وداع رمضان وصيام ست من شوال

بسم الله الرحمن الرحيم

وداع رمضان وصيام ست من شوال

فما أسرع ما تنقضي الليالي والأيام، وما أعجلَ ما تنصرم الشهور والأعوام، وهكذا حال الدنيا، سريعةُ الزوال، قريبةُ الاضمحلال، لا يدوم لها حال، ولا يطمئنّ لها بال، وهذه سُنة الله في خلقه، أدوارٌ وأطوارٌ تجري بأجل مسمى ﴿لِكُلِّ أَجَلٍ كِتَابٌ﴾ .

وإن أهل التفكر والتعقل، وأصحاب التبصر والتأمُّل ليدركون تلك الحقائق حقَّ الإدراك، فيأخذون من تعاقب الأزمان أعظم معتبر، ويستلهمون من انصرام الأيام أكبرَ مزدجر، يقول الله جل وعلا: ﴿إِنَّ فِي خَلْقِ السَّمَوَاتِ وَالأَرْضِ وَاخْتِلافِ اللَّيْلِ وَالنَّهَارِ لآيَاتٍ لأُوْلِي الأَلْبَابِ﴾ .

عباد الله : ودّعنا رمضان، وكأنّه طيف خيال، ما أعجلَ ما انقضى، وما أسرعَ ما انتهى، ولله الحمد على ما قضى وأبرم، وله الشكر على ما أعطى وأنعم، انطوت صحيفته، وقد ربح فيه من ربح، وخسر فيه من خسر، ﴿قَدْ أَفْلَحَ مَن زَكَّاهَا (9) وَقَدْ خَابَ مَن دَسَّاهَا﴾ .

ذهب منتقلاً، وولى مرتحلاً، ذهب بأعمالكم شاهدًا بما أُودع فيه، فيا تُرى هل رحل حامدًا الصنيع، أو ذامًا التضييع؟ فمن أحسن فعليه بالتمام، ومن كان مفرطا فليلحق بالركب، وليمتطي صهوة التوبة فبابها مفتوح. وخيرها ممنوح.

عباد الله، إن تشريعات الإسلام تتضمن أسرارًا لا تتناهى، ومقاصد عالية لا تُجارى، وإن من فقه مقاصد الصوم كونه وسيلة عظمى لبناء صفة التقوى في وجدان المسلم، فليكن صومك مدرسة تستلهم منها شدة العزم، وقوة الإرادة ، تقويمًا للنفوس، وتعديلاً للغرائز، وتهذيبًا للظواهر والبواطن، وصفاءً ونقاءً للأعمال والضمائر، في قوة على الفضائل لا تعرف لينًا، وفي صلابة على المحاسن لا يدخلها استرخاء.

واستمع إلى مشكاة النبوة وهي تلخص لك وصية عظيمة ذات عبارات جميلة المبنى، جليلة المعنى، قليلة العبارة، كثيرة الإشارة، إنها وصية رسولنا محمد صلى الله عليه وسلم وصية للأمة جمعاء، وصية تقضي بالأخذ بمجامع الإيمان التام، ولزوم الاعتقاد الصحيح، والتمسك بالصبر على الطاعات، واجتناب المحظورات، واتباع محاسن الفضائل ومكارم المعاملات، يقول صلى الله عليه وسلم لسائل قال له: قل لي في الإسلام قولاً لا أسأل عنه أحدًا بعدك، قال عليه الصلاة والسلام: «قل: أمنت بالله، ثم استقم» .

فاللهم ...........................

الخطبة الثانية :

الحمد لله

أيها المسلمون، السعيد من عمر وقته باستصلاح آخرته، ولم تَذهله مطالب الحياة عن حقوق خالقه، ولم تشغله رغائب الدنيا العاجلة، عن حقائق الآخرة الباقية.

فيا من ذاق حلاوة الطاعة، احذر من مقارفة مرارة المعصية، كن برًا تقيًا في غير رمضان كما كنت في رمضان .

عباد الله : المسلم مطالب بالمداومة على الطاعات، والاستمرار في الحرص على تزكية النفس. ومن أجل هذه التزكية شُرعت العبادات والطاعات، وبقدر نصيب العبد من الطاعات تكون تزكيته لنفسه، وبقدر تفريطه يكون بُعده عن التزكية. لذا كان أهل الطاعات أرق قلوباً، وأكثر صلاحاً، وأهل المعاصي أغلظ قلوباً، وأشد فساداً. والصوم من تلك العبادات التي تطهِّر القلوب من أدرانها، وتشفيها من أمراضها..وصيام الست من شوال ، فرصة من تلك الفرص الغالية، بحيث يقف الصائم على أعتاب طاعة أخرى، بعد أن فرغ من صيام رمضان.وقد أرشد رسول الله صلى الله عليه وسلم أمته إلى فضل صيام الست من شوال، وحثهم بأسلوب يرغِّب في صيام هذه الأيام.. قال رسول الله – صلى الله عليه وسلم -: «من صام رمضان ثم أتبعه ستاً من شوال كان كصيام الدهر» .