أهمية الصلاة ومكانتها

بسم الله الرحمن الرحيم

أهمية الصلاة ومكانتها

يقول الله سبحانه: ﴿وَاسْتَعِينُوا بِالصَّبْرِ وَالصَّلاةِ﴾ إن أعظم أركان الإسلام بعد تحقيق التوحيد هي الصلاة، وهي عمود الدين، هي شعار الموحدين، هي الفاصلة بين الإسلام والكفر ، الصلاة يؤمر بها كل مسلم بلغ سبع سنين، ولا تسقط عن البالغ سفرًا ولا مرضًا، وهي آخر ما يرفع من الدين كما صح ذلك عن رسول الله صلى الله عليه وسلم . الصلاة هي أول ما يحاسب عليه العبد يوم القيامة، يقول الرسول صلى الله عليه وسلم : «أول ما يحاسب به العبد يوم القيامة صلاته، فإن صلحت صلح له سائر عمله, وإن فسدت فسد سائر عمله» رواه أحمد وأبو داود وغيرهما بأسانيد صحيحة.

عباد الله، إن من فضائل الصلاة أنها هي قرّة عين النبي صلى الله عليه وسلم ، روى الإمام أحمد والنسائي عن أنس رضي الله عنه أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: «حبِّب إلي من دنياكم النساء والطيب، وجعلت قرة عيني في الصلاة».

أيها المسلمون: نحن مأمورون بالخشوع في الصلاة ، فإن القلب إذا خشع، سكنت خواطره، وترفعت عن الإرادات الدنيئة همته، وتجرد عن اتباع الهوى مسلكه، ينكسر ويخضع لله، الخشوع سكون واستكانة، وعزوف عن التوجه إلى العصيان والمخالفة. والخاشعون هم الذين ذللوا أنفسهم، وعودوها أن تطمئنَّ إلى أمر الله وذكره، وتطلب حسن العاقبة، ووعد الآخرة، ولا تغتر بما تزينه الشهوات الحاضرة، والملذات العابرة.

إذا خشع قلب المصلي استشعر الوقوف بين يدي خالقه، وعظمت عنده مناجاته، فمن قدَرَ الأمر حق قدره، واستقرَّ في جنانه عظمة الله وجلاله، وامتلأ بالخوف قلبه، خشع في صلاته، وأقبل عليها، ولم يشتغل بسواها، وسكنت جوارحه فيها، واستحق المديح القرآني ﴿قَدْ أَفْلَحَ المُؤْمِنُونَ (1) الَّذِينَ هُمْ فِي صَلاتِهِمْ خَاشِعُونَ﴾ بالخشوع الحق، يكون المصلون مخبتين لربهم، منكسرين لعظمته خاضعين لكبريائه، خاشعين لجلاله ﴿إِنَّهُمْ كَانُوا يُسَارِعُونُ فِي الخَيْرَاتِ وَيَدْعُونَنَا رَغَباً وَرَهَباً وَكَانُوا لَنَا خَاشِعِينَ﴾ وعند مسلم قال صلى الله عليه وسلم «ما من امرئٍ مسلم تحضره صلاة مكتوبة فأحسن وضوءها وخشوعها وركوعها إلا كانت كفارة لما قبلها من الذنوب، ما لم يؤت كبيرة وذلك الدهر كله» وعن عثمان رضي الله عنه عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه قال: «من توضأ نحو وضوئي هذا ثم صلى ركعتين لا يحدِّث فيهما نفسه بشيء؛ غفر له ما تقدم من ذنبه» .

أين هذا من نفوس استحوذ عليها الهوى والشيطان؟! فلا ترى من صلاتها إلا أجساداً تهوي إلى الأرض خفضاً ورفعاً. أما قلوبها فخاوية، وأرواحها فبالدنيا متعلقة، ونفوسها بالأموال والأهلين مشغولة، أين هذا من أناس لا يعرفون الصلاة إلا في أيام الاختبارات ، أو في أوائل شهر رمضان، ثم ينسونها بقية العام؟لما سمع بعض السلف قوله تعالى: ﴿لاَ تَقْرَبُوا الصَّلاةَ وَأَنْتُمْ سُكَارَى حَتَّى تَعْلَمُوا مَا تَقُولُونَ﴾ ، قال: كم من مصل لم يشرب خمراً، هو في صلاته لا يعلم ما يقول، قد أسكرته الدنيا بهمومها.

أيها الناس، من أقام الصلاة فهو المسلم، ومن تركها فليس له في الإسلام حظّ ولا نصيب، بل يعتبر مرتدًا عن الإسلام، مارقًا من الدين، وإلا فقد حل دمه وماله، كما جاء في الصحيحين عن عبد الله بن مسعود رضي الله عنه أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: «لا يحل دم امرئ مسلم إلا بإحدى ثلاث: الثيب الزاني، والنفس بالنفس، والتارك لدينه المفارق للجماعة».

يقول الله عز وجل: ﴿كُلُّ نَفْسٍ بِمَا كَسَبَتْ رَهِينَةٌ (38) إِلاَّ أَصْحَابَ اليَمِينِ (39) فِي جَنَّاتٍ يَتَسَاءَلُونَ (40) عَنِ المُجْرِمِينَ (41) مَا سَلَكَكُمْ فِي سَقَرَ (42) قَالُوا لَمْ نَكُ مِنَ المُصَلِّينَ (43) وَلَمْ نَكُ نُطْعِمُ المِسْكِينَ (44) وَكُنَّا نَخُوضُ مَعَ الخَائِضِينَ (45) وَكُنَّا نُكَذِّبُ بِيَوْمِ الدِّينِ (46) حَتَّى أَتَانَا اليَقِينُ (47) فَمَا تَنفَعُهُمْ شَفَاعَةُ الشَّافِعِينَ﴾ .

وقد جاء في صحيح مسلم عن جابر بن عبد الله رضي الله عنهما قال: سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول: «إن بين الرجل وبين الشرك والكفر ترك الصلاة» .

وقد أجمع الصحابة رضي الله عنهم على كفر تارك الصلاة، يقول أبو هريرة رضي الله عنه : كان أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم لا يرون شيئًا من الأعمال تركه كفر غير الصلاة.

أيها المسلمون، إن من يترك الصلاة لا يجوز أن يزوّج امرأة مسلمة تؤمن بالله واليوم الآخر، ولا يرث ولا يورث؛ لقوله صلى الله عليه وسلم : «لا يرث المسلم الكافر ولا الكافر المسلم»، ولا يُغسل إذا مات، ولا يُكفن، ولا يُصلّى عليه، ولا يُدعى له بالمغفرة، ولا يثبت له شيء من حقوق المسلم على المسلم.

الخطبة الثانية :

الحمد لله :

أيها الناس، إن أمرًا هذا صفته وعبادةً هذه فضائلها جديرةٌ بأن تكون حلاًّ لكثير من المشاكل ومفزَعًا في كثير من الملمّات، ولقد كان يقول لبلال: «أرحنا بالصلاة يا بلال».

ما من مشكلة إلا والصلاة حلّ لها: إذا أجدَبت الأرض وقحط المطر ونشف الضرع أمِرنا أن نفزع إلى الصلاة. إذا تغيّر مجرى الكون واختلّ نظامه فذهب نور الشمس وأظلم القمر أمِرنا أن نفزع إلى الصلاة، في البخاري ومسلم: «إنّ الشمس والقمر آيتان من آيات الله، لا ينكسفان لموت أحدٍ ولا لحياته، فإذا رأيتموها فادعوا الله وصلوا». إذا مات المسلم وغادر هذه الحياة وابتدأ حياةً جديدةً أمِرنا أن نودِّعه بالصلاة.

إذا اضطرَبت أمور المؤمن وضاق عليه أمره فلا يدري أيذهب أم يعود أيفعل أم يترك أمِرنا أن نلجأ إلى الصلاة، في البخاري عن جابر رضي الله عنه قال: كان رسول الله صلى الله عليه وسلم يعلمنا الاستخارة في الأمور كما يعلّمنا السورة من القرآن يقول: «إذا همّ أحدكم بالأمر فليركع ركعتين من غير الفريضة، ثم ليقل: اللهم إني أستخيرك بعلمك وأستقدرك بقدرتك...» الدعاء المعروف.

إذا نام الإنسان ففزع في نومه وأقلقَته أحلام الشيطان أمِر أن يلجأ إلى الصلاة، في البخاري ومسلم عن أبي هريرة مرفوعًا: «إذا رأى أحدكم رؤيا يكرهها فلا يحدِّث بها أحدًا وليقم فليصلّ»، وفي البخاري عن عبادة مرفوعًا: «من تعارّ من الليل فقال: لا إله إلا الله وحده لا شريك له، له الملك وله الحمد، وهو على كل شيء قدير، والحمد لله، وسبحان الله، ولا إله إلا الله، والله أكبر، ولا حول ولا قوة إلا بالله، ثم دعا استجيب له، فإن توضأ وصلى قبلت صلاته».

إذا عصى المؤمن ربّه وأخطأ في حقّ مولاه فأذنب ذنبًا ثم ندم على فعله أمِرنا أن نلجأ إلى الصلاة، روى الترمذي وغيره عن أبي بكر رضي الله عنه قال: سمعت رسول الله يقول: «ما مِن رجل يذنب ذنبًا ثم يقوم فيتطهّر ثم يصلّي ثم يستغفر الله إلا غفر الله له»، ثم قرأ: ﴿وَالَّذِينَ إِذَا فَعَلُوا فَاحِشَةً أَوْ ظَلَمُوا أَنفُسَهُمْ ذَكَرُوا اللَّهَ فَاسْتَغْفَرُوا لِذُنُوبِهِمْ﴾ .

عباد الله، أيستبيح مسلم لنفسه بعد أن عرَف أهمية الصلاة وفضلها أن يتركها أو يتهاون بها؟! ألا فليبشر فاعل ذلك إن لم يتب بالعذاب يومَ القيامة.

عباد الله، إن من أكبر الكبائر وأعظم المعاصي ومن أفحش الذنوب تأخير الصلاة عن وقتها، أو النوم عنها وتجاهل أمرها، والويل لتارك تأديتها مع الجماعة ، فقد هم رسول الله أن يحرق بيوت تاركيها مع الجماعة بالنار، ولقد أمر المجاهدون بتأديتها جماعة ، وهم في ساحات الجهاد وميادين الوغى، فكيف يزعم متعالم بعدم وجوب الصلاة مع الجماعة.