتهم من الشرك وأسبابه، وسدت ذريعته وأوصدت بابه، فما تركت وثنا يعبد ، ولا قبرا يطاف حوله ويسجد،  نأت بأتباعها أن يعبدوا الحجارةَ الموات، والأضرحَةَ والأموات، رسخت في نفوسهم ﴿إِنَّهُ مَنْ يُشْرِكْ بِاللَّهِ فَقَدْ حَرَّمَ اللَّهُ عَلَيْهِ الْجَنَّةَ وَمَأْوَاهُ النَّارُ وَمَا لِلظَّالِمِينَ مِنْ أَنصَارٍ﴾ علمتهم بأن الحكم لله والأمر له ﴿إِنْ الْحُكْمُ إِلاَّ لِلَّهِ يَقُصُّ الْحَقَّ وَهُوَ خَيْرُ الْفَاصِلِينَ﴾ ﴿وَمَنْ لَمْ يَحْكُمْ بِمَا أَنزَلَ اللَّهُ فَأُوْلَئِكَ هُمْ الْكَافِرُونَ﴾ دعوة علمت أتباعها بأن الاعتصام بالكتاب والسنة هو أساس النجاة في الدنيا والآخرة، قال الله عز وجل: ﴿وَاعْتَصِمُوا بِحَبْلِ اللَّهِ جَمِيعاً وَلا تَفَرَّقُوا﴾ وعن أبي شريح الخزاعي رضي الله عنه  قال: خرج علينا رسول الله صلى الله عليه وسلم فقال: «أبشروا، أبشروا، أليس تشهدون أن لا إله إلا الله وأني رسول الله؟» قالوا: بلى، قال: «إن هذا القرآن سبب طرفه بيد الله، وطرفه بأيديكم، فتمسكوا به فإنكم لن تضلوا، ولن تهلكوا بعده أبدًا» دعوة قامت على كتاب الله ، فهو الهداية والصلاح، والخير والفلاح ،قال ابن عباس رضي الله عنهما: "تكفّل الله لمن قرأ القرآن وعمل بما فيه أن لا يضل في الدنيا، ولا يشقى في الآخرة"، ثم قرأ هذه الآية: ﴿فَإِمَّا يَأْتِيَنَّكُمْ مِنِّي هُدًى فَمَنْ اتَّبَعَ هُدَايَ فَلا يَضِلُّ وَلا يَشْقَى﴾ دعوة ما تركت شاردة ولا واردة ، ولا صغيرة ولا كبيرة إلا بينتها ، فعن أبي ذر رضي الله عنه  لقد تركنا رسول الله صلى الله عليه وسلم وما طائر في السماء يقلب جناحيه إلا وقد أوجدنا فيه علما ، دعوة أخبرت أتباعها بما هو كائن إلى يوم القيامة «إنها ستكون بعدي أثرة وأمور تنكرونها ، قالوا : يا رسول الله ! فما تأمرنا ؟ قال : تؤدون الحق الذي عليكم وتسألون الله الذي لكم» متفق عليه وعلمتهم كيف يتعاملون في حال الفتن والخروج على الولاة  بما رواه مسلم في صحيحه عن عرفجة الأشجعي رضي الله عنه قال : سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول «من أتاكم وأمركم جميع على رجل واحد يريد أن يشق عصاكم ، أو يفرق جماعتكم فاقتلوه» وفي رواية «ستكون هنات وهنات،فمن أراد أن يفرق أمر هذه الأمة  وهي جميع، فاضربوه بالسيف كائنا من كان» .

عباد الله : تلقى أبناء هذه البلاد  هذه الدعوة وقبلوها ، تمكنت في الأنفس ، وترسخت في القلوب، ومع تقادم الزمن ، وشدة الهجوم ، ظن الأعداء أن أهل الدعوة السلفية قد نسوها ، فلما اشتدت الأمور ، وظهرت الحاجة إلى العلم برز أتباع هذه الدعوة ، من العلماء والصالحين ، والأئمة الربانيين ، وعامة الناس ،  الذين ما تغيرت أفكارهم بدعوة تغريبية، ولا بلوثة حزبية ، ولا بمن يدعي فقه الواقع  ، فبينوا للناس الدليل ،وطبقوا ما تعلموه ، وذكروا الناس بما قد نسوه ، فأثمر ذلك ، أمن في الأوطان ، وكافأهم مولاهم ، برغد في العيش وسعة في الرزق، وسلامة من القتل ، وحفظ للأعراض، وحقن للدماء، وحفظ للأموال. عباد الله : الناس يتخطفون من حولنا ، الحروب مستعرة ، والأوضاع غير مستقرة، والمظاهرات مستمرة، كفى الله المسلمين الشرور ، ومنّ عليهم  بفَرجٍ قريبٍ يُعيدُ لأوطان المسلِمَة أمنَها، وسِلمها واستقرارها؛ لتنقشِعَ سحابةُ الفتنة، وتنعمَ الشعوبُ المسلمةُ في أرضها ، بخيرها وثرواتها، في ظلِّ شريعةِ الإسلامِ التي لا أمنَ إلا بها، ولا سلامةَ إلا بتطبيقها.

، ف ﴿الْحَمْدُ لِلَّهِ الَّذِي لَهُ مَا فِي السَّمَوَاتِ وَمَا فِي الأَرْضِ وَلَهُ الْحَمْدُ فِي الآخِرَةِ وَهُوَ الْحَكِيمُ الْخَبِيرُ﴾ فلقد كفانا ربنا وآوانا ، وحفظنا وحمانا، وكبت عدونا وحفظ أمننا.

الخطبة الثانية

 

الحمد لله :

أما بعد: فإنّ ما جرى من عبث العابثين،ودعوات المغرضين في بلاد الحرمين، وما أعقبه من أوضاع انبرى لها العلماء الربانيون والدعاة الصادقون والناس أجمعون، وما جسده ذلك من تلاحم في مشهد أذهل العالم وأدهش الدنيا كل هذا يعطي دلالة واضحة على حب الناس للشريعة، وولائهم لها وتمسكهم بها.

غير أن هناك طائفة طالما تغنت بالوطنية، وادعت الشفافية، وتشدقت بالحرية، نفثت أقلامها السموم، وشنت على الدين الهجوم ، هم الذين يلمزون الدين، ويتكلمون في العلماء الربانيين  ، و يصفوننا بالوهابية ، و يستهزؤون بالدعوة السلفية ، و يصموننا بالتخلف والرجعية، ويطعنون  في المناهج الشرعية ، و يستهزؤون برجال الهيئات ، فما هو موقفهم من الأحداث؟ وأين هي كتاباتهم؟ وأين هي شعاراتهم؟ لقد سكنت ألسنتهم، وجفت أقلامهم، وآثروا شهواتهم، فلم ينطقوا ببنت شفة، ولم يتكلموا بغير السفه، حتى إذا جاءت الجمعة قبل المنصرمة، وباءت تلك الدعوات بالفشل، ومنوا بخيبة أمل، عادت تلك الأقلام لتكتب من جديد، وتلحق بركب المحذرين من المظاهرات، والتنديد بالاعتصامات. آلآن أفقتم؟! آلآن عرفتم؟! آلآن كتبتم؟! هم دعاة الرذيلة، وأصحاب الأقلام المأجورة. كانوا يرجون أن تظهر هذه الأحداث صدق دعاواههم،وتحقق رغبتهم وهواهم،  لكن انقلب السحر على الساحر، وارتد الكيد في النحر، وبان العوار، وانكشفت الأسرار، وهتك الستار ﴿وَقُلْ جَاءَ الْحَقُّ وَزَهَقَ الْبَاطِلُ إِنَّ الْبَاطِلَ كَانَ زَهُوقاً

عباد الله : إننا ندعُو لولاةِ أمرِنا بالسداد والتوفيق والهدايةِ والصلاح، كفاء ما قدموه وبذلوه ، من دعم للعلماء ، ووقوف مع المكاتب الدعوية وحلقات تحفيظ القرآن ، والعناية ببيوت الله ، ودعم كل ما من شأنه إعلاء كلمة التوحيد ،فقد قال صلى الله عليه وسلم كما عند أحمد: «من صنع إليكم معروفا فكافئوه، فإن لم تجدوا ما تكافئونه فادعوا له حتى تروا أنكم قد كافأتموه» وعنده أيضا قال عليه الصلاة والسلام «لا يشكر الله من لا يشكر الناس» .

فاللّهمّ آمنّا في أوطاننا، واحفظ اللّهمّ ولاةَ أمورنا، وأيِّد بالحق إمامنا ووليّ أمرنا، اللّهمّ وهيّئ له البِطانة الصالحة الناصحة الصادِقة التي تدلُّه على الخير وتعينُه عليه، واصرِف عنه بطانةَ السوء يا ربَّ العالمين، اللّهمّ أدِم على بلادِنا أمنَها ورخاءها وعِزَّها واستقرارها، ووفّق قادتها لما فيه عزّ الإسلام والمسلمين