الدجال

بسم الله الرحمن الرحيم

فتنة المسيح الدجال

الحمد لله

فأوصيكم ونفسي بتقوى الله عز وجل ، فاتقوا الله ما استطعتم واسمعوا وأطيعوا ﴿ يَا قَوْمِ إِنَّمَا هَذِهِ الْحَيَاةُ الدُّنْيَا مَتَاعٌ وَإِنَّ الآخِرَةَ هِيَ دَارُ الْقَرَارِ 

عباد الله :

إن الإيمان بما صح به النقل من كتاب ربنا جل وعلا وسنة نبينا ، واجب متحتم ، وفرض لازم ، فيما شاهدنا أو غاب عنا ، نعلم أنه صدق وحق ، سواءٌ في ذلك ما عقلناه وما لم نعقله ، وما اطلعنا عليه وما لم نطلع على حقيقته ومعناه ، من أنباء الإسراء والمعراج ، وأشراطِ الساعة ، وأماراتِ يومِ القيامة ، وأحوال الآخرة ، وأهوال يوم الحشر ، كلُ ذلك مما صحت به الأخبار من آي الكتاب وبينه نبينا محمد ووضحه قال سبحانه : ﴿ فَهَلْ يَنظُرُونَ إِلاَّ السَّاعَةَ أَن تَأْتِيَهُمْ بَغْتَةً فَقَدْ جَاءَ أَشْرَاطُهَا فَأَنَّى لَهُمْ إِذَا جَاءَتْهُمْ ذِكْرَاهُمْ ﴾ وقال : ﴿ اقْتَرَبَتِ السَّاعَةُ وَانشَقَّ الْقَمَرُ﴾ وقال : ﴿ وَمَا يُدْرِيكَ لَعَلَّ السَّاعَةَ تَكُونُ قَرِيبًا ﴾ .

وفي الصحيحين من حديث حذيفة بن اليمان قال : " لقد خطبنا رسول الله خطبة ما ترك فيها شيئا إلى قيام الساعة إلا ذكر ه ، علمه من علمه وجهله من جهله ، وإن كنت لأرى الشيء قد نسيته فأعرفه كما يعرف الرجل الرجل إذا غاب عنه فرآه يعرفه " .

عباد الله : ولما كان أمر الساعة شديدا ، وهولها مزيدا ، وأمرها قريبا ليس بعيدا ، كان الاهتمام بشأنها أكبر ، وبيان النبي لها أجلى وأبين ، فقد أكثر عليه الصلاة والسلام من بيان أشراطها  وأماراتها ، وأخبر عما بين يديها من الفتن القريبة والبعيدة ، ونبه أمته وحذرها ؛ ليتأهبوا لتلك العقبة العظيمة . أخرج البخاري من حديث أم سلمة قالت : استيقظ النبي ليلة فزعا وهو يقول : « لا إله إلا الله ، ماذا أنزل الليلة من الفتن ! ماذا أنزل من الخزائن ! من يوقظ صواحب الحجرات ؟ - يعني زوجاته ، من أجل الصلاة من الليل – رب كاسية في الدنيا عارية يوم القيامة » عباد الله :

  إن بين يدي الساعة فتنة مخيفة هي أعظم الفتن ، ليس فتنة صغيرة ولا كبيرة إلا تصغر أمامها ، وما تكون فتنة – حتى تقوم الساعة – أكبر منها . إنها فتنة المسيح الدجال ، كما قال النبي فيما أخرج مسلم من حديث عمران بن حصين : « ما بين خلق آدم إلى قيام الساعة أمرٌ أكبرُ من الدجال ».

ولما كان نبينا آخرَ الأنبياء ، وأمته آخرَ الأمم ، وتقرر أن الدجال سيخرج في آخر هذه الأمة ، قال صلى الله .. فيه قولا بليغا ، لم يقله نبي من الأنبياء قبله لأمته ، فبين صفته ، ونبه على أنواع فتنته ، وجلى أمره ، ليكون المسلم على بينة منه ، ومعرفة بسبيل العصمة من فتنته ، والنجاة من شبهه .

 ومن ذلك ما ثبت في الصحيحين عن عبد الله بن عمر قال : قام رسول الله في الناس فأثنى على الله بما هو أهله ثم ذكر الدجال فقال : « ألا أنذر كموه ؟ ما من نبي إلا وقد أنذر قومه ، ولكني سأقول لكم فيه قولا لم يقله نبي لقومه : إنه أعور وإن ربكم ليس بأعور » زاد مسلم في روايته « مكتوب بين عينيه كافر ،  يقرؤه كل مؤمن كاتب وغير كاتب » .

 عباد الله :

إن فتنته لعظيمة حتى قال عليه .. فيما أخرجه الإمام أحمد : « من سمع بالدجال فلينأ عنه ، فوا لله إن الرجل ليأتيه وهو يحسِب أنه مؤمن فيتبعه ؛ مما يبعث معه من الشبهات » .

وإن من فتنته : أنه لا يبقى شيء من الأرض إلا سيطؤه الدجال ويظهر عليه ، إلا مكة والمدينة ، فلا يأتيها من نقب من نقابها إلا لقيته الملائكة ، صافين يحرسونها ، ثم ترجف المدينة بأهلها ثلاث رجفات ، فيخرج الله منها كلَ كافر ومنافق ، كما في البخاري عن أنس .

عباد الله :

ومن المخيف ، وعظيم الفتنة ، أنه يخرج في خفة من الدين ، وإدبار من العلم ، واختلاف بين الناس وفرقة ، وإن لقرب وقته وإبان خروجه علامات وأسبابا يتلو بعضهن بعضا حذو النعل بالنعل ، من التهاون بالصلوات ، وإضاعة للأمانات ، وفتن يكون الظلم فيها فخرا ، ويفشو الزنا ، ويظهر الربا ، وتقطع الأرحام ، وتتخذ القينات أي المغنيات ، وتشرب الخمور ، وتنقض العهود ، وتؤكل الرشوة ، وتتجر المرأة مع زوجها حرصا على الدنيا ، ويلتمس الفقه لغير الدين ، وتنقض عرى الإسلام عروةً عروةً ، وتكون الدنيا بيد لكع ابن لكع – وهو الأحمق اللئيم – وترى الحفاة العراة العالة رعاء الشاء يتطاولون في البنيان

ومن أعظم الفتن أنه لا يخرج الدجال حتى يذهل الناس عن ذكره ، وحتى يترك الأئمة ذكره على المنابر ، كما خرج ذلك الإمام أحمد . وفي هذه الأحوال المد لهمة ، يبعث الله الدجال ، فيسلط عليهم ، وينحاز المؤمنون إلى بيت المقدس ، واستمعوا عباد الله إلى هذا الحديث الجامع الذي خرجه الإمام مسلم في صحيحه عن النواس بن سِمعان قال : ذكر رسول الله الدجال ذات غداة ، فخفض فيه ورفع ، حتى ظنناه في طائفة النخل ، فلما رجعنا إليه عرف ذلك فينا فقال : " ما شأنكم ؟ قلنا يا رسول الله : ذكرت الدجال غداة فخفضت فيه ورفعت ، حتى ظنناه في طائفة النخل . فقال : « غيرُ الدجال أخوفُني عليكم ، إن يخرج وأنا فيكم فأنا حجيجه دونكم ، وإن يخرج ولست فيكم فكل امرئ حجيج نفسه ، والله خليفتي على كل مسلم : إنه شاب قطط – يعني جعدَ شَعَرِ الرأس – عينه طافئة ،كأني أشبهه بعبد العُزى بن قطن ، فمن أدركه منكم ، فليقرأ عليه فواتح سورة الكهف ، إنه يخرج من خَلة بين الشام والعراق ، فعاث يمينا ، وعاث شمالا . يا عباد الله فاثبتوا .» قلنا يا رسول الله وما لَبْثُه في الأرض ؟ قال :« أربعون : يوم كسنة ، ويوم كشهر ، ويوم كجمعة ، وسائر أيامه كأيامكم » قلنا يا رسول الله : فذلك اليوم الذي كسنة أتكفينا فيه صلاة يوم ؟ قال :« لا . اقدروا له قدره » قلنا يا رسول الله : وما إسراعه في الأرض ؟ قال :« كالغيث استدبر ته الريح ، فيأتي على القوم فيدعوهم فيؤمنون به ويستجيبون له فيأمر السماء فتمطر ، والأرض فتنبت ، فتروح عليهم سارحتهم أطول ما كانت ذُرا وأسبغَه ضروعا ، وأمده خواصر ، ثم يأتي القوم فيدعوهم ، فيردون عليه قوله ، فينصرف عنهم فيصبحون ممحلين ليس بأيديهم شيء من أموالهم ، ويمر بالخربة فيقول لها : أخرجي كنوزك . فتتبعه كيعاسيب النحل ، ثم يدعو رجلا ممتلئا شبابا فيضربه بالسيف ، فيقطعه جزلتين رمية الغرض ، ثم يدعوه فيقبل  يتهلل وجهه يضحك ، فبينما هو كذلك ، إذ بعث الله المسيح ابن مريم ، فينزل عند المنارة البيضاء شرقيَ دمشق بين مهرودتين – أي حلتين – واضعا كفيه على أجنحة ملكين إذا طأطأ رأسه قطر ، وإذا رفعه تحدر منه جمان كاللؤلؤ ، فلا يحل لكافر يجد ريح نفسه إلا مات ، ونفسه ينتهي حيث ينتهي طرفه ، فيطلبه حتى يُدركَه بباب لد فيقتله ، ثم يأتي عيسى بنَ مريم قومٌ قد عصمهم الله منه ، فيمسح عن وجوههم ويحدثهم بدرجاتهم في الجنة …إلخ »

عباد الله : هذا هو الدجال ، وهذا شيء من خبره، كل ذلك من أنباء الغيب نؤمن به ، لما قام عليه من الدليل والبرهان ، فأهل العلم والإيمان يؤمنون بما جاء من عند ربهم ، وأخبر به نبيهم وتطمئن به قلوبهم ، وتنشرح به صدورهم ﴿ يَقُولُونَ آمَنَّا بِهِ كُلٌّ مِّنْ عِنْدِ رَبِّنَا وَمَا يَذَّكَّرُ إِلاَّ أُولُو الألْبَابِ﴾ بارك الله

الخطبة الثانية :

الحمد لله وكفى ، والصلاة والسلام على عباده الذين اصطفى ، وخاتمهم محمد .. الذي وفى    أما بعد :

فلقد كان السلف الصالح رضوان الله عليهم يداومون على تعليم تلك الأخبار والأحاديث ، يذكرون بها الناس ؛ لما لها من الأثر الكبير في إصلاح الأعمال وحياة القلوب .

وإن التقصيرَ في العلم ِبها والاطلاعِ عليها يورث الغفلة ، ويوقع في سوء العمل . ومن ثم تنسى تلك الحقائق على طول الزمن .

بل لقد كان السلف الصالح رحمهم الله يعلمونها أولادهم  ، أخرج البخاري ومسلم من حديث ابن عباس قال كان رسول الله .. يعلمنا هذا الدعاء كما يعلمنا السورة من القرآن يقول :« قولوا : اللهم إني أعوذ بك من عذاب جهنم ، وأعوذ بك من عذاب القبر ، وأعوذ بك من فتنة المسيح الدجال ، وأعوذ بك من فتنة المحيا والممات »  .

وقال الإمام السفا ريني : ينبغي لكل عالم أن يبث أحاديث الدجال بين الأولاد والنساء والرجال . قال : ولا سيما في هذا الزمان الذي اشرأبت فيه الفتن ، وكثرت فيه المحن ، واندرست فيه معالم السنن ، وصارت السنن فيه كالبدع ، والبدعة شرعةً تتبع ا.هـ

فكيف بنا في هذا الزمان الذي أصبح الحليم فيه حيرانا : تعددت الفتن ، وتنوعت المعاصي ،وازدادت الشبهات ، وقل العلماء ، وكثر المتكلمون ، وانتشرت القنوات ، وذل المسلمون ، وتسلط الكافرون ، وضيعت الأمانات ، وتركت الصلوات .

فاتقوا الله عباد الله ، واحذروا فتنة عدوا الله ، واعلموا أنه لا عصمة لكم ولا نجاة إلا بالتمسك بكتاب ربكم وسنة نبيكم ..

ومن ذلك :  أن تتعوذوا من فتنته دبر كل صلاة قائلين :« اللهم إني أعوذ بك من عذاب جهنم ، وأعوذ بك من عذاب القبر ، وأعوذ بك من فتنة المسيح الدجال ، وأعوذ بك من فتنة المحيا والممات »  .

ومن ذلك : حفظ عشر آيات من سورة الكهف كما أخرج مسلم من حديث أبي الدر داء أن النبي ..قال :« من حفظ عشر آيات من سورة الكهف عصم من الدجال » وفي رواية له :« من أدركه فليقرأ فواتح الكهف » زاد أبو داود :« فإنها جِواركم من فتنته »

ومن أسباب العصمة منه : الإعراضُ عن الكذب والكذابين ، والحذرُ من تلبيسا تهم وشبها تهم ، والابتعاد عن أصناف المخترعات التي تهدف إلى تضليل الناس ، وإيقاعهم في الحيرة والالتباس ﴿وَكَيْفَ تَكْفُرُونَ وَأَنْتُمْ تُتْلَى عَلَيْكُمْ آيَاتُ اللهِ وَفِيكُمْ رَسُولُهُ ..﴾ ثم بادروا رحمكم الله بالأعمال الصالحة كما أرشد إلى ذلك نبيكم .. فيما أخرجه الترمذي والحاكم من حديث أبي هريرة أن النبي ..قال :« بادروا بالأعمال سبعا ، هل تنتظرون إلا فقرا منسيا ؟ أو غنى مطغيا ؟ أو مرضا مفسدا ؟ أو هرما مفندا ؟ أو موتا مجهزا ؟ أو الدجال فشر غائب ينتظر ؟ أو الساعة ! والساعة أدهى وأمر »

وقانا الله وإياكم فتنته وسائر الفتن ما ظهر منها وما بطن ……..