لا إله إلا الله

بسم الله الرحمن الرحيم

لا إله إلا الله

فيا عباد الله، إن المقصود الذي من أجله خلق الله السماواتِ والأرض والجنة والنار، وبه أنزلتِ الكتب، وبه أرسلتِ الرسل، وبه قامتِ الحدود، وبه شرعتِ الشرائع وبه شرع الجهاد، وبه انقسمتِ الخليقة إلى السعداءِ والأشقياء، وبه حقتِ الحاقة ووقعتِ الواقعة، وبه وضعتِ الموازين القسط، ونصب الصراط، وقام سوق الجنةِ والنّار، وبه عبِد ربّ العالمين وحمِد، وعنه السؤال في القبرِ ويوم البعثِ والنشور، وبه الخصام، وإليه المحاكمة، وفيه الموالاة والمعاداة. إنه التوحيد الذي هو حق الله على العبيدِ: قال تعالى: ﴿وَمَا خَلَقْتُ الجِنَّ وَالإِنسَ إِلاَّ لِيَعْبُدُونِ (56) مَا أُرِيدُ مِنْهُم مِّن رِّزْقٍ وَمَا أُرِيدُ أَن يُطْعِمُونِ (57) إِنَّ اللَّهَ هُوَ الرَّزَّاقُ ذُو القُوَّةِ المَتِينُ﴾ ومعنى الآيةِ: أن الله تعالى أخبر أنه ما خلق الإنس والجن إلا لعبادته، فهذا هو مقصود خلقهم والحكمة منه، ولم يرِدْ منهم ما تريده السادة من عبيدها من الإعانةِ لهم بالرِّزقِ والإطعامِ، بل هو الرزّاق ذو القوةِ المتين، الذي يطعم ولا يطعم

عباد الله، إن العبد إذا علِم أن الله هو مالك الملكِ ومدبِر الأمر، وأنه خالق السماواتِ والأرض وأنه ينزِّل من السماء ماء فينبت به حدائِق ذات بهجةٍ وأنه جعل الأرض قرارا وجعل خلالها أنهارا وجعل لها رواسي وجعل بين البحرينِ حاجزا وأنه يجيب المضطر إذا دعاه ويكشف السوء ، وأنه يهديكم في ظلماتِ البرِ والبحرِ ويرسل الرياح بشرا بين يدي رحمته وأنه يبدأ الخلق ثم يعيده ويرزقكم من السماء والأرضِ. إذا علمتم عباد الله ذلك كلِّه وأقررتم به فاعلموا أن ذلك لا يكفي فإن هذا الإقرار قد أقر به المشركون من قبل، قال تعالى في حقِ المشركين: ﴿وَلَئِن سَأَلْتَهُم مَّنْ خَلَقَ السَّمَوَاتِ وَالأَرْضَ لَيَقُولُنَّ اللَّهُ قُلْ أَفَرَأَيْتُم مَّا تَدْعُونَ مِن دُونِ اللَّهِ إِنْ أَرَادَنِيَ اللَّهُ بِضُرٍّ هَلْ هُنَّ كَاشِفَاتُ ضُرِّهِ أَوْ أَرَادَنِي بِرَحْمَةٍ هَلْ هُنَّ مُمْسِكَاتُ رَحْمَتِهِ قُلْ حَسْبِيَ اللَّهُ عَلَيْهِ يَتَوَكَّلُ المُتَوَكِّلُونَ﴾ .

إن مشركي العربِ كانوا يقرون بربوبيةِ الله، وأنه الخالق وأنه الرازق وأنه المانع والضار والنافع، ولكن جعلوا مع الله آلهة أخرى عبدوها من دونِ الله قربوا لها القرابين واعتقدوا فيها النفع والضر، وعبدوا الجن من دونِ الله ﴿وَأَنَّهُ كَانَ رِجَالٌ مِّنَ الإِنسِ يَعُوذُونَ بِرِجَالٍ مِّنَ الجِنِّ فَزَادُوَهُمْ رَهَقاً﴾ وجعلوا تقليد الآباءِ دينا يدينون به ﴿وَكَذَلِكَ مَا أَرْسَلْنَا مِن قَبْلِكَ فِي قَرْيَةٍ مِّن نَّذِيرٍ إِلاَّ قَالَ مُتْرَفُوهَا إِنَّا وَجَدْنَا آبَاءَنَا عَلَى أُمَّةٍ وَإِنَّا عَلَى آثَارِهِم مُّقْتَدُونَ﴾ .

فإن التوحيد المقصود عباد الله الذي من أجله أرسل الله رسله هو توحيد العبادةِ، والذي حقيقته هو انجذاب الروحِ إلى الله تعالى محبة وخوفا، وإنابة وتوكلا، ودعاء وإخلاصا وإجلالا وهيبة وتعظيما وعبادة.

وبالجملة فلا يكون في قلبِ العبدِ شيءٌ لغير الله، ولا إرادةٌ لما حرم الله ولا كراهةٌ لما أمر الله؟ وذلك هو حقيقة لا إله إلا الله. فمن طاف بالقبرِ وقرب له وسأل صاحبه من دون الله فهو مشركٌ، وإن قال لا إله إلا الله، ومن أحب غير الله مع الله فقد أشرك في محبةِ الله قال تعالى: ﴿وَمِنَ النَّاسِ مَن يَتَّخِذُ مِن دُونِ اللَّهِ أَندَاداً يُحِبُّونَهُمْ كَحُبِّ اللَّهِ﴾ ومن اعتقد في مخلوقٍ نفعٍ أو ضرٍ من دون الله فقد أشرك بالله، ومن اعتقد أن أحدا يعلم شيئا من الغيب غير الله فقد كفر، ومن أتى كاهنا أو عرافا فصدقه ، فقد كفر بما أنزل على محمد.

فالتوحيد التوحيد عباد الله: إنه أفضل طِلبة، وأعظم رِغبة، وأشرف نِسبة، وأسمى رتبة، هو وسيلة كلِ نجاح، وشفيع كلِ فلاح، يصيِّر الحقير شريفا، والوضيع غضريفا، يطِّول القصير، ويقدِّم الأخير، ويعلي النازل، ويشهر الخامل، ما عزت دولةٌ إلا بانتشاره، وما ذلت إلا باندثاره.

وإن معظم الشرورِ والنكبات التي أصابتِ الأمة الإسلامية، وأشد البلايا التي حلت بها، كانت بسبب ضعف التوحيد في النفوس، فمن مفتونٍ بالتمائمِ والحروز، ومن الناس من افتتن بالمشعوذين والدجاجلة الأفاكين، ومنهم من هو مفتونٌ بمستقبل الأبراجِ . جاء في الصحيحين عن ابن مسعودٍ قال: قلت يا رسول الله أي الذنب أعظم عند الله؟ قال: «أن تجعل لله ندا، وهو خلقك» عباد الله، إن من تمام التوحيدِ محبة ما يحبه الله وبغض ما يبغضه الله. ومن حقق التوحيد الخالص نال السعادة في الدنيا والآخرة قال صلى الله عليه وسلم: «من قال لا إله إلا الله مخلصا دخل الجنة».