الخشوع في الصلاة

بسم الله الرحمن الرحيم

الخشوع في الصلاة  الجمعة : 9/7/1422هـ

الحمد لله

﴿ قَدْ أَفْلَحَ الْمُؤْمِنُونَ * الَّذِينَ هُمْ فِي صَلاَتِهِمْ خَاشِعُونَ ﴾ عباد الله  : الصلاة آكد أركان الإسلام بعد الشهادتين ، لها في الدين المكانة العظمى ، والأهمية الكبرى ، هي الفاصل بين المسلمين والكافرين ، والعهد الذي بينهم وبين المؤمنين ، من تركها كفر ، من حفظها وحافظ عليها حفظ دينه  وعصم دمه،  وحسابه على الله تعالى ، ومن ضيعها وفرط فيها فهو لما سواها أضيع ، هي أول ما يحاسب عليه العبد من عمله ، وآخر ما يفقد الناس من دينهم ، والخشوع فيها من مطالب الشريعة النفيسة ، والأمنيات  العزيزة ،  قال ابن مسعودٍ - رضي الله عنه – عند قول الله تعالى : ﴿ أَلَمْ يَأْنِ لِلَّذِينَ آمَنُوا أَن تَخْشَعَ قُلُوبُهُمْ لِذِكْرِ اللهِ وَمَا نَزَلَ مِنَ الْحَقِّ وَلاَ يَكُونُوا كَالَّذِينَ أُوتُوا الْكِتَابَ مِن قَبْلُ فَطَالَ عَلَيْهِمُ الأمَدُ فَقَسَتْ قُلُوبُهُمْ وَكَثِيرٌ مِّنْهُمْ فَاسِقُونَ ﴾ قال : (ما كان بين إسلامنا وبين أن عاتبنا الله بهذه الآية إلا أربع سنين) . الخشوع : روح الصلاة ولبها ، قال بعض السلف : (الصلاة بلا خشوع ولا حضور قلب كالجثة الهامدة بلا روح) . والخشوع حالة في القلب تنبع من أعماقه مهابة لله وتوقيراً له ، وتواضعاً في النفس وتذللاً ، يورث انكساراً بين يدي الرب ، وحرقةً من المعاصي والسيئات ، لأن القلب إذا خشع سكنت خواطره ، وترفعت عن الأمور الدنيئة همته ، وتجرد من اتباع الهوى مسلكه ، ينكسر ويخضع لله ، ويزول ما فيه من التعاظم والترفع ، والتعالي والتكبر.    الخشوع : هو السكون والطمأنينة والتؤدة والوقار ، والتواضع والخضوع . والحامل عليه : الخوف من الله ومراقبته في السر والعلن .  والخشوع في الصلاة : إنما يحصل لمن فرغ قلبه لها ، واشتغل بها عما عداها ، وآثرها على غيرها ، وحينئذ تكون له راحة وقرة عين ، كيف لا ؟ وقد قال النبي  صلي الله عليه وسلم : « وجعلت قرة عيني في الصلاة » رواه أحمد وهو صحيح . عباد الله : لقد ذكر الله الخاشعين والخاشعات في صفات المتقين الذين أعد الله لهم المغفرة والأجر العظيم . وأخبر سبحانه وتعالى عن أعظم فائدة للخشوع ، وهي تخفيف أمر الصلاة ، وجعلها عوناً للعبد على الطاعة ، وحفظ الجوارح عن الحرام والفواحش ، ﴿ وَاسْتَعِينُوا بِالصَّبْرِ وَالصَّلاَةِ وَإِنَّهَا لَكَبِيرَةٌ إِلاَّ عَلَى الْخَاشِعِينَ * الَّذِينَ يَظُنُّونَ أَنَّهُم مُّلاَقُو رَبِّهِمْ وَأَنَّهُمْ إِلَيْهِ رَاجِعُونَ﴾ . وفي فضل الخشوع ووعيد من تركه يقول النبي صلي الله عليه وسلم : « خمس صلوات افترضهن الله تعالى ، من أحسن وضوءهن وصلاهن لوقتهن وأتم ركوعهن وخشوعهن كان له على الله عهدٌ أن يغفر له ، ومن لم يفعل فليس له على الله عهدٌ ، إن شاء غفر له ، وإن شاء عذبه » رواه أبو داود وابن ماجه وهو صحيح .

وقال النبي صلي الله عليه وسلم : « ما من مسلم يتوضأ فيحسن وضوءه ، ثم يقوم فيصلي ركعتين مقبل عليهما بقلبه ووجهه إلا وجبت له الجنة »  رواه مسلم

عباد الله : لقد حذر المصطفى  صلي الله عليه وسلم من نقر الصلاة ، وعدم الخشوع فيها ، فليس للإنسان   من صلاته إلا ما عقل منها ، وإن العبد ليصلي الصلاة ، ثم ينصرف منها ما يكتب له منها إلا عشرها ، تسعها ، ثمنها ، سبعها ، سدسها ، خمسها ، ربعها ، ثلثها ، نصفها . رواه أحمد في          عباد الله : الخشوع واجب من واجبات الصلاة ، عظيم شأنه ، سريع فقده ، نادر وجوده ، لا سيما , في آخر الزمان مع فساد الأحوال . وقد ورد أن الخشوع أول ما يرفع من الأرض ، فقد قال النبي صلي الله عليه وسلم : « أول علم يرفع من الناس الخشوع ، يوشك أن تدخل مسجد جماعة فلا ترى فيه رجلاً خاشعاً » رواه الترمذي وأحمد والدارمي . قال حذيفة بن اليمان رضي الله عنه - : (أول ما تفقدون من دينكم الخشوع ، وآخر ما تفقدون الصلاة ، ورب مصل لا خير فيه ، ويوشك أن تدخل المسجد فلا ترى فيهم خاشعاً) . والخشوع في الصلاة إنما هو خضوع الجوارح بين يدي الله تعالى ، وخروج القلب عن التعلق بغير الله ، واستحضار عظمة الصلاة وعظمة من يقف العبد بين يديه ، والتعقل والتفهم لكل حركة وسكنة في الصلاة ، وكثيريتساءلون : ما بال بعض الناس يؤدون الصلاة ، فلا تأمرهم . بمعروف ، ولا تنهاهم عن منكر وفحشاء , وقد قال الله سبحانه : ﴿ اتْلُ مَا أُوحِيَ إِلَيْكَ مِنَ الْكِتَابِ وَأَقِمِ الصَّلاَةَ إِنَّ الصَّلاَةَ تَنْهَى عَنِ الْفَحْشَاءِ وَالْمُنْكَرِ وَلَذِكْرُ اللهِ أَكْبَرُ وَاللهُ يَعْلَمُ مَا تَصْنَعُونَ ﴾ . والجواب في خلاصة  : أنهم يؤدون صلاة بلا روح ، لا خشوع فيها ولا طمأنينة ، قد استحوذ على نفوسهم الهوى والشيطان ، قلوبهم خاوية ، وأرواحهم بالدنيا متعلقة ، ونفوسهم بالأموال والأهلين مشغولةٌ ، لا في ركوعٍ يعتدلون ، ولا في سجودٍ يطمئنون ، ولا بآية يتعظون . لما سمع بعض السلف قول الله تعالى ﴿ يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لاَ تَقْرَبُوا الصَّلاَةَ وَأَنْتُمْ سُكَارَى حَتَّى تَعْلَمُوا مَا تَقُولُونَ .. ﴾ قال « كم من مصل لم يشرب خمراً ، وهو في صلاته لا يعلم ما يقول ، قد اسكرته الدنيا بهمومها » . فأين الخشوع عباد الله : ممن ينقر صلاته  ، يتأمل في الجدران ، ويهيم في الوديان ، قلبه معلق بالدنيا ، لا يبرم حساباته ، ولا يقضي أشغاله ، ولا يجهز خططه وأفكاره لأمور دنياه إلا وهو واقف بين يدي الله في الصلاة ، فإذا سلم الإمام من الصلاة خرج من المسجد مسرعاً كأنما أطلق سراحه من سجن طويل ، لا يذكر الله بعد صلاته ، ولا يستغفره لتقصيره فيها ، فضلاً عن أن يأتي بسنن الصلاة ورواتبها . ألا فاتقوا الله رحمكم الله في صلاتكم ، بارك الله لي ولكم

الخطبة الثانية :

الحمد لله

أما بعد : فاتقوا الله أيها المسلمون ، وحافظوا على الخشوع في صلاتكم واعلموا رحمكم الله أن هناك أموراً تعين على الخشوع في الصلاة ، وهي كثيرة ، من أبرزها : تذكر الموت ، وأن يصلي المسلم صلاة مودع للدنيا لا صلاة له بعدها  ، روى الإمام أحمد وغيره بسند حسن أن النبي  صلي الله عليه وسلم   قال لأحد أصحابه : « إذا قمت في صلاتك فصل صلاة مودع ـ ولا تكلم بكلام تعتذر منه غداً ، واجمع الإياس مما في يدي الناس »  

ومما يعين على الخشوع في الصلاة : تدبر الآيات المقروءة فيها ، وكثيراً ما كان السلف الصالح  رضوان اله عليهم  يقوم الواحد منهم بآية واحدة حتى الفجر ، يرددها ويتدبرها ويبكي من خشية الله ، مقتفين آثار نبيهم  صلي الله عليه وسلم الذي قال عنه حذيفة ابن اليمان  رضي الله عنه- : « صليت مع النبي صلي الله عليه وسلم ذات ليلة ، فافتتح البقرة ، فقلت : يركع عند المائة ، ثم مضى ، فقلت : يصلي بها في ركعة ، فمضى ، فقلت : يركع بها ثم افتتح النساء فقرأها ، ثم افتتح آل عمران فقرأها ، يقرأ مترسلاً ، إذا مر بآية فيها تسبيح سبح ، وإذا مر بسؤال سأل ، وإذا مر بتعوذ تعوذ » وعند أحمد : أنه صلي الله عليه وسلم قام ليلة بآية يرددها حتى أصبح ، وهي قول الله تعالى ﴿ إِن تُعَذِّبْهُمْ فَإِنَّهُمْ عِبَادُكَ وَإِن تَغْفِرْ لَهُمْ فَإِنَّكَ أَنتَ الْعَزِيزُ الْحَكِيمُ ﴾ ومما يعين على الخشوع في الصلاة التعوذ بالله من الشيطان الرجيم ، أتى عثمان بن أبي العاص رضي الله عنه  فقال : يا رسول الله ! إن الشيطان قد حال بيني وبين صلاتي وقراءتي ، يلبسها علي . فقال رسول الله صلي الله عليه وسلم : « ذاك شيطان يقال له خنزب ، فإذا أحسسته فتعوذ بالله منه واتفل على يسارك ثلاثاً » . قال : ففعلت ذلك فأذهبه الله رواه مسلم . ومما  أيعين على الخشوع في الصلاة يا عباد الله : مدافعة الشواغل والموانع التي تصرف عن الخشوع ،فلا يصلي في مكان مزعج ، أو أمام نقوش وتصاوير وألوان وكتابات ، ولا يصلي بحضرة طعام يشتهيه ، ولا يصلي وهو حاقن ، أو يدافعه الأخبثان ، أو قد غلبه النعاس .

ومما يعين على الخشوع أيضاً : الاستعداد للصلاة قبلها ، والحضور للمسجد مبكراً ، ففي ذلك تهيئة للنفس ، وخضوع في القلب .

اللهم إنا نعوذ بك من العجز والكسل ، والجبن والبخل والهرم ، وعذاب القبر ، اللهم آت نفوسنا تقواها ، وزكها أنت خير من زكاها ، أنت وليها ومولاها ، اللهم ،نا نعوذ بك من علم لا ينفع ، ومن قلب لا يخشع ، ومن نفس لا تشبع ، ومن دعوة لا يستجاب لها ??.