أشراط الساعة (3)

بسم الله الرحمن الرحيم

أشراط الساعة (3)

أما بعد: فإن الدنيا لم تخلق للبقاء ولم تكن دار إقامة، وإنما جعلت للتزود إلى الآخرة والتهيؤ للعرض على الله، وقد آذنت بالانصرام وولّت، قال تعالى: ﴿اقْتَرَبَ لِلنَّاسِ حِسَابُهُمْ وَهُمْ فِي غَفْلَةٍ مُّعْرِضُونَ﴾ ، وقال عز وجل: ﴿هَلْ يَنظُرُونَ إِلاَّ السَّاعَةَ أَن تَأْتِيَهُم بَغْتَةً وَهُمْ لاَ يَشْعُرُونَ﴾ وقد أخبرنا النبي صلى الله عليه وسلم عن أماراتها وعلامات قرب وقوعها فمن ذلك موت النبي صلى الله عليه وسلم وفتح بيت المقدس وطاعون عمواس واستفاضة المال والاستغناء عن الصدقة وظهور الفتن من فارس والمشرق، قال عوف بن مالك رضي الله عنه: أتيت النبي صلى الله عليه وسلم في غزوة تبوك وهو في قبة أدم، فقال: «اعدد ستًا بين يدي الساعة: موتي، ثم فتح بيت المقدس، ثم موتان يأخذ فيكم كقُعاص الغنم، ثم استفاضة المال حتى يعطى الرجل مائة دينار فيظل ساخطًا، ثم فتنة لا يبقى بيت من العرب إلا دخلته، ثم هدنة تكون بينكم وبين بني الأصفر، فيغدرون فيأتونكم تحت ثمانين غاية، تحت كل غاية اثنا عشر ألفًا».

وسيكثر المال في آخر الزمان حتى يعرض الرجل زكاة ماله فيقول الذي تُعرض عليه: لا حاجة لي بها، قال رسول الله صلى الله عليه وسلم : «لا تقوم الساعة حتى يكثر فيكم المال فيفيض حتى يَهِمَّ ربّ المال من يقبل منه صدقته، ويدعى إليه الرجل فيقول: لا أرب لي فيه» متفق عليه، وفي آخر الزمان يفشو الزنا وتكثر النساء ويقل الرجال ففي البخاري «من أشراط الساعة أن يقل العلم ويظهر الجهل ويظهر الزنا وتكثر النساء ويقل الرجال حتى يكون لخمسين امرأة القَيِّم الواحد»، ومن العلامات التي أخبر الرسول صلى الله عليه وسلم أن ينحسر جريان ماء نهر الفرات ، ويبرز جبل من ذهب يقتتل الناس عليه مقتلة عظيمة، فعن أبي هريرة رضي الله عنه أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: «لا تقوم الساعة حتى يحسر الفرات عن جبل من ذهب يقتتل الناس عليه، فيقتل من كل مائة تسعة وتسعون ويقول كل رجل منهم: لعلي أكون أنا الذي أنجو»، وقال صلى الله عليه وسلم : «يوشك الفرات أن يحسر عن جبل من ذهب، فمن حضره فلا يأخذ منه شيئًا» .

ومن العلامات دخول بعض المسلمين إلى المساجد ولا يصلون تحية المسجد، قال صلى الله عليه وسلم : «إن من أشراط الساعة أن يمر الرجل بالمسجد لا يصلي فيه ركعتين»، وفي رواية أخرى: «أن يجتاز الرجل المسجد فلا يصلي فيه»، وعن أنس يرفعه إلى النبي صلى الله عليه وسلم قال: «إن من أمارات الساعة أن تُتَّخَذَ المساجد طرقًا».

ومن العلامات التي أخبر الرسول صلى الله عليه وسلم ضياع الأمانة، وإسناد الأمر لغير أهله، كما عند البخاري من حديث أبي هريرة رضي الله عنه قال : بينما النبي صلى الله عليه وسلم في مجلس يحدث القوم جاءه أعرابي فقال: متى الساعة؟ فمضى رسول الله صلى الله عليه وسلم يحدِّثُ، فقال بعض القوم: سمع ما قال فكره ما قال، وقال بعضهم: بل لم يسمع، حتى إذا قضى حديثه قال: «أين أُراه السائل عن الساعة؟ ، قال: ها أنا يا رسول الله، قال: إذا ضيِّعت الأمانة فانتظر الساعة، قال: كيف إضاعتها؟ قال: إذا وسِّد الأمر إلى غير أهله فانتظر الساعة».

ومن أشراط الساعة كثرة الكتابة وانتشارها، ورفع العلم وموت العلماء وفشو الجهل، فعن رسول الله صلى الله عليه وسلم أنه قال: «تعلموا الفرائض وعلموها الناس، فإني امرؤ مقبوض، وإن هذا العلم سيقبض، وتظهر الفتن حتى يختلف الاثنان في الفريضة فلا يجدان من يفصل بينهما» وعن أنس بن مالك رضي الله عنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم : «إن من أشراط الساعة أن يرفع العلم ويظهر الجهل»، وأما عن كثرة الكتابة وانتشارها فيقول رسولنا محمد صلى الله عليه وسلم : «إن بين يدي الساعة ظهور القلم»، وفي حديث آخر: «إن من أشراط الساعة أن يكثر التجار ويظهر العلم». وقد كثرت الكتابة وانتشرت بتوفر آلات الطباعة والتصوير والشبكات والقنوات ، ومعظم ذلك في أمور الدنيا، أما العلم الشرعي وهو المقصود في الحديث فإنه يرفع ويقل أهله بموت العلماء.

ومن علامات الساعة، صدق رؤيا المؤمن ، فهي تقع كما رآها في المنام ولا تحتاج إلى تعبير وتأويل تسليةً للمؤمن الصادق وإكرامًا له وإعانةً وإيناسًا له بالرؤيا الصادقة. فعن أبي هريرة رضي الله عنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم : «إذا اقترب الزمان لم تكد رؤيا المسلم تكذب، وأصدقكم رؤيا أصدقكم حديثًا، ورؤيا المسلم جزء من خمسة وأربعين جزءًا من النبوة».

الخطبة الثانية :

الحمد لله :

أما بعد: فإن من علامات الساعة وأماراتها التماس العلم عند الأصاغر، وعندها يتفرق الناس وتتعدد المذاهب وتكثر الأحزاب والأهواء ويُعْجَبُ كلُّ ذي رأي برأيه. قال رسول الله صلى الله عليه وسلم : «إن من أشراط الساعة ثلاثًا، إحداهن: أن يُلتمس العلم عند الأصاغر» .

وعن عبد الله بن مسعود رضي الله عنه قال: "لا يزال الناس بخير ما أتاهم العلم من أصحاب محمد صلى الله عليه وسلم ومن أكابرهم، فإذا أتاهم العلم من قبل أصاغرهم وتفرقت أهواؤهم هلكوا" .

وسئل عبد الله بن المبارك رحمه الله عن الأصاغر فقال: "الذين يقولون برأيهم".

ونحن نرى اليوم في الوسائل الإعلامية بأن المبتدئين في طلب العلم والذين يحبون الشهرة ، هم من يظهر على الشاشات وأمام اللاقطات وعلى صفحات الجرائد والمجلات ويفتون الناس بعلم في جوانب قليلة وبغير علم في كثير من الأمور ويُترك العلماء والراسخون في العلم ويُبعدون عن الظهور ، فعندها يُؤْخذ العلمُ من الأصاغر فعلاً ويُترك الأكابر، والله أعلم.

ومن علامات الساعة: ارتفاع أسافل الناس على خيارهم، فتكون أمور الناس ومصالحهم بين سفهائهم وأراذلهم ، فعن أبي هريرة رضي الله عنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم : «إنها ستأتي على الناس سنون خداعة؛ يصدَّق فيها الكاذب ويكذَّب فيها الصادق، ويؤتمن فيها الخائن ويخوَّن فيها الأمين، وينطق فيها الرويبضة ، قيل: وما الرويبضة؟ قال: السفيه يتكلم في أمر العامة»، وعن حذيفة بن اليمان رضي الله عنه أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: «لا تقوم الساعة حتى يكون أسعد الناس بالدنيا لُكَع بن لكع».

وفي آخر الزمان تعظم غربة الإسلام ، قال رسول الله صلى الله عليه وسلم : «يُدرس الإسلام كما يُدْرس وَشْيُ الثوب حتى لا يُدْرَى ما صيام ولا صلاة ولا نسك ولا صدقة، ويُسْرَى على كتاب الله في ليلة فلا يبقى في الأرض منه آية، وتبقى طوائف من الناس الشيخ الكبير والعجوز، يقولون: أدركنا آباءنا على هذه الكلمة يقولون: لا إله إلا الله، فنحن نقولها». وهذا والله أعلم في آخر الزمان عند قرب القيامة، قال عبد الله بن مسعود رضي الله عنه: "لينزعن القرآن من بين أظهركم يُسْرَى عليه ليلاً فيذهب من أجواف الرجال، فلا يبقى في الأرض منه شيء".