الخشوع والاختبارات

بسم الله الرحمن الرحيم

الخشوع والاختبارات

الصلاة من أعظم الفرائض أثرًا، وأكثرها عند الترك خطرًا، فيها أكرم قول يردده لسان، مع أكرم حركة يؤديها المسلم، هي عمود الدين، ومفتاح جنة رب العالمين، عُرِج برسول الله صلى الله عليه وسلم وفتحت له أبواب السماء، فأخذ يتجاوزها مكانًا ومكانة، عُرِج به بمقامٍ يسمع فيه صريف الأقلام، فكان قاب قوسين أو أدنى، ثم نزل عليه الأمر من ربه تبارك وتعالى بالصلاة، وحين حضرته الوفاة وعَلمَ أنه يودع الدنيا ،كانت الصلاة خاتمة وصيته، فأصبح يقول: «الصَّلاَةَ الصَّلاَةَ وما مَلَكَتْ أَيْمَانُكُمْ» رواه أحمد

من حافظ عليها فقد تَوثَّقَ من عُرَى دينه، وأخذ بأصله، ومن ضيّعها فقد ضيّع دينه من أصله، الصلاة دواء يشفي من أمراض القلوب وأدوائها، وفساد النفوس وأسقامها، النور المزيل لظلمات الذنوب والمعاصي، يتطهّر بها المسلم من غَفَلات قلبه، وهفوات نفسه، كما قال المصطفى صلى الله عليه وسلم «أرأيتم لو أن نهرًا بباب أحدكم يغتسل منه كل يوم خمس مرات، هل يَبْقَى من دَرَنِهِ شيء؟ ، قالوا: لا يَبْقَى من دَرَنِهِ شيء. قال: فذلك مَثَلُ الصلوات الخمس؛ يَمْحُو الله بهن الخطايا» رواه مسلم .

وكما ورد في حديث فضائل الوضوء وفيه أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: «فإن قام فصلى فحمد الله وأثنى عليه وَمَجَّدَهُ بالذي هو له أَهْلٌ، وَفَرَّغَ قلبه لله إلا انصرف من خَطِيئَتِهِ كَهَيْئَتِهِ يوم وَلَدَتْهُ أُمُّهُ» رواه مسلم

إن عبادة هذه نتائجها، وعملاً هذا شأنه، لجدير بأن نسعى لتحقيقه والعناية به، وأن نجعله نُصْبَ أعيننا، وحديث نفوسنا، الله أكبر حي على الصلاة حي على الفلاح، نداء يصدح في الأرجاء، وأذانٌ يخترق الآذان، ليوقظ أجسادًا مشرقة بالإيمان، وقلوبًا مخبتة، فإذا بالوفود تتكاثر، والجموع تصطف ولا تتناثر ﴿قَدْ أَفْلَحَ المُؤْمِنُونَ (1) الَّذِينَ هُمْ فِي صَلاتِهِمْ خَاشِعُونَ﴾ ، بالخشوع ـ عباد الله ـ يجمع المصلي في صلاته بين طهارة الظاهر والباطن، إذ كان صلى الله عليه وسلم يقول في ركوعه «خشع لك سمعي وبصري ومخي وعظمي وعصبي» رواه مسلم وفي رواية عند أحمد: «وما استقلت به قدمي» .

بالخشوع تغفر الذنوب، وتكفر السيئات، وتكتب الصلاة في ميزان الحسنات، كما ثبت في صحيح مسلم أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال «ما من امرئ مسلم تحضره صلاة مكتوبة، فيحسن وضوءها وخشوعها وركوعها إلا كانت كفارة لما قبلها من الذنوب، ما لم يأت كبيرة وذلك الدهر كله» رواه مسلم

الصلاة إذا زينها الخشوع، وترسخ في أقوالها وأفعالها الذُّلُ والانكسار، والتعظيم والمحبة والوقار، نهت صاحبها عن الفحشاء والمنكر، فيستنير قلبه، ويتطهر فؤاده، ويزداد إيمانه، وتقوى رغبته في الخير. بالخشوع يزداد إقبال المصلي على ربه، فيكون اقتراب ربه منه، فقد أخرج أحمد وأبو داود والنسائي ، أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال «لا يزال الله عزّ وجلّ مقبلاً على العبد في صلاته ما لم يلتفت، فإذا صرف وجهه انصرف عنه» .

الخشوع أمرٌ عظيم شأنه، سريع فقده، نادر وجوده، وحرمان الخشوع من أكبر المصائب والعلل ،وخطبٌ جَلل، كان يستعيذ منه المصطفى صلى الله عليه وسلم ، ويقول في دعائه: «اللهم إني أعوذ بك من قلب لا يخشع» رواه الترمذي

وما أصاب بعض المسلمين من ضعف في أخلاقهم، وانحراف في سلوكهم، إلا لأن الصلاة غدت جثة من غير روح وحركات مجرّدة، أخرج الطبراني وغيره أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: «أول ما يُرفع من هذه الأمة الخشوع، حتى لا ترى فيها خاشعًا» .

وقال الصحابي الجليل حذيفة رضي الله عنه : "أول ما تفقدون من دينكم الخشوع، وآخر ما تفقدون من دينكم الصلاة، ورب مصلي لا خير فيه، ويوشك أن تدخل المسجد فلا ترى فيهم خاشعًا" .

الصلاة أُنس المسلم وسلواه، غاية مراده ومناه، يقول لبلال: «أرحنا بها» ويقول أيضًا: «جُعِلت قُرّة عيني في الصلاة» أخرجه النسائي وأحمد، قُرّة عينه، ونعيم روحه، وجنة قلبه، ومستراحه في الدنيا، فلا يزال كأنه في سجن وضيق حتى يدخل فيها فيستريح بها لا منها، يخلع على أعتاب المسجد الدنيا ومباهجها، ويترك هناك أموالها وشواغلها، يطوي صحيفة ذكرها من قلبه، يدخل المسجد بقلب أخذته الرهبة إجلالاً لله، ورغبة في ثوابه سبحانه.

الخطبة الثانية :

الحمد لله:

من الناس من يصلون بأجسامهم وأعضائهم، يحركون ألسنتهم وأفواههم بالكلم، يحنون ظهورهم راكعين، يهوون إلى الأرض ساجدين، لكن قلوبهم لم تتحرك نحو بارئها الأعلى، يظهرون له الخضوع وقلوبهم نافرة، يقرؤون القرآن لكنهم لا يتدبرونه، يسبحون لكنهم لا يفقهونه، زيّنوا ظواهرهم وغفلوا عن بواطنهم.

من الناس من لايأتي إلى الصلاة إلا في المواسم وعند الحاجات، كالمرض أو في الامتحانات .

 عباد الله : بمناسبة الحديث عن الامتحانات هذه بعض التنبيهات التي تتكرر كل عام مخاطرها، وتزداد كل سنة أصنافها وأشكالها.

ففي أيام الاختبارات تكثر التجمعات الطلابية خارج المدارس، وتزداد جلسات الأنس على الأرصفة والمطاعم وغيرها، وهذه فرصة يستغلها ضعفاء النفوس للتغرير بأبنائنا ودعوتهم إلى سيئ الأخلاق، ودعوتهم إلى تعاطي الدخان والمخدرات، وهي فرصة تتكرر للتفحيط والعبث بالسيارات، أو التجوال حول مدارس البنات.

وحذار من تلك الأفعال الدنيئة التي نراها في نهاية كل اختبار من إهانة لكتب العلم ورميها في الطرقات وتمزيقها والعبث بها، مع أنها تحتوي آيات كريمة وأحاديث نبوية شريفة، فاحذر أن تكون سببًا في إهانة كلام الله أو كلام رسوله صلى الله عليه وسلم .

أيها الإخوة في الله، وصيّة للآباء والأمهات ألا وهي مراقبة الأولاد في هذه الأيام، فأكثر انحرافات الشباب وأكثر العادات السيئة التي يكتسبها الطلاب تكون في مثل هذه الأيام، حيث يكون الطالب حرًا طليقًا بمجرّد انتهائه من أداء الاختبار، فيتعرف على رفقاء السوء الذين يزيّنون له المنكر، ويدفعونه إلى السوء والفحشاء. فالله الله في أبنائكم وفلذات أكبادهم، كونوا معهم في الغدو والرّواح.