مظاهر مؤلمة

بسم الله الرحمن الرحيم

مظاهر مؤلمة

أما بعد: فأوصيكم ونفسي بتقوى الله عز وجل، فاتقوا الله رحمكم الله، فإن تقوى الله عروة ما لها انفصام, من استمسك بها حمته بإذن الله من محذور العاقبة، ومن اعتصم بها وقَتْه من كل نائبة, عليكم بتقوى الله فالزموها, وجِدوا في الأعمال الصالحة واغتنموها، فالزمان يطوي مسافة الأعمار, وكل ابن أنثى راحل عن هذه الدار.

عباد الله : لقد أكمل الله هذا الدين ورضيه، وأتمَّ به على المسلمين نعمته، ﴿اليَوْمَ أَكْمَلْتُ لَكُمْ دِينَكُمْ وَأَتْمَمْتُ عَلَيْكُمْ نِعْمَتِي وَرَضِيتُ لَكُمُ الإِسْلامَ دِيناً﴾ ، فكانت هذه الأمة بالإسلام خيرَ الأمم، دينكم الذي تدينون به قد أكمله ربكم وبه أتم نعمته عليكم، ورضيه لكم شرعة ومنهجًا وسلوكًا، فمن تمسك بهذا الدين أعزه الله، ومن ابتغى الهدى في غيره أضله الله، ومن تركه ورغب عنه قصمه الله.

وكتب الله على عباده أن كل أمة تستبدل الضلال بالهدى وتتخلى عن خصائصها وتخجل من مبادئها أنها أمة لا تزال في تقهقر وانحطاط وتلاش واضمحلال في فكرها وقوتها وسلوكها.

أيها المسلمون: إنه مما ابتلي به بعضنا في هذا الزمن أنهم أصبحوا يأخذون كل ما يساق إليهم، وتعبُّون من كل وارد يأتيهم، ناسين أو متناسين أن لديهم ثوابت عقدية وقواعد شرعية وضوابط ربانية، تضبط ما يؤخذ من الأمم الأخرى ويُقبل، وما يحذر منه ويعرض عنه ويُهمل.

ومما يزيد الظلام ظلمة والعقدة عُقَدًا أن يكون ميل الآخذين من الغير إلى التافه الحقير من فنون ما يسلب الأخلاق ويدمر القيم ويُذل الأمة ، أما أن يأخذ من غيرنا سرّ التفوق والنافع المفيد فذاك عنه القوم غافلون.

عن عبد الله بن عمر رضي الله عنهما قال: قال رسول الله صلى الله عليه وعلى آله وسلم: «بُعثت بين يدي الساعة بالسيف حتى يُعبد الله وحده لا شريك له، وجُعل رزقي تحت ظل رمحي، وجُعل الذلُّ والصغار على من خالف أمري، ومن تشبَّه بقوم فهو منهم» رواه أحمد . يقول شيخ الإسلام ابن تيمية رحمه الله: "هذا الحديث أقل أحواله أن يقتضي تحريم التشبه بهم، وإن كان ظاهره يقتضي كفر المتشبِّه بهم" وفي الحديث الآخر: «ليس منا من تشبه بغيرنا» رواه الترمذي وقد ورد عن رسول الله صلى الله عليه وسلم قوله: «خالفوا المشركين»، «خالفوا المجوس»، «خالفوا اليهود»، «خالفوا أهل الكتاب»، و«من تشبه بقوم حُشر معهم».

أيها المسلمون: تكاثرت النصوص وتواترت في التحذير من التشبه بالكفار ،ففي باب العقائد جاء النهي عن اتخاذ القبور مساجد، والغلوِّ في الصالحين، واتخاذ القبور مشاهدَ ومزارات، والبناء عليها، والتفرق في الدين والعصبيات والتحزبات والشعارات، والنياحة على الميت، والفخر بالأحساب، والطعن في الأنساب، وحمية الجاهلية.

وفي العبادات ورد النهيُ في مسائل كثيرة من أبواب الأذان والمساجد، والصلاة في أوقات صلاتهم أو هيئاتها، والصيام في أوقات صيامهم، والحج على طريقتهم، والنكاح والذبائح والأعياد ، في الصحيحين: «خالفوا المشركين، أحفوا الشوارب وأوفوا اللحى»، وروى أبو داود عن شداد بن أوس أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: «خالفوا اليهود، فإنهم لا يصلون في نعالهم ولا في خفافهم»، وروى مسلم في صحيحه أن الرسول صلى الله عليه وسلم قال: «فصل ما بين صيامنا وصيام أهل الكتاب أكلة السحر»، وروى أبو داود وابن ماجه والحاكم وصححه أنه صلى الله عليه وسلم قال: «لا يزال الدين ظاهرًا ما عجل الناس الفطر؛ لأن اليهود والنصارى يؤخرون»، حتى قال اليهود: ما يريد هذا الرجل أن يدع من أمرنا شيئًا إلا خالفنا فيه. رواه مسلم في صحيحه.

وفي العادات والآداب من اللباس والزيِّ، والزينة والطعام، وطريقة إلقاء السلام، والجلوس والاضطجاع، والأكل بالشمال، والتختم بالذهب، وإسبال الثياب، وحمل الصور، واصطحاب الكلاب.

عباد الله: إن التشبُّهَ بالكفار في عقائدهم وعباداتهم وعاداتهم إظهارٌ لأديانهم الباطلة وعباداتِهم الفاسدة ونشرٌ لها، والتشبُّهُ بالعادات والصفات إهانةٌ للأمة وشعور بالضعف والذلة والتبعية والدونية. والله سبحانه ينادي: ﴿وَأَنَّ هَذَا صِرَاطِي مُسْتَقِيماً فَاتَّبِعُوهُ وَلاَ تَتَّبِعُوا السُّبُلَ فَتَفَرَّقَ بِكُمْ عَن سَبِيلِهِ ذَلِكُمْ وَصَّاكُم بِهِ لَعَلَّكُمْ تَتَّقُونَ﴾ .

الخطبة الثانية :

الحمد لله:

أيّها المسلمون، في مَنظومَةِ تيَّارات العَولمة التي تحمِل الغثَّ والسمين، وتحمِل في طيَّاتها نَسفَ قِيَم المسلمين ومبادئ دينهم وثوابتِ شريعتهم، وتحتَ شعاراتٍِ برَّاقة تتضمَّن بثَّ عَفَن المدنيّة الغربية، وتسعى لإذابة الفوارق الدينيَّة ومَسخِ الشخصيّة الإسلامية، في خِضَمّ هذا الطوفان الذي لا ساحِلَ له يتسارَع إلى مجتمعاتِ المسلمين ظواهِرُ خطيرة وسلوكيّاتٌ قبيحة، تنذِر بخطرٍ عظيم وتهدِّد بشرٍّ جسيم، إنها ظواهِر التشبُّه بغير المسلمين من الأمَم الكافرة أو المبادئ الإلحاديّة الخاوِيَة، ظواهِرُ متنوِّعة المجالات ومختَلِفة الاتجاهات، ومنها التشبُّه بالكفار في الأفكار والثَّقافات، وفي السُّلوكيّات والعادات والعبادات ، ومحاكاتهم في الهيئات والحرَكات والصِّفات ممّا لا تُحصى أشكاله ولا تُعَدّ أنواعُه من تقليعاتٍ وموضات؛ ظنًّا أنّ ذلك من التحضُّر والتمدُّن والأناقة والتجمّل، وهو في الحقيقةِ تضييعٌ للشّخصيّة وإذابة للهويّة، من باب تبعيّة المغلوب للغالب والضعيفِ بالقوي، جرَّه ضعفُ الإيمان وانحرافُ التربية ونقصان التعليم.

التشبه بالكفار مرض خطير وآثاره سيئة على المسلمين؛ لأن التشبه بالغير في أصله نابع من تفضيل الإنسان هيئة غيره على هيئة نفسه، وهذا فيه كفران للنعمة التي اختص الله تعالى بها الفرد أو المجتمع، وحينما تتشبه الأمة المسلمة بغيرها من الأمم فكأنها بذلك تعلن أن هيئة تلك الأمة الكافرة خيرٌ لها من هيئتها التي كرمها الله جل وعلا بها.

إن كثيرًا من شبابنا اليوم يعيشون تشبُّهًا يقود إلى الذوبان والانحلال والتهتُّك، بل يقود إلى الفسوق والفجور والحرية المتفلِّتة والاختلاط المحرم، وقبول التبرج والسفور، وإبداء الزينة المحرمة.

خرجت أجيال من المسلمين لا تفكّر إلا بعقول الأعداء، ولا تبصر إلا بأعينهم، راسخٌ في نفوسها أن الحق هو ما جاء من عند عدوها، ومقاييس الحق والصدق والأدب ما قررته نظريات الغرب ومناهجه.

عباد الله : قلبوا أبصاركم في تصرفات بعض شبابنا اليوم، ترون بعضها نابع من تقليد سقطة الغرب ، فترى عددًا من شباب الأمة ، يرتدون قمصانا تعجّ بالكلمات الأعجمية وقد يكون منها ما هو دعوة للزنا أو الحرام ،وبعضها تحمل الصليب، ويعلق بعضهم على صدره صور أهل الشذوذ الجنسي والعفن الفني، ويرتد إليك طرفك وهو حسير حينما ترى السلاسل حول رقابهم، والأساور في معاصمهم، والحلق في آذانهم، ناهيك عن أسماء البناطيل فهذا طيحني، وذاك يا بابا سامحني ، أما الكدش فإنه اسم لآخر الصرخات إنها الشعور الطويلة التي لا تكاد ترى وجه صاحبها ، وبعضهم يربط شعره كما تربط المرأة شعرها ، في تشبه واضح لبعض الرجال بالنساء وتشبه بعض النساء بالرجال وقد لعن عليه الصلاة والسلام المتشبهين من الرجال بالنساء والمتشبهات من النساء بالرجال.

أصلح الله الحال، وهدى النفوس لطاعته والجوارح لمرضاته.