التوحيد والتربية

بسم الله الرحمن الرحيم

التوحيد والتربية

فإننا في زمان كثرت فيه المتغيرات، وشنت على الإسلام الغارات، وعظمت التبعات، اهتزت عند البعض الثوابت، وتزعزعت القناعات، ونوقشت المسلمات، حار الآباءُ في التربية، كيف يواجهون تلك المدلهمات، ويقفون في وجه هذه الأمواج العاتيات، ونحن نذكر بمنهجٍ في التربية رصين، وبناءٍ محكمٍ متين، بينه كتابُ الله، لنأخذ موعظة لقمان لابنه منهجا في التربية ، ونموذجا في التأصيل ، لنرى بماذا بدأ لقمانُ موعظته ، وكيف رتَّب أفرادها، يقول تعالى ﴿وَإِذْ قَالَ لُقْمَانُ لابْنِهِ وَهُوَ يَعِظُهُ يَابُنَيَّ لاَ تُشْرِكْ بِاللَّهِ إِنَّ الشِّرْكَ لَظُلْمٌ عَظِيمٌ﴾ بدأ لقمان موعظته بالتوحيد ، فهو أساسُ الصلاح، وأصلُ الفلاح، فابدؤا بتعليم أولادكم التوحيد، علموهم لا إله إلا الله، بأركانها وشروطها ومقتضياتها، علموهم بأنه لا معبود بحق إلا الله ، علموا أولادكم أن الله جل جلاله، هو الملاذُ في الشدّة، والأنيسُ في الوحشة، والنصيرُ في القِلة، يتَّجه إليه المريض الذي استعصى مرضه على الأطباء، ويدعوه آملاً في الشفاء، إنه الله جلّ جلاله، سلوةُ الطائعين، وملاذُ الهاربين، وملجأُ الخائفين، إنه الله جل جلاله، يغفر ذنبًا، ويفرّج كَربًا، ويرفع قومًا، ويضع آخرين، يُحيي ميتًا، ويُميت حيًا، ويجيب داعيًا، ويعز من يشاء، ويذل من يشاء، يجبر كسيرًا، ويغني فقيرًا. إنه الله جل جلاله، أرغم أُنوف الطغاة، وخفض رؤوس الظلمة، ومزّق شمل الجبابرة، ودمّر سدَّ مأرب بفأرة، وأهلك النمرود ببعوضة، وهزم أبرهة بطيرٍ أبابيل.

ذكروهم بعظمة الله فهو هدي رسولكم صلى الله عليه وسلم كما عند (حم) من حديث ابْنِ عُمَرَ أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم قَرَأَ هَذِهِ الآية ذَاتَ يَوْمٍ عَلَى الْمِنْبَرِ ﴿وَمَا قَدَرُوا اللَّهَ حَقَّ قَدْرِهِ وَالأَرْضُ جَمِيعاً قَبْضَتُهُ يَوْمَ القِيَامَةِ وَالسَّمَوَاتُ مَطْوِيَّاتٌ بِيَمِينِهِ سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى عَمَّا يُشْرِكُونَ﴾ ، وَرَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم يَقُولُ هَكَذَا بِيَدِهِ وَيُحَرِّكُهَا يُقْبِلُ بِهَا وَيُدْبِرُ، يُمَجِّدُ الرَّبُّ نَفْسَهُ أَنَا الْجَبَّارُ أَنَا الْمُتَكَبِّرُ، أَنَا الْمَلِكُ أَنَا الْعَزِيزُ أَنَا الْكَرِيمُ، فَرَجَفَ بِرَسُولِ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم الْمِنْبَرُ حَتَّى قُلْنَا لَيَخِرَّنَّ بِهِ .

 ثم اغرس في قلب ولدك شهادةَ أن محمدا رسولُ الله، علمه طاعة الرسول صلى الله عليه وسلم فيما أمر ، وتصديقَه فيما أخبر، واجتنابَ ما عنه نهى وزجر، وأن لا يعبد الله إلا بما شرع عليه الصلاة والسلام، علمه الرضا بما شرع الله، والتسليمَ لأمر الله ورسوله ﴿وَمَا كَانَ لِمُؤْمِنٍ وَلاَ مُؤْمِنَةٍ إِذَا قَضَى اللَّهُ وَرَسُولُهُ أَمْراً أَن يَكُونَ لَهُمُ الخِيَرَةُ مِنْ أَمْرِهِمْ وَمَن يَعْصِ اللَّهَ وَرَسُولَهُ فَقَدْ ضَلَّ ضَلالاً مُّبِيناً﴾ ، اغرس في قلبه محبة رسول الله صلى الله عليه وسلم ففي (خ) عَنْ أَنَسٍ قَالَ قَالَ النَّبِيُّ صلى الله عليه وسلم «لا يُؤْمِنُ أَحَدُكُمْ حَتَّى أَكُونَ أَحَبَّ إِلَيْهِ مِنْ وَالِدِهِ وَوَلَدِهِ وَالنَّاسِ أَجْمَعِينَ» فإذا تمكن حبُّ الله وحبُّ رسوله صلى الله عليه وسلم في قلب الولد أو البنت، سعى إلى ما يرضي اللهَ ورسولَه، واجتنب ما يسخط اللهَ ورسولَه، لا يقع في الحرام ولو كان وحده، ولا يبحث عن المعاصي ولو كان خاليا. رقابة داخلية ، وحصانة إيمانية ، تحول بينه وبين الشرور ، وعظائم الأمور. ، ومن هنا نقول لبعض الأمهات عندما ترى مخالفة من ولدها لأخبرن أباك ، فليتها تقول إن الله يراك، وإذا وقع الطفل أو خاف قال أماه ، لماذا نعلمه أن يقول رباه.

عباد الله : ثم بعد ذلك وصية أخرى للقمان ﴿يَابُنَيَّ أَقِمِ الصَّلاةَ﴾ ، هذه الفريضةُ العظيمة، التي نسي فضائلَها أكثرُ المصلين ، وغاب تأثيرُها عن المربين، الصلاةُ التي لو أقمناها حق الإقامة، لنهتنا عن الآثام، ولمنعتنا من الوقوع في الحرام قال الله ﴿وَأَقِمِ الصَّلاةَ إِنَّ الصَّلاةَ تَنْهَى عَنِ الفَحْشَاءِ وَالْمُنكَرِ﴾ .

عباد الله : إذا تمكن التوحيدُ في قلب الولد ، أتاه توحيدُه وصلاتُه فمنعاه من معصية الله ، إذا هم بعقوق والديه، أتاه توحيده فذكره بقول الله ﴿وَقَضَى رَبُّكَ أَلاَّ تَعْبُدُوا إِلاَّ إِيَّاهُ وَبِالْوَالِدَيْنِ إِحْسَاناً﴾ ، إذا هم بمشاهدة فلمٍ هابطٍ في قناة ، أو مقطعٍ فاحشٍ في شبكة ، أتاه إيمانُه بالله فذكره بنظر الله إليه، واطلاعه عليه وذكره بقول الله ﴿إِنَّ السَّمْعَ وَالْبَصَرَ وَالْفُؤَادَ كُلُّ أُوْلَئِكَ كَانَ عَنْهُ مَسْؤُولاً﴾ ، إذا همَّ باستقبال مقطعٍ خليعٍ على جواله، وإرسالِه لغيره، أتاه توحيدُه فذكَّره بقول الله ﴿إِنَّ الَّذِينَ يُحِبُّونَ أَن تَشِيعَ الفَاحِشَةُ فِي الَّذِينَ آمَنُوا لَهُمْ عَذَابٌ أَلِيمٌ فِي الدُّنْيَا وَالآخِرَةِ﴾ ، وإذا همَّ بمعاكسة فتاة، وإعطائِها رقم جواله، واستقبالِ صورتها، وتهديدِها وابتزازها، أتاه إيمانه بقدرة الله، وعظيم غيرته على محارمه، وذكَّره بقول رسول الله صلى الله عليه وسلم كما قال ابن عباس : خطب رسول الله صلى الله عليه وسلم خطبة أسمع العواتق في خدورهن فقال : «يا معشر من آمن بلسانه، ولم يدخل الأيمانُ قلبَه، لا تؤذوا المؤمنين، ولا تتبعوا عوراتهم، فإن من يتبع عورة أخيه، يتبع الله عورته، ومن يتبع الله عورته، يفضحه ولو في جوف بيته».

 وهكذا البنت لو ربيت على التوحيد والصلاة ، لما تساهلت بالمكالمات الهاتفية ، وعبارات الذئاب البشرية، ولما تساهلت في إعطاء هذا رقم هاتفها، وذاك صورتها ، ولما تكسرت في مشيتها ، وتساهلت في إخراجِ عينيها، وكشفِ وجنتيها، لو ربيت على التوحيد والصلاة، لما رأيتم تهافت النساء على الموضات السافرة ، والتقليعات الماجنة، ولبس القصير والمفتوح من الثياب.

اللهم ...........................

الخطبة الثانية :

الحمد لله:

وهناك أمر في التربية مهم ، وحجة يحتج بها كثير من الأباء والأمهات ، ويرى أنها مخرج له، من تقصيره وأمره ونهيه، كثير من الآباء عندما يقال له علم ولدك الصلاة، أحضره لحلق تعليم القرآن، لا يلبس ملابس الكفار ، ولا يقص قصاتهم في الشعور، ولا يلبس ملابسهم الرياضية الخاصة بأنديتهم، لأن بعضها يحمل الصليب، وهو تشبه بهم لأنه من خصوصياتهم، لا تعطه الجوال وهو صغير، فالأمر جد خطير ، فلقد رأينا في جوالات بعض طلاب المدارس الإبتدائية، مقاطعَ جنسية ، وإذا قيل للمرأة اتقي الله في بنتك، لا تلبسيها البنطال، ولا القصير من الثياب، لا تعطيها الجوال، ففيه الشر والوبال ، قال الجميع بصوت واحد لا تعقدوهم فهم لازالوا صغارا، لا تنفروهم فما زالوا أغرارا، ألا ترى لابن عمه وبنت خالتها، بل انظر إلى كل الناس، كلهم في هذا الطريق ، وهم على هذا المنوال ، فلو منعتهم لعقدتهم، ولأحسوا بالنقص والاضطهاد.

فيقال أرأيت لو كان ابن أخيك يشرب الدخان ، أو يفعل الزنا ، أو يدمن المخدرات ، أو لا يصلي ، فهل سترضاه لولدك، وتقول ابن عمه يفعل كذا؟

ويقال للمرأة أرأيت لو كانت موضة البنات، هي الخروج مع صديقها فهل سترضين بهذه الموضة، وتقولين هذا حديث العصر، وموضة الزمان ، اليوم تطلب بنتك لبس القصير وتوافقين ، وغدا ستطلب كشف وجهها بحجة تقليد صديقاتها فماذا أنت فاعلة؟ وبعد غد سيأتيها صديقها في بيتك فماذا أنت متصرفه، وبعده وبعده وبعده، فهل ستقفين مكتوفة الأيدي ، مستسلمة لدعاة التغريب ، وحجتك لا تعقدوهم فلازالوا صغارا.

أرأيتم قول النبي صلى الله عليه وسلم «مُرُوا أَبْنَاءَكُمْ بِالصَّلاة لِسَبْعِ سِنِينَ وَاضْرِبُوهُمْ عَلَيْهَا لِعَشْرِ سِنِينَ لم يقل لا تعقدوهم، ومن النوم لا توقظوهم، بل قال عليه الصلاة والسلام (لَتَأْمُرُنَّ بِالْمَعْرُوفِ وَلْتَنْهَوُنَّ عَنِ الْمُنْكَرِ وَلَتَأْخُذُنَّ عَلَى يَدَيِ السَّفِيهِ وَلَتَأْطُرُنَّهُ عَلَى الْحَقِّ أَطْرًا أَوْ لَيَضْرِبَنَّ اللهُ قُلُوبَ بَعْضِكُمْ عَلَى بَعْضٍ وَيَلْعَنَكُمْ كَمَا لَعَنَهُمْ» فإذا علمت ولدك التوحيد، وأمرته بالصلاة، وأطرته على الحق أطرا، فقد أديت الذي عليك ، وفعلت الأسباب واهتديت، فلا يضرك بعد ذلك إن ضل ، فاتقوا الله عباد الله ، ولاتظنون أن الحجج الواهية ، تنقذكم غدا بين يدي الله، فكلكم راع ومسؤول عن رعيته