تربية الأولاد

بسم الله الرحمن الرحيم

تربية الأولاد

عباد الله: اتقوا الله في جميع أحوالكم؛ فإن تقوى الله خير ما اتصفتم به في حياتكم، وتزودوا به لمعادكم، واحفظوا وصية الله لكم في أولادكم؛ فإنهم من أعظم أماناتكم: ﴿وَالَّذِينَ هُمْ لآمَانَاتِهِمْ وَعَهْدِهِمْ رَاعُونَ (8) وَالَّذِينَ هُمْ عَلَى صَلَوَاتِهِمْ يُحَافِظُونَ (9) أُوْلَئِكَ هُمُ الوَارِثُونَ (10) الَّذِينَ يَرِثُونَ الفِرْدَوْسَ هُمْ فِيهَا خَالِدُونَ﴾ .

عباد الله، يقول الله ـ تعالى ـ: ﴿يُوصِيكُمُ اللَّهُ فِي أَوْلادِكُمْ﴾ ويقول - جل ذكره- : ﴿يَاأَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا قُوا أَنْفُسَكُمْ وَأَهْلِيكُمْ نَاراً وَقُودُهَا النَّاسُ وَالْحِجَارَةُ عَلَيْهَا مَلائِكَةٌ غِلاظٌ شِدادٌ لاَّ يَعْصُونَ اللَّهَ مَا أَمَرَهُمْ وَيَفْعَلُونَ مَا يُؤْمَرُونَ﴾ ويقول  سبحانه : ﴿وَأْمُرْ أَهْلَكَ بِالصَّلاةِ وَاصْطَبِرْ عَلَيْهَا لاَ نَسْأَلُكَ رِزْقاً نَّحْنُ نَرْزُقُكَ وَالْعَاقِبَةُ لِلتَّقْوَى﴾ .

فأوصاكم الله في أولادكم وذويكم خيراً أن تنشئوهم على الطاعة، وأن تجنبوهم المعصية، وأن تأمروهم بالصلاة، وأن تشغلوا أوقاتهم بكل ما تحمد عاقبته، وأن تؤدبوا من خالف الحق واتبع الهوى، عند (حم د) يقول صلى الله عليه وسلم : «مروا أولادكم بالصلاة لسبع سنين، واضربوهم عليها لعشر، وفرقوا بينهم في المضاجع».

عباد الله، إن أول العناية بالأولاد وحفظ الوصية فيهم، أن يسأل كل من الرجل والمرأة ربه أن يرزقه زوجاً يكون له قرة عين، ويطلب من الأزواج مرضيَّ الخلق والدين، يقول الله تعالى في محكم القرآن في معرض الثناء على عباد الرحمن: ﴿وَالَّذِينَ يَقُولُونَ رَبَّنَا هَبْ لَنَا مِنْ أَزْوَاجِنَا وَذُرِّيَّاتِنَا قُرَّةَ أَعْيُنٍ وَاجْعَلْنَا لِلْمُتَّقِينَ إِمَاماً﴾.

وذكر ـ سبحانه ـ عن موسى عليه السلام، وقد رأى من بنات الرجل الصالح الأدب والعفة والبعد عن مظان الريبة، أنه قال: ﴿رَبِّ إِنِّي لِمَا أَنزَلْتَ إِلَيَّ مِنْ خَيْرٍ فَقِيرٌ﴾. فهذا أصل في الضراعة إلى الله تعالى بطلب الزوج الصالح الذي يعين على الطاعة ويصون عن القبائح، وثبت أنه قال صلى الله عليه وسلم للزوج كما في (خ م): «فاظفر بذات الدين تربت يداك»، وقال لأولياء المرأة كما في (ت): «إذا جاءكم من ترضون دينه…».

عباد الله، وثاني تلك الأمور التي هي من أسباب الغبطة والسرور، أن يلح كل من الزوجين على ربهما سؤال الأولاد الصالحين، كما حكى الله عن إبراهيم الخليل أنه قال: ﴿رَبِّ هَبْ لِي مِنَ الصَّالِحِينَ﴾ وقال: ﴿رَبِّ اجْعَلْنِي مُقِيمَ الصَّلاةِ وَمِن ذُرِّيَّتِي﴾ . وقال هو وإسماعيل: ﴿رَبَّنَا وَاجْعَلْنَا مُسْلِمَيْنِ لَكَ وَمِن ذُرِّيَّتِنَا أُمَّةً مُّسْلِمَةً لَّكَ﴾ . وقال سبحانه عن زكريا: ﴿رَبِّ هَبْ لِي مِن لَّدُنكَ ذُرِّيَّةً طَيِّبَةً إِنَّكَ سَمِيعُ الدُّعَاءِ﴾. وقبل ذلك ذكر سبحانه عن الأبوين ـ عليهما السلام ـ أنهما قالا: ﴿لَّئِنْ أَنجَانَا مِنْ هَذِهِ لَنَكُونَنَّ مِنَ الشَّاكِرِينَ﴾ .

فدل ذلك على أن هبة الولد الصالح من أجلِّ النعم وأسبغ ألوان الكرم، كيف لا وابن آدم إذا مات: «انقطع عمله إلا من ثلاث: صدقة جارية، أو علم ينتفع به، أو ولد صالح يدعو له» كما في (م).

عباد الله، ومِن حفظ وصية الله في الأهل والأولاد، أن تخلص الدعاء لهم بالخير جهدك، وأن لا تدعو عليهم أبداً ولو في حال سخطك؛ فإن دعاء الوالد للولد أو عليه مستجاب كما أخبر سبحانه عن إبراهيم أنه دعا له ولذريته فقال: ﴿وَاجْنُبْنِي وَبَنِيَّ أَن نَّعْبُدَ الأَصْنَامَ﴾ . فاستجاب الله له وجعل ذريته أنبياء هداة للأنام، وفي صحيح مسلم عن جابر قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم : «لا تدعوا على أنفسكم، ولا تدعوا على أولادكم، ولا تدعوا على أموالكم، لا توافقوا من الله ساعة يسأل فيها عطاء فيستجيب لكم» كما في (م).

الخطبة الثانية :

 الحمد لله:

أيها الآباء: اعتنوا بأولادكم وربوهم تربية صالحة تكونوا من الشاكرين، ويكونوا لكم ذخرا في الموازين. ولو كانوا في حال الصغر؛ فإن العلم في الصغر كالنقش على الحجر في الثبات وبقاء الأثر، فقد صح أن الحسن بن علي رضي الله عنهما كان طفلاَ صغيرا يحبو على الأرض، فأخذ تمرة من تمر الصدقة فجعلها في فيه، فقال صلى الله عليه وسلم كما في (خ م): «كخ كخ ارم بها، أما علمت أنا لا نأكل الصدقة».

و(خ م ) أيضاً قال عمرو بن سلمة رضي الله عنهما: كنت غلاما في حجر رسول الله صلى الله عليه وسلم ، وكانت يدي تطيش في الصحفة، فقال لي رسول الله صلى الله عليه وسلم : «يا غلام، سمِّ الله -تعالى- ، وكل بيمينك، وكل مما يليك»، فما زالت تلك طعمتي بعد. وقال صلى الله عليه وسلم : «مروا أبناءكم بالصلاة لسبع سنين، واضربوهم عليها لعشر وفرقوا بينهم في المضاجع» .

وأمر صلى الله عليه وسلم أن يفرق بينهم في المضاجع دفعا للمفسدة، وحذرا من الفتنة، وتنبيها للأمة على واجب الصيانة وحفظ الديانة.

عباد الله: ومن حق أولادكم عليكم أن تعدلوا بينهم في العطايا، عند (حم د) قال صلى الله عليه وسلم : «إن لبنيك عليك من الحق أن تعدل بينهم»، وكان السلف يستحبون أن يعدلوا بين أولادهم في القبلة، وأصل ذلك في (خ م) أن أحد الصحابة خص أحد أولاده بصدقة وأراد أن يُشهد النبي صلى الله عليه وسلم عليها فقال له النبي صلى الله عليه وسلم : «أفعلت هذا بولدك كلهم ؟ قال: لا، قال: أفتحب أن يكونوا لك في البر سواء؟ قال: نعم، قال: فاتقوا الله واعدلوا بين أولادكم»، وفي رواية قال صلى الله عليه وسلم : «أشهد على هذا غيري فإني لا أشهد على جور»، وفي لفظ: «إلاَّ على الحق». فرجع ذلك الرجل في صدقته وعدل بين أولاده في عطيته.

وعلى هذا فلزاماً على كل والد أن يفطن لأولاده، فكم رأى الناس من والد يذرف الدمع ويشتكي من عقوق أبنائه له، وقد يكون ذلك الوالد سبباً في سوء نشأة ابنه وأبنائه، فحق لذلك الوالد أن يقال له: فيك الخصام وأنت الخصم والحكم. وكما قال الشاعر:

إذا أنت لم تزرع وأبصرت حاصداً *** ندمت على التفريط في زمن البذر

ألا فاتقوا الله عباد الله، واحفظوا وصية الله لكم في الأولاد، وتذكروا موقفكم ﴿يَوْمَ لاَ يُغْنِي مَوْلًى عَن مَّوْلًى شَيْئاً وَلاَ هُمْ يُنصَرُونَ﴾.